"ها أنت ذا.. أنادي عليك وكأنك لست بجانبي" جملة لشاعر إيطالي قالها وكأنه لا يتحدث عن حبيبته، وإنما عن عالم بأكمله، فالجميع يتساءل بمختلف اللغات لماذا أصبح الفتور عنوان قصص الزواج؟ لماذا لم يعد أي طرف مهتما بقراءة الأسئلة في عيون شريكه؟ ولماذا يبدأ التجمد في لحظة الانصهار، فتتحول العلاقة الحميمة من ممارسة للحب إلى واجب زوجي يهرب منه الطرفان أو يؤديه كل منهما على عجل؟ وهل تشعب اليأس حتى أصبح الحل هو الاشتهاء العلني لعلاقات غريبة تصل إلى حد تبادل الزوجات والأزواج كما رأينا مؤخرا؟!
فالفتور قابع جثوم داخل البيوت، قليلون هم من يحاولون محاولات فردية للفرار منه، والمعظم ييأس ويتعايش مع ما يجمعه هو وشريكه في صمت، حتى يأتي الوقت الذي ينفجر فيه هذا الرابط الذي أضعفه الملل فصار كلغم قديم وطأته قدم هزيلة، فتقع الخيانات ويحدث الطلاق الذي يتلقاه الناس كأنه مفاجأة غير متوقعة، وقد يصل الأمر إلى تبادل الاتهامات المحرجة علنا.
حاولت إحدى السيدات الابتكار في السؤال حتى تبتكر في الإجابة.. فكتبت على مدونة باسم حركي: بعد ثماني سنوات زواج "دائما ما أسأل نفسي هل مازال يحبني؟ هل مازال يراني بين يديه فتاة صغيرة منطلقة؟ هل ما أراه في عيني زوجي من انشغال بهموم الحياة هو ما يجعله عاكفا عني؟".. وهنا أكملت: "قد يكون الحل أن ينقلب السؤال.. وأن يكون شغلي الشاغل هو دفع زوجي ليسأل نفسه: هل مازالت تحبني؟ هل مازلت الزوج الجدير بهذه المرأة الرقيقة؟ وهل أعطيها حقها في السعادة حين تكون معي؟".
داخل أحد المنتديات الاستشارية الطبية حاول أحدهم السؤال، ولكن بشكل أكثر تحديدا، فتحدث عن الملل الذي أصاب علاقته الحميمة بزوجته، وقال لم نعد نحتاج أن نظلم الغرفة، فلا أحد منا ينظر للآخر وننتهي على عجل، وهو ما يجعلني أشعر بالتقزز بعد نهاية المحاولة في كل مرة، وكأنه لا يوجد معي على الفراش إلا وسادة".. ولم ينس أن يضيف: "أعتقد أن هذا هو شعورها هي الأخرى".
الدائرة النارية.. تحرق صاحبها
الخبراء على حالهم يحاولون عن جهد النفاذ عبر المسام المسدودة، وإن واجهوا الخلاف القديم الدائم.. هل أسباب الفتور مادية أم وجدانية؟ وهل العلاقة الحميمة والتجديد بها هو مفتاح النجاح؟ أم أن اختلاف المسارات وغياب الانفعال بآمال وآلام الطرف الآخر هو بداية الانفصال الجسدي؟
يقول د. "أحمد البحيري"، الاستشاري النفسي، إنه لا يمكن القول إن ما حدث في قضية تبادل الزوجات مجرد انعكاس لقضية الفتور الزوجي، فهو أمر يخالف الطبيعة البشرية.. لكنه يعود ويضيف أن طبيعة العصر تفرض المزيد من الضغوط والتحديات، وأن الزوجين يقعان في فخ يحاصران فيه بالفتور الذي يصيب العلاقة الزوجية من ناحية، في الوقت الذي تزداد فيه المثيرات الخارجية من مواقع إباحية وحفلات وغيرها من ناحية أخرى، مما يسمح بإيجاد متنفس شهواني سريعا ما يمل منه الإنسان ليبحث عن آخر، فيدخل في حالة جوع جسدي محموم ليس له هدف أو نهاية.
ويعيد الاستشاري النفسي أهم أسباب حدوث الفتور بين الأزواج إلى غلبة النواحي المادية على أفكار واختيارات الطرفين من البداية، فالزوجة تبحث عن الرجل المقتدر ماديا الذي بدوره يبحث عن عروس جميلة تحقق له الإمتاع المرتقب، وهكذا يدخل كل منهما إلى حلبة الزواج متباهيا بما لديه وكأنه يملك سلعة للبيع، إلا أنه سرعان ما تفقد هذه المزايا بريقها بفعل التكرار، وهنا تظهر الأزمة في افتقاد لغة انسجام وتفاهم مشترك تجعل كل طرف حريصا على التفكير بالآخر واحتياجاته، مؤمنا أنه قادر على إسعاده طالما استطاع من قبل لمس مشاعر وأفكار شريكه وترجمتها إلى العديد من الأفعال المشتركة على رأسها القبول الجسدي.
السعي.. هو الحل
د. "سعاد البنا"، مدرس علم النفس بجامعة المنصورة، تبدأ حديثها باقتباس من مقال صحفي حول فيلم "نقطة نور" للممثل "ويل سميث" فتقول: الفيلم يتحدث بصفة عامة عن الفرق بين "البحث عن" و "السعي إلى"، وأعتقد أن هذا هو الفرق بين علاقة زوجية ناجحة وأخرى فاشلة، فالبدايات غالبا تكون متشابهة ولكن النهايات تختلف، وهو ما يجعلنا نؤكد أن السبب غالبا هو عدم سعي كلا الطرفين بجدية من أجل إيجاد حل مشترك يعيد الحياة فيما بينهما.
وترى "سعاد البنا" أن مستويات الاحتياج متعددة، منها الجسدي والعاطفي والعقلي والروحي، ومن ثم لا بد لكل من الطرفين الاشتباك مع المستويات المختلفة، والزوجة يقع عليها الدور الأكبر لأن الزوج غالبا ما يدلف إلى التجربة الزوجية وداخله هاجس الرتابة والملل، على عكس الزوجة التي تسرع إلى الاستقرار.
وتنبه أنه لا معنى للتفكير في "أو" للتخيير في الإجابة عن سبب الفتور، وأن الحل في التركيز على "و.." التعدد، لأن كلا الجانبين الحسي والوجداني يكملان بعضهما البعض ويبقى العقل هو المحرك لكل منهما، لأنه إذا أدرك أنه أمام مشكلة فسيحاول استيعابها فيحرص كل طرف على التجديد في شكله ومظهره بالأسلوب الذي يجذب شريكه، ومن ناحية أخرى يقبل على مزيد من الالتحام مع طموحاته وهمومه، وإيجاد مادة دائمة للحوار تساعد على تجاوز أية هوة قبل أن يزداد اتساعها بشكل يصعب معه الرجوع.