ظاهرة القلق والانتحار.. أسباب وعلاج
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
في الغرب أعداد هائلة من المصابين بالقلق والاكتئاب يديمون التردد على عيادات الصحة النفسية، وليس غريبا أن يكونوا كذلك، لكن الغريب أن يكون مثل ذلك بين المسلمين، فأعداد المترددين على العيادات النفسية في ازدياد، والانتحار غدا ظاهرة ملحوظة.. فلم يحدث مثل هذا عند المسلمين، وهذا القرآن والنور النبوي بين أيديهم، والعلماء الصادقون لا يبخلون عليهم بنصيحة؟
أظن أن السبب هو الإغراق في الماديات..
فالغربيون مبدؤهم وحياتهم وأهدافهم كلها مادية، وليس لهم عناية بالجانب الروحي، وهذا هو السبب في شقائهم، والمسلم الذي يبالغ في العناية بجسده مع إهمال روحه يعتريه ما يعتري الكافر من ضيق واكتئاب وحاجة ملحة إلى زيارة العيادات النفسية بصفة دائمة.
إن الإنسان مخلوق من مادة جامدة أرضية، محصورة في نطاق معين، ومادة لطيفة علوية تسيح في العالم بلا حدود، وكل من هاتين المادتين تحتاج إلى عناية خاصة، فالعناية بإحداهما دون الأخرى تنقص إنسانيته، وذلك ينعكس سلبا على راحته، وأكثر الناس اليوم يغلبون جانب المادة الجامدة (الجسد) فيسري هذا الجمود إلى المادة اللطيفة (الروح) فتصبح كذلك جامدة محصورة في حدود الجسد، فيفقدون إنسانيتهم ويصبحون قوالب حجرية لا تقبل التمدد وترفض التوسع والانشراح، وأساس الراحة والطمأنينة الانشراح والسعة، وتلك القوالب الحجرية الجامدة تمنع من ذلك، فيحدث الضيق والقلق والاضطراب..
فهذه نتيجة العناية بالمادة الجامدة مع إهمال المادة اللطيفة، لكن العناية بالروح والجسد كل بقدره يفسح المجال أمام هذه المادة اللطيفة أن تعانق العالم العلوي، وأن تسري في مجال الكون الرحب الواسع، تنظر فيه وتتأمل حقائقه، وترجع بالعبر المفيدة، والفوائد العجيبة، دون مانع أو قيد يكون من الجسد، بل ربما سرت لطيفة الروح إلى الجسد فيزول عنه الجمود، وذلك مما يشرح الصدر وينفس الكربات، ويزيل عن البدن أمراضه وعلله، وهذا حال من أعطى كل شيء حقه، فلم يهمل حاجات الروح مقابل حاجات الجسد، قال الله تعالى:
– {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء}.
إن الإنسان نصفه روح ونصفه جسد، فمن صار غايته في جسده لم يعد إنسانا بل نصف إنسان..
أرأيتم في يوم ما نصف إنسان، ليس له إلا عين واحدة وأذن واحدة، وشق فم وشق أنف وشق وجه وشعر، ويد ورجل واحدة؟.. هل رأيتم صورة بشعة كهذه؟..
فهذا مثل من جمد ولم يلطف، من نظر إلى جسده ولم يلتفت إلى روحه: نصف إنسان في كل شيء، لم يعرف من إنسانيته إلا الجمود والتحجر والقسوة والغلظة.. فأنى لمثل هذا أن ينعم أو يطمئن؟..
إنه يخالف إنسانيته وطبيعته وخلقته التي خلقه الله عليها، ومن رام مخالفة الإنسانية، أو كسر الطبيعة، أو تغيير الخلقة الربانية، انكسر وتشتت وضاع، وأحاط به القلق والاكتئاب، فيبحث عن المخرج فلا يجده إلا في الانتحار، بعد يأسه من عيادات الطب النفسي أن يجد فيها الطمأنينة والانشراح.
إن الله جل شأنه عندما خلقنا في هذه الدنيا لم يخلقنا هملا، بل خلقنا لغاية، هذه الغاية باختصار أن نعبد الله وأن ندعو الناس إلى عبادته، ومن لازم ذلك عمارة الأرض بالقدر الذي يحقق تلك الغاية، هذه العبادة منسجمة غاية الانسجام مع إنسانيتنا، فالعبادة تلبي حاجة الروح، قال تعالى:
– {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}.
والعبادة لا تحصل إلا بعمارة الأرض:
بالسعي في الرزق؛ وإعداد القوة لإرهاب العدو، وتلك تلبي حاجة الجسد، قال تعالى:
– {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }.
وقال تعالى:
– {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ}.
وبذلك تكون الإنسانية متكاملة متوازنة، فتستقر الحياة وتحلو اللحظات ويزول عنها أسباب القلق، فأنى للقلق أن يغزو الإنسان إذا صار مدركا لأهمية التوازن في الحياة بين حاجات الروح والجسد؟..
ولا يحقق هذا التوازن إلا المؤمن، لذا يعيش حياة طيبة مطمئنة، قال تعالى:
– {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
بعكس الذي يقدم حاجات الجسد، فإنه يختل ميزانه، وتختفي حدود إنسانيته، فيدركه الشقاء، كالبقال الذي لا يملك ميزانا يبيع به، وصاحب الأرض الذي لا يعرف حدود أرضه، قال تعالى:
– {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا}.
تقولون: قد عرفنا وسمعنا مرارا ما تقول، فاذكر لنا المخرج من هذا المأزق الذي نقع فيه دائما، مع معرفتنا أهمية العناية بالروح، وأنه سبب السعادة، إلا أننا ننساق وراء الجسد، فنشعر بخيبة الأمل والضيق يحاصرنا في كل مكان، فلا نحن الذين علمنا فسعدنا، ولا نحن الذين جهلنا فاعتذرنا بجهلنا؟..
فالجواب أن نقول: لا تنال الثمرة بالأماني والأحلام، إنما تنال بالعمل والجد والصدق، فنحن نعلم ونسمع دائما مثل هذا الكلام، لكن من الذي يعمل له؟؟!!
إننا نريد أن يدخل الاطمئنان في قلوبنا والعيش الهنيء بمجرد أن نسمع ونعلم دون أن نعمل، وهذا خطأ:
فلم يكن الإنسان ليبلغ الرزق بلا سعي.. ولم يكن له أن يرزق الولد بلا زوجة.. ولم يكن له ليشفى من المرض بلا دواء.. وكذا لم يكن له ليطمئن وينشرح صدره بلا عمل صالح وذكر دائم.. فحاجات الروح كحاجات الجسد.. هل يستغني المرء عن الطعام يوما؟..
هل يستغني عن اللباس وقتا؟..
هل يستغني عن المسكن لحظة؟..
كذلك لا يستغني عن الذكر والعمل الصالح، فهو محتاج إليه أعظم من حاجته إلى الطعام والماء واللباس والمسكن، بل والهواء، فإن حاجات الجسد إذا امتنع منها غاية ما في الأمر هلاك نفسه وبدنه، لكنه إذا امتنع من حاجات روحه خسر الدنيا والآخرة، وكان في جهنم معذبا لا يموت فيها ولا يحيا.
هذا العالم المادي بدأ يجمع ما تناثر منه في الحقبة الماضية، ويعود إلى رشده بعد إلحاده، ويقر بأن عبادة الله هي المنجاة من كل الأمراض الجسدية والروحية، وعلماؤهم يعقدون كل سنة اجتماعات مكثفة لدراسة تأثيرات العبادة والذكر على البدن، ويخرجون بتوصيات تتفق مع ما جاء به الإسلام، من أهمية العناية بالعبادة، وخطورة الإغراق في الماديات، فهؤلاء أصحاب المادة والعلم المجرد والإلحاد يقولون هذا، رجعوا عن إلحادهم، بعد أن ذاقوا ويلات مخالفة الطبيعة الكونية، ومحاولة كسر الخلقة الربانية، وعرفوا أن الطريق الصحيح هو انسجام الجسد مع الروح لا طغيانه عليه، فهل نحن بحاجة إلى اعترفاتهم ليؤمن بعضنا بما جاء عن ربنا؟!..
نعم للأسف، فبعض المسلمين لا يؤمن ولا يطمئن إلى الحقائق الكونية والشرعية إلا إذا جاءت عن العالم الغربي المادي، وهذا نوع من الانهزامية والتبعية المقيتة التي تشكك في إيمان المسلم وتجعله عرضة للتقلبات، لكن الله تعالى يقول:
– { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا }.
فنحن نؤمن بما جاء عن الله تعالى على لسان رسول الله عليه الصلاة والسلام ولو لم يأتنا دليل غيره، فما جاءنا عن الشرع كاف في حملنا على الاتباع، فثقتنا بربنا وبرسول ربنا أعظم من كل شيء..
ثم إننا ننبه إلى أمر هو غاية في الأهمية، فعندما نقول إن العبادة تبعث على السعادة الطمأنينة لا نزعم أن الدنيا تصبح جنة كجنة الآخرة، ينتفي منها كل مظاهر الألم والحزن، كلا، بل الذي ينتفي هو دوامه ولزومه، أما الألم فهو موجود في الدنيا ولا بد؛ لأن الله تعالى خلق دارين، دار الدنيا وهي مزيج من الخير والشر، ودار الآخرة وهي إما خير محض وذلك في الجنة، وإما شر محض وذلك في النار، فما دمنا في الدنيا فلا بد إذن من الألم، قال تعالى:
– {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.
لكن فرق ما بين المؤمن والكافر، أن المؤمن موعود بالثواب على الصبر، وعنده من العلم الإلهي ما يملأ نفسه صبرا ورضا، فما من ألم يصيبه إلا ويكون كفارة له أو رفعا لدرجته، ومهما صبر على المصائب فإنها تنقلب في حقه هي بذاتها نعمة لما كان محتسبا، يقول عليه الصلاة والسلام:
– (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا أذى ولا هم ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه) متفق عليه.
– (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) الترمذي.
لا يسلم الإنسان من الهموم؛ لأن الله خلقه على هذه الصفة، قال عليه الصلاة والسلام:
– (أصدقها [الأسماء ] حارث وهمام) أبو داود.
فهذان الوصفان منطبقان على الإنسان، فهو حارث يسعى في رزقه، وهو همام يهتم لما يريده، والهموم على نوعين: النوع الأول: هموم دنيوية؛ والنوع الآخر: هموم أخروية..
وأشرفها الأخروية، ولا يمكن علاجها، وأما الدنيوية فيمكن علاجها، وهي إما أن تتعلق:
بالماضي، أو الحاضر، أو المستقبل.
– أما الهم المتعلق بالماضي فإن سببه الإخفاق في عمل ما، أو الألم من إساءة الآخرين، أو طلب الانتقام من المعتدين، أو الشعور بنكران الجميل من القريبين..
– وأما الهم المتعلق بالحاضر فإن سببه الشعور بالنقص في الذات، وعدم الثقة بالنفس..
– وأما الهم المتعلق بالمستقبل فإن سببه الخوف من الفشل في عمل ما، والخوف على النفس من الأذى، وعلى الرزق من الضياع..
هذه أهم أسباب القلق، ومعرفة السبب أول العلاج.
فأما الهموم المتعلقة بالماضي فعلاجها النسيان، فالرجل الذكي هو من يعيش دقائق ساعاته دون أن ينبش ما في الماضي، فإن حوادث الإساءة والتعدي ونكران الجميل والإخفاق أمور شائعة في كل مجتمع، لا نتخيل العالم بدونها، فإن الناس جائرون في أحكامهم إلا القليل، ومن النادر أن نجد من يعطي كل ذي حق حقه؛ لذا فمن الخطأ أن نتوقع الإحسان من الإنسان في كل شيء، فالظلم والجهل غالبان، قال تعالى عن الإنسان:
– {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً}.
والكامل من غلبت حسناته سيئاته.
إذا فهمنا هذه الحقيقة البشرية استرحنا من التألم من إساءة فلان أو ظلم فلان أو جحود فلان، ولو كانوا أقرباء أو أبناءً، وليس من الحكمة أن نشغل أوقاتنا وقلوبنا بطلب الانتقام ممن ظلمونا، فأوقاتنا أثمن من أن نضيعها في هذه الصغائر..
ألا يكفي أننا أضعنا دقائقنا ونحن نستمع إلى إساءتهم؟..
إن قلوبنا الغضة تتألم وتمرض، وقد تموت إذا نحن سمحنا لأنفسنا بإعادة التفكير في المآسي الماضية، ولا يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغه الجاهل من نفسه، فالجاهل يهلك نفسه بما مضى، وعدوه في راحة مما هو فيه..
والإحسان إلى الناس عمل نبيل، ومن كان نبيلا ينبغي له ألا ينتظر ممن أحسن إليهم شكرا أو ثوابا، بل ينتظر الثواب من الله تعالى، كما قال تعالى:
– {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا *إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا}.
فالمنتظر ثوابه من الناس يرجع آسفا متألما؛ لكثرة الجاحدين، وقد لا يكونوا جاحدين بل ناسين غافلين..
إن الرجل المثالي يفرح أن يحسن للآخرين، ويخجل من إحسان الناس إليه؛ لأن تقديم الإحسان علامة التفوق، أما تلقيه فهو دليل الفشل.. والإخفاق من طبع البشر، فلماذا نتألم من حصوله؟!
إن مخترع الكهرباء أجرى مئات التجارب الفاشلة قبل أن يصل إلى التجربة الناجحة، ولو أنه توقف عند أول تجربة فاشلة لما اخترع المصباح، فليس الفشل عيبا، بل العيب في اليأس، وليس صحيحا أن نتوقع النجاح في كل عمل.
وأما الهموم الحاضرة، وهي المستمرة في الإنسان، المتعلقة به على الدوام، وهي في العادة تكون متعلقة بشخصيته، فعلاجها الثقة بالنفس، إن بعض الناس يشعرون بالنقص، سبب هذا الشعور أشياء متعددة، كأن يكون المرء قبيح المنظر، أو فيه عاهة، أو غريبا على المجتمع في لونه أو جنسه، فيدفعه ذلك إلى التقليد أو الانزواء، وهذا خطأ يولد القلق، لماذا يستحي الإنسان من شيء لم تعمله يداه؟!
إن الله تعالى لحكمة مايز بين خلقه، وكل إنسان له عقل يستطيع أن يقدم الشيء الكثير لنفسه ولأمته، ولو كان فيه نقص في بدنه.. كان عطاء بن أبي رباح عالما لا يفتي في مكة غيره، ذكروا أنه كان عبدا أسود ذميم الخلقة جدا، لكن ذلك لم يمنعه من التطلع إلى المستقبل، حتى بلغ أعلى مرتبة، حتى أن الخليفة جاء وجلس بين يديه كالتلميذ يتعلم منه، وقام وهو يوصي أولاده بالعلم، ويذكر لهم ألمه من الذل الذي شعر به حين كان يجلس بخضوع بين يدي ذلك العبد الأسود، واليوم نسمع برجل مؤمن عظيم، يقود أمة بأكملها وهو مشلول، وليس فيه شيء يتحرك إلا لسانه، يقودهم لأنه لم يلتفت يوما إلى عاهته ونقص بدنه، فالإنسان في مقدوره أن يكون شيئا عظيما في كل الأحوال مادام يملك هذا العقل..
إن تسعين بالمئة من شؤون حياتنا صحيحة، وعشرة بالمئة فقط هي التي تحتاج إلى تصحيح، أليس من الخطأ أن نتجاهل هذه التسعين وننتبه للعشرة؟!
وأما الهموم المتعلقة بالمستقبل، فهي التي يسيرها الخوف:
الخوف من الفشل في العمل؛ والخوف على النفس من الأذى؛ والخوف على الرزق من الضياع..
وعلاجها: غرس الأمل والشجاعة في النفس، والتعلق بالرب جل شأنه.. لماذا نتوقع الفشل؟!..
إذا أقبلنا على عمل ما فلنتفاءل، فالفأل من الرحمن، وهو حسن ظن برب العالمين، والتشاؤم من الشيطان، وهو سوء ظن برب العالمين، فإذا فشلنا فلنجابه هذا الفشل بهدوء وضبط نفس، ندخل العمل ونحن متفائلون نرجو أحسن النتائج، فإذا فشلنا فلا بأس أن نسأل أنفسنا:
ما هي أسوأ النتائج المترتبة على هذا الفشل؟..
وما الحلول الممكنة؟..
وكيف يمكن البدء بأفضلها؟..
إن الفشل شيء متوقع في كل مهمة؛ لذا يجب علينا أن نوطن النفس على تحمل النتائج السيئة فيما لو فشلنا، إن التفاؤل لابد أن يكون رفيقنا، لكن يجب كذلك أن نتوقع الإخفاق، ونهيئ أنفسنا لتقبل نتائجه، ونفكر بهدوء في أمثل الطرق التي تخفف من آثاره..
إن أنجح الناس من يملك القدرة على أن يجعل المر حلوا، والفشل نجاحا، وهو الذي يحتال على الأزمات فيخرج منها غانما أو سالما..
أما الخوف على النفس من أذى الناس؛ فيكفي أن نعلم أن الأمور بيد الخالق، قال تعالى:
– {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ}.
وأن الناس لا يبلغوا أن يضروا أو ينفعوا، ولو اجتمعوا على ذلك..
وأما الخوف على الرزق؛ فهو خوف لا معنى له، إذا علمنا أن كل إنسان لن يأخذ إلا ما قدر له، فالرزق كالظل يمشي معك، إن تبعته هرب منك، وإن تركته تبعك! وبدل أن يقلق الإنسان على رزقه كان ينبغي له أن يعد النعم التي يعيشها، فمهما سلب الإنسان من نعمة فقد أبقى الله له نعما مقابلها كثيرة، فقط لننظر في أنفسنا جيدا..
إذا كان لديك الماء الصافي، والطعام الكافي، واللباس الساتر، والمسكن الذي يكنّ؛ يجب أن لا تتذمر أبدا.
إن وسائل القضاء على القلق كثيرة، من أهمها:
– أولاً: العمل.
فالفراغ يولد الملل والقلق، والانشغال بأي عمل مفيد يقي الإنسان شر القلق، وإن خير عمل يذهب القلق هو محاولة إسعاد الآخرين، فالذي يرسم البسمة على شفاه الآخرين يجد البسمة في قلبه..
– ثانيا: الإيمان بالقضاء والقدر.
ولا ريب أن إيمان المسلم بالقضاء والقدر أكبر معين على تخطي حواجز الاكتئاب، قال الله تعالى:
– {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ *لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}.
فكل شيء مكتوب مقضي مقدر، فلماذا الجزع والهلع؟!
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
– (قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة) مسلم.
هذه العقيدة إذا رسخت في النفس فإن الأثر هو ما بينه القرآن الكريم: عدم الأسى على ما مضى، وعدم الفرح بما يحصل.
– ثالثا: الإيمان بالله واليوم الآخر.
وإذا انضمت إلى هذه العقيدة عقيدة الإيمان باليوم الآخر؛ فإنه لا يبقى للقلق مكان، فإن الإيمان باليوم الآخر يورث الإنسان الرضا بما يصيبه ابتغاء ثواب الآخرة، فإن لم يكن الرضا فالصبر، والصبر مانع من القلق والملل.
– رابعا: توحيد الله تعالى.
ومن أعظم مذهبات القلق: توحيد الله وعدم الشرك به، فالمشرك هو أعظم الناس قلقا؛ لذا فإن الانتحار في المشركين كثير، وكلما عظم التوحيد تصاغر القلق، وكلما قل التوحيد زاد القلق، ومن هنا نفهم لماذا كانت: لا إله إلا الله، هي دعوات المكروب؟..
لأن القلق من الشيطان، وكلمة التوحيد تطرد الشيطان، وفي ذلك زوال القلق، يقول عليه الصلاة والسلام:
– (دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت) أبو داود.
وعن أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
– ( ألا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب ـ أو في الكرب ـ الله الله ربي لا أشرك به شيئا) أبو داود.
– وقال صلى الله عليه وسلم: (دعوة أخي ذي النون إذ دعا ربه وهو في بطن الحوت: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب له) الترمذي.
– وكان إذا أكربه أمر قال: ( يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث) الترمذي.
وما سبب كثرة القلق بين المسلمين اليوم إلا ضعف توحيدهم، وسبب ضعف توحيدهم كثرة معاصيهم وجهلهم بأمور التوحيد، لكنهم لا يقرون بهذا الجهل، فالكثير يزعم أنه يعرف أمور التوحيد التي تقيه من الشرك، لا لأنه تعلمها، كلا، بل لأنه نشأ بين أبوين مسلمين، في بلاد المسلمين، وكأن النشوء في بلاد المسلمين يهب الإنسان علما! وما هو إلا تلبيس الشيطان، ولو أجرينا اختبارا بسيطا في أمور التوحيد وأمور الشرك لهؤلاء المتعالمين لوجدناهم أجهل الناس بما زعموا أنهم به عالمين، إذن التوحيد لا ينال إلا بالتعلم والعمل، فمن علم وعمل واجتنب المعاصي استراح من القلق..
إن أعظم وسيلة للشفاء من القلق هو الإيمان بالله، والمؤمن الحقيقي لا يصاب بالقلق، وآلاف من البشر المعذبة بين يديها الشفاء لو أنها تتطلع إلى رحمة الله بدلا من أن تخوض معارك الحياة بمفردها.
أما الهموم الأخروية، فهي التي تتعلق بما يتعرض له الإنسان بعد الموت، من عذاب القبر وأهوال القيامة وأحوال الجنة والنار، فهذه الأمور لا ريب أنها مقلقة ولا مخرج منها، فكيف للإنسان أن يسلم من الموت أو من أحوال القبر أو أهوال القيامة، ثم إما إلى جنة أو إلى نار؟.. يقول تعالى:
– {أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}.
وقد كان عليه الصلاة والسلام يسأل الله الجنة ويستعيذ به من عذاب النار وعذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال في كل صلاة ..
إن هموم الدنيا بمقدورنا أن نتغلب عليها، أما هموم الآخرة فمن المحال أن نتغلب عليها؛ لأنها آتية لا محالة:
– {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}.
والتهرب منها نقص في العقل، فإن من تعامى عن هموم الآخرة يسيء إلى نفسه مرتين:
– المرة الأولى بتغافله عن الحقيقة.
– والثانية أنه يغلق عن نفسه سببا هاما من أسباب علاج القلق، وبيان ذلك:
أن هم الآخرة يدفع الإنسان إلى العمل الصالح والتوقف عن العمل السيئ الذي هو سبب الشقاء، إذن هموم الآخرة هي بذاتها تزيل الهموم، وهذا من أعجب الأمور: هموم تزيل هموما!!..
نعم، إذا صار الإنسان لا يهتم إلا لآخرته، يخاف من الخسران ومن النيران، فإنه سيقصر عن المعاصي التي هي من أهم أسباب الاكتئاب، وهو بذلك يستريح من السبب الأعظم المسبب للقلق، وفوق ذلك فإن من جعل الآخرة همه كفاه الله هم الدنيا والآخرة، قال عليه الصلاة والسلام:
– (من كانت همَّه الآخرةُ، جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا راغمة، ومن كانت همه الدنيا، فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له) ابن ماجه، صحيح الجامع.
وقد كان السلف رحمهم الله كثيرا ما يهتمون لأمر آخرتهم، ولا يهتمون لشيء من أمر الدنيا، حتى كان منهم من يبول الدم خوفا من الله، ومنهم من يصفر لونه إذا قام يتوضأ، بين جباههم كأمثال ركب المعزى من طول السجود، يعلوهم حزن عميق، وعيونهم تنهمر على الدوام:
– فهذا أبو بكر كان كثير البكاء.
– وعمر في وجهه خطان أسودان كشراك النعل من أثر البكاء.
– وكان منهم من إذا ذكر الموت انتفض كما ينتفض الطير.
– وبعضهم إذا أوى إلى فراشه تقلب وتأوه، لا يأتيه النوم من ذكره للنار.
– وقد عرض بول الإمام أحمد حين مرضه على طبيب، فقال الطبيب: "هذا رجل قد فتت الغم والحزن جوفه"[سير أعلام النبلاء 11/336].
والقرآن الكريم يصور حال هؤلاء القلقين في معرض المدح لهم، قال تعالى:
– {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
– {وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ}.
إذاً فقد كانوا يقلقون ويهتمون، لكن شتان بين من يهتم لآخرته، وبين من يهتم لدنياه، فالأول عبد لله حقا، والآخر عبد لنفسه، عبد للدرهم والدينار، عبد للخميصة والخميلة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط: {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}..
كذلك من أنواع الهموم الأخروية هم الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
فكل من سلك سبيل الدعوة فلا بد أن يقلق ويغتم؛ لأنه يدعو الناس إلى أمر أكثرهم معرضون عنه، فهو يحزن لأجل إعراضهم، وهو يتألم لأذاهم، وهو يخاف على مستقبل الدعوة، وقد كانت الأنبياء تعاني من هذا النوع من القلق أكثر من غيرهم؛ لأن حياتهم كلها كانت في سبيل الله، وكل همهم كان في إصلاح الناس، ولنتصور مقدار معاناة بعضهم حين يبذل وقته ونفسه وماله وأهله من أجل دعوة قومه ثم لا يؤمن له إلا القليل، بل بعضهم لا يجد من يؤمن له، قال عليه الصلاة والسلام:
– (عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد) متفق عليه.
ونوح يمكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم إذا ركب السفينة لم يركب معه إلا القليل، كما قال تعالى:
– {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ}.
إن قلق الأنبياء كان شديدا للغاية، وقد صور القرآن لنا كثيرا من أوجه هذه المعاناة التي كانت تطوف بنبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، قال تعالى:
– {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ * إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}.
– وقال تعالى:{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}.
أي: مهلك نفسك حزنا عليهم، فمن شدة ما يصيبه من ألم وقلق بسبب إعراض قومه كان يهم بترك بعض ما يدعوهم إليه خشية أن يكذبوه، قال تعالى:
– {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}.
لكن القرآن كان يخفف عنه، ويدعوه إلى التقليل من الحزن والأسف، يقول الله تعالى لنبيه:
– {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}.
– {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ}.
وكم آية في القرآن تبين للرسول الكريم أن مهمته البلاغ لا الهداية، قال تعالى:
– {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء}.
– {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}.
وكم من قصة قصها الله في القرآن من أخبار الأولين، من أنبياء ومرسلين تسلية له على ما كان يصيبه من حزن وقلق جراء تكذيب قومه له، والله يذكره أنه ليس بدعة في هذا الأمر، ويعده بالغنيمة والفتح القريب، ويذكر له أنواع النصر الذي أنزله على المؤمنين:
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ * لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
إن موضوع القلق كان محل عناية العلماء، فقد اعتنى بعضهم بجمع الآثار التي تسلي الإنسان وتذهب همومه، نجد ذلك في كتب الأذكار كالأذكار للنووي، وبعضهم أفرده بكتاب خاص، مثل:
– "كتاب: عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين" لابن القيم.
– "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" لابن القيم.
– وبعضهم أفرد بعض أسباب القلق بمؤلف خاص ككتاب: "برد الأكباد عند فقد الأولاد" لمحمد بن ناصر الدين الدمشقي.
– وكتاب "جدد حياتك" لمحمد الغزالي.
– ومن الكتب التي اعتنت بعلاج القلق كتاب: "دع القلق وابدأ الحياة" للمؤلف الأمريكي دايل كارنيغي.
وهو كتاب جيد في الجملة، اعتنى بالطرق العلمية والعملية لعلاج القلق، وهي طرق استفادها من تجاربه الخاصة وتجارب غيره في الحياة، لكن في الكتاب عيبا لا يخفى على مسلم، هو أن مؤلفه كافر، وقد قلنا إن أساس الانشراح هو التوحيد، وأساس القلق هو الشرك والكفر، فكيف لكافر أن يخط للناس طريق السعادة؟!
هذا مستحيل، فهذا الكاتب حشد في كتابه عشرات القصص والتجارب الحقيقية المفيدة لعلاج القلق، إلا أن كل تلك العلاجات كانت أشبه ما يكون بالمخدر الموضعي، الذي يطغى على الألم بقوته لكنه لا يعالج المرض، فإذا زال أثر التخدير عاد الألم، وهكذا كان يفعل هذا المؤلف، فكل آرائه ونصائحه في علاج القلق كانت سطحية خالية من العلاج الناجع القاطع لأسباب القلق، والله تعالى يقول:
– {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
فأي طريق لعلاج القلق مهما كان جميلا وتجربة صحيحة فإنه يبقى علاجا مؤقتا ما لم يخالطه الإيمان بالله والتحلي بدين الإسلام، والمسلم هو أولى من يتصدى لهداية البشر إلى السعادة ونبذ القلق، فأين هو عن هذه المهمة النبيلة التي هي من أهم الواجبات المنوطة به؟..
تلك هي أهم أسباب القلق وأنواعه وعلاجه، أرجوا أن أكون وفقت فيما قدمت وبينت، والحمد لله رب العالمين.