العوارض والإشارات الفيزيولوجية، التي تظهر لدينا، هي طرق يحاول الجسم عبره تحذيرنا من وجود خلل أعمق في التوازن. وأخذ الوقت الكافي لحل رموز إشارات الجسم هذه، أفضل بكثير من الإسراع إلى ابتلاع أقراص المسكنات أو الأدوية أملاً في إختفاء العوارض. فالمهم هو التعرف إلى الأسباب الحقيقة لمشاكلنا الصحية ومعالجتها وليس الإكتفاء بطمس نتائجها الظاهرية.
ونستعرض في ما يلي عدداً من أكثر العوارض الصحية شيوعاً، ومضمون الرسائل التي يحاول الجسم إيصالها إلينا، ورأي المتخصصين في طرق التعامل معها.
1- آلام في الرأس:
مضمون رسالة الجسم:
مبالغة في إحتساء المشروبات الغازية الخاصة بالحميات
مواد التحلية الصناعية، وخاصة الاسبارتام، يمكن أن تسبب آلام الرأس، وحتى الشقيقة. وهناك أشخاص معرضون أكثر من غيرهم للإصابة بآلام الرأس نتيجة تناول مواد التحلية هذه، وذلك لأن أجسامهم لا تفرز الأنزيم الضروري لأيض هذه المواد. ولكن حتى الأشخاص الذين لا يعانون هذه المشكلة يمكن أن يؤدِّي احتساؤهم المشروبات الغازية الخاصة بالحميات إلى ألم في الرأس، إضافة إلى التشوش الذهني. وأظهرت الدراسات التي أجريت على الحيوان أن مادة الاسبارتام تسبب التسمم العصبي، على الأقل لدى الفئران الصغيرة. وتعلق البروفيسورة الأميركية شارون فلاور، الأستاذة المساعدة في جامعة تكساس والمتخصصة في دراسة تأثير مواد التحلية الصناعية في الصحة، فتقول إنّها قلقة بشأن إمكانية تسبب الاسبارتام، لدى البشر أيضاً، بأضرار عصبية، أو على الأقل بنتائج سلبية على الإشارات العصبية التي تخول الدماغ تسجيل حالة الشبع. أما المتهم الأوّل في التسبب بهذه الأضرار فهو الميثانول الموجود في الاسبارتام، إذ إنّه يخضع لعملية تحلل في الجسم يتحوّل فيها إلى فورمالديهايد، وهي مادة مسببة للسرطان. والأشخاص الذين يتحسسون من هذه المادة يشعرون بآلام في الرأس بعد تناولهم الاسبارتام.
وهناك عوارض جسدية أخرى: قد تنتج عن الإكثار في إحتساء المشروبات الغازية أبرزها التوق الشديد إلى تناول الأطعمة الحلوة أو المالحة، عدم القدرة على التركيز، النزق.
طريقة التصرف: تقترح المتخصصة الأميركية في التغذية كاثي سويفت، في حالات التوق الشديد إلى إحتساء المشروبات الغازية الخاصة بالحميات، تناول المياه الغازية مضاف إليها القليل من عصير الفواكه الطازجة أو عصير الحامض لإكسابها نكهة لذيذة تغني عن المشروبات الغازية.
2- تشقق الشفاه:
مضمون رسالة الجسم:
إنخفاض في مستويات السوائل
تعكس الشفاه الحالة الصحية العامة للجسم ونسبة الرطوبة فيه. وتقول المتخصصة الأميركية نشرب كمية كافية من السوائل تتمتع شفاهنا بترطيب جيِّد. وإنخفاض مستويات الماء في الجسم يعني رطوبة أقل للجلد، أكبر أعضاء الجسم. والواقع أن جلد الشفاه الرقيق حسّاس جدّاً تجاه أي جفاف. والحاجة إلى إستخدام مرطب الشفاه باستمرار تعني أن علينا شرب المزيد من الماء.
عوارض جسدية أخرى: أوجاع في الرأس، عدم التبول بانتظام، رائحة قوية للبول وتحول لونه إلى أصفر داكن، جفاف الجلد، تراجع مرونة ومطاطية الجلد.
طريقة التصرف: تقول سويفت إنّ إحتساء 8 أكواب من الماء يومياً قد يكون صعباً بالنسبة إلى البعض. لذلك، إن لم نتمكن من شرب هذه الكمية من الماء، يظل إحتساء نقيع الأعشاب، وإدخال حص إضافية من الفواكه والخضار إلى نظامنا الغذائي اليومي. كذلك من المفيد إعتماد نظام غذائي غني بالأطعمة الكاملة، عوضاً عن الأطعمة المصنعة والمكررة، فهي تتمتع بطبيعتها بمستويات رطوبة عالية. ويجب الحرص على تناول أطعمة كاملة غنية بالأحماض الدهنية الأساسية، مثل المكسرات والبذور والأفوكادو والسردين، فهي تساعد على الحفاظ على صحة أغلفة الخلايا، وعلى تمسكها بالرطوبة.
3- إمساك:
مضمون رسالة الجسم: عدم تناول كمية كافية من الألياف الغذائية.
الإمساك هو أوضح مؤشر لحاجة الجسم إلى مزيد من الألياف. ويقول المتخصص الأميركي الدكتور مارك هايمان: إنّ الإنسان الأوّل كان يتناول ما يصل إلى 100 غرام من الألياف في اليوم، وكان معدل وزن فضلاته اليومية يصل إلى 900 غرام. أمّا اليوم فالواحد منّا يأكل أقل من 8 غرامات من الألياف الغذائية في اليوم، ولا يزيد وزن فضلاته على 120 غراماً. وتعتبر هذه الظاهرة مشكلة لأنّ الأمعاء أساسية في عملية تخليص الجسم من الفضلات. وعندما لا تكون ناشطة، فإنّ السموم الموجودة في الفضلات تعود وتسرب إلى الجسم وتسبب العديد من المشاكل الصحية، خاصة الإلتهابات في مختلف أعضاء الجسم. ويمكن لهذه السموم أيضاً أن تؤثِّر سلباً في التوازن الهرموني وفي المناعة.
عوارض جسدية أخرى: وخزات جوع متكررة، خمول اضطرابات هضمية، مشاكل جلدية، إلتهابات مختلفة.
طريقة التصرف: يجب تناول المزيد من الخضار، البقوليات، الفواكه والحبوب الكاملة. فجميعها غني جدّاً بالألياف الغذائية والعناصر المغذية الأخرى. والحصول على ما بين 35 و40 غراماً من الألياف المنصوح بها يومياً، لا يساعد على تحسين صحة الأمعاء فحسب، بل يسهم أيضاً في التخفيف من خطر الإصابة بالسكري وبمرض القلب، كما يؤكد الدكتور أندرو ويل، المتخصص الأميركي في الطب التكاملي في جامعة أريزونا. ومن جهتها تنصح سويفت بإضافة نخالة الأرز أو الشوفان إلى الأطباق المختلفة. وتقول إنّ ألياف النخالة تساعد على إخراج السموم من الجسم. كما تنصح بتناول البذور بأنواعها، وخاصة بذور الكتان والسمسم.
4- أكزيما:
مضمون رسالة الجسم:
تناول طعام غير مناسب
يؤدِّي تناولنا طعام لا يتحمله جسمنا بشكل جيِّد، إلى تهيجات أو إلتهابات خفيفة في الأمعاء. ومع الوقت، ومع تكرار تناول هذا الطعام، تزداد حالة الإلتهابات سوءاً وتنشأ تشققات بين خلايا الأمعاء. وتسمح هذه الثقوب للجراثيم وسمومها ولدهون، إضافة إلى البروتينات غير المهضومة بالكامل، بالتسرب خارج الأمعاء والدخول إلى مجرى الدم. وتسمى هذه الظاهرة "تناذر الأمعاء الراشحة"، أو الأمعاء ذات النفاذ الزائد، وهي حالة تمهد الطريق نحو مجموعة من المشاكل الصحية، بما في ذلك الطفح الجلدي، ومشاكل الجلد الأخرى، مثل الأكزيما. وتقول ليبسكي إنّ الجلد هو أكبر عضو لتنقية الجسم، لذلك فليس من المستغرب أن يتعرّض للهجوم عندما تنساب السموم في مجرى الدم. فالطفح الجلدي أو الأكزيما هي إشارة إلى أنّ الجسم يحاول التخلص من هذه السموم بأفضل وسيلة يعرفها.
عوارض جسدية أخرى: غازات، انتفاخ في البطن، إرهاق، احتقان في الجيوب الأنفية، تشوش في التفكير.
طريقة التصرف: الطريقة المثلى للتعرف إلى الطعام الذي يسبب التحسس هي حمية الحذف. وتنصح سويفت بالبدء بحذف واحد أو اثنين من الأطعمة المشتبه فيها، من نظامنا الغذائي، ثمّ نراقب أي تغيّرات في العوارض. ويقول المتخصصون إن أبرز الأطعمة التي يمكن أن تسبب التحسس هي القمح والمنتجات التي تحتوي على الغلوتين، مشتقات الحليب، السكر، الصويا البيض، الذرة، والكافين. ويستحسن التوقف عن تناولها جميعاً لمدة أسبوع، ثمّ البدء بإعادة تناول واحد منها في كل مرّة للتعرف إلى تأثيره.
ويمكن أيضاً إعتماد طريقة المفكرة اليومية التي ندون فيها نوعية الطعام الذي نأكله، وحالة جسمنا بعد تناوله بضع دقائق، أو بضع ساعات أو بضعة أيام. فالتعرف إلى العوارض، وعلى النماذج المتكررة لردود فعل جسمنا، هو الذي يساعدنا على تحديد نوع الطعام الذي يتوجب علينا حذفه من نظامنا الغذائي.
5- تشققات على جانبي الفم:
مضمون رسالة الجسم:
نقص في مجموعة فيتامين B
غالباً ما تظهر أوّل عوارض نقص العناصر المغذية في أنسجة الجسم التي تشهد أسرع عملية تجدد للخلاي، مثل أنسجة الفم والشفتين. وقد تبين أنّ التشققات أو التقرحات التي تظهر في زوايا الفم، يمكن أن تكون مؤشراً إلى أنّ الجسم لا يحصل على ما يكفي من مجموعة فيتامين B. والواقع أنّ النقص في واحد أو أكثر من فيتامينات هذه المجموعة يمكن أن يحدث بسهولة، خاصة لدى الأشخاص الذين يعتمدون في نظامهم الغذائي على الأطعمة المصنّعة والمكررة والسكر الأبيض.
عوارض جسدية أخرى: فقر الدم، تراجع مستويات الطاقة، مشاكل جلدية، هالات سوداء تحت العينين.
طريقة التصرف: الوسيلة الفضلى لسد هذا النقص تكمن في تناول نظام غذائي غني بالأطعمة الكاملة الغنية بمجموعة فيتامين B. وأفضل مصادر هذه الأخيرة هو جنين القمح، الحبوب الكاملة والبقوليات، صفار البيض، البطاطا الحلوة، سمك السالمون، الحوم الحمراء، الكبد، الدجاج. ومن المفيد أيضاً تناول قرص مكمل من مجموعة فيتامينات B، خاصة بالنسبة إلى الأشخاص النباتين. ويمكن للطبي أن يصف أحياناً جرعات محددة من نوع معيّن من مجموعة الفيتامينات المذكورة.
6- تجشؤ وعسر هضم:
مضمون رسالة الجسم:
نقص في أحماض المعدة
في حالة إنخفاض مستويات أحماض المعدة، لا يتمكن الجسم من هضم الطعام بشكل فاعل، وخاصة الأطعمة ذات الكثافة العالية، مثل الدهون والبروتينات. وعندما يمكث الطعام لمدة طويلة في المعدة، يمكث معه أيضاً الهواء الذي نبتلعه بشكل طبيعي عندما نأكل. ويكون أمام هذا الهواء خياران، إما أن يندفع نزولاً مع الطعام عبر الجهاز الهضمي، وإما أن يصعد إلى الأعلى نحو المريء ويخرج عن طريق الفم. وكلّما طالت مدة مكوث الطعام في المعدة، ازدادت إمكانية التجشؤ.
عوارض جسدية أخرى: ارتداد في أحماض المعدة، ضعف الجهاز المناعي، تشقق في الأظافر، تكرر الإصابة بالعدوى، غازات.
طريقة التصرف: علينا أن نقوي المرحلة الأولى من الهضم بالتركيز على أحاسيسنا المتعلِّقة بتناول الطعام، فنحاول الاستمتاع بمظهر ورائحة الوجبة قبل أن نأكلها، وذلك كي نمنح جهازنا الهضمي الوقت الكافي لإفراز المواد التي تساعد على الهضم، مثل حمض الهيدروكلوريك. كذلك علينا أن نحرص على مضغ طعامنا، وخاصة البروتينات والدهون، جيِّداً لتسهيل المهمة على جهازنا الهضمي. ويقول الدكتور السون هاز، المتخصص الأميركي في العلاجات الطبيعية والتغذية، إنّه إذا ما أحسسنا بأنّ الطعام لا يزال يجثم كصخرة في معدتنا، فيمكننا أن نحاول تناول قرص من الأنزيمات الهضمية التي يمكن أن تساعدنا على هضم الطعام بشكل أفضل. وبما أن حمض الهيدروكلوريك هو المكون الأوّل لأحماض المعدة، فإن تناوله على شكل أقراص يعطي المعدة دفعة قوية من العون، خاصة في عملية هضم البروتينات والدهون، التي يتطلّب هضمها كمية أكبر من الأحماض مقارنة بالكربوهيدرات. ويمكن تناول قرص حمض الهيدروكلوريك بعد البدء في تناول وجبة غنية بالبروتينات والدهون، ومراقبة إحساسنا بعد القيام بذلك في بضع وجبات تالية. وإذا لم نلمس أي تحسن، يمكن زيادة الكمية إلى قرصين.