التصنيفات
منوعات

التوكل سالم العجمي

التوكل على الله

الحمد لله ذي الألطاف الواسعة والنعم، وكاشف الشدائد والنقم ، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجود والكرم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي فُضِّل على جميع الأمم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم . أما بعد عباد الله:

فإن من سعادة العبد أن يرزقه الله تعالى حسن التوكُّل عليه في أموره كلها؛ وإنّ بلوغ هذه المنزلة لهو من أعظم الامتنان والتفضل على العبد؛ فمن توكلّ على الله عز وجل حق التوكل سكن قلبه؛ واطمأنت نفسه؛ ولذّ عيشه, ذلك أن حقيقة التوكل هي صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح, ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة, وتفويض الأمور كلها إلى الله سبحانه, وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه, وهذه منزلة لا يبلغها إلا الصدّيقون؛ قال سعيد بن جبير: « التوكل جماع الإيمان » .

فالتوكل عبادة قلبية محضة؛ ليست قولاً باللسان, ولا عملاً بالجوارح؛ ولذلك قال الإمام أحمد : « التوكل عمل القلب » .

فلابد للقلب أنْ يكون متعلقاً بالله حق التعلق, وأنْ يوقن العبد بأن مردَّ الأمور إلى الله ؛ فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن .

ولعظم منزلة التوكل فقد جاءت الأدلة الكثيرة تحث عليه وتبين منزلته ليأخذ به المسلم؛ لما فيه من حلاوة العيش وحسن العاقبة؛ فقد قال الله تعالى: ( و من يتوكل على الله فهو حسبه) أي: كافيه؛ وقال: ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) .

وجاء عن النبي r قال: «لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير, تغدو خِماصاً وتروح بِطاناً».

ففي هذا الحديث ضرب النبي r المثل بالطير على ضعفه وأن الله ﻷ قد تكفل له بالرزق وهداه لأسبابه, وهذا مما يورث اليقين عند العبد بأن عَيْشَه مكفول, فإذا علم ذلك أورثه ذلك حسن ظنٍّ بربه سبحانه, لأن المتوكل حقيقةً من يعلم أن الله قد ضمن لعبده رزقه وكفايته, فيصدِّق الله فيما ضمنه, ويثق بذلك حقَّ الثقة؛ ويحقق الاعتماد عليه فيما ضمنه من الرزق؛ وأن الرزق مقسوم لكل أحدٍ من بَرٍّ وفاجر, ومؤمن وكافر؛ كما قال تعالى: ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها )؛ هذا مع ضعف كثير من الدواب وعجزها عن السعي في طلب الرزق, فما دام العبد حياً, فرزقه على الله, وقد ييسره الله بكسب أو بغير كسب, وإن كان بذل الأسباب مطلوباً .

والتوكل دليل على حسن ظن العبد بربه, قال محمد الذهلي: سألت الخريبي عن التوكل فقال: « أرى التوكل حسن الظن بالله », فعلى قدر حسن ظن العبد بربه ورجائه له يكون توكله عليه, فحسن الظن بالله يدعو العبد إلى التوكل عليه؛ إذ لا يتصور التوكل على من ساء ظنه به؛ ولا التوكل على من لا يرجوه, وهذا ما فعله أولياء الله تعالى في أحلك الظروف وأصعب المواقف؛ حيث فوضوا أمورهم إلى الله عز وجل لحسن ظنهم بكفايته لهم, قال ابن عباس رضي الله عنهما: « حسبنا الله ونعم الوكيل, قالها إبراهيم r حين أُلقي في النار, وقالها محمد r حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل » .

فهذا بيانٌ لحال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكيف بلغ بهم التوكل على الله تعالى وحسن ظنهم به على الرغم مما هم فيه من الخوف والضنك الشديد؛ فكان قولهم حسبنا الله ونعم الوكيل؛ أي: أنه كافينا في مهماتنا وملماتنا, وهو نعم الكافي ومن نُفَوِّضُ له الأمر .

فإبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ لما دعا قومه إلى التوحيد وكسّر أصنامهم؛ أوقدوا له ناراً عظيمة ثم رموه فيها؛ فلما رموه قال: حسبنا الله ونعم الوكيل. فكانت النتيجة أن أنجاه الله من النار؛ قال تعالى: ( قُلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم )؛ فنجاه الله ﻷ لحسن ظنه به وصِدْقِ توكله عليه .

و لما رجع النبي r من غزوة أُحد؛ وقد هُزِم المسلمون فيها وأصابهم غمٌّ شديد وضنك عظيم وقُتِل منهم خلق كثير, جاء من أخبر النبي r أنَّ المشركين عزموا على العودة إلى النبي r وصحابته ليستأصلوا بقيتهم, وقد جمعوا لذلك الجموع, فما كان من النبي r وصحابته إلا أن فوضوا أمرهم إلى الله؛ وأحسنوا الظن به سبحانه؛ وزادهم ذلك الأمر على شدته إيماناً؛ وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل .

فما كانت النتيجة؟

قال تعالى: (فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم).

وفي ذلك أعظم دليل على أن الإنسان مهما مسه من الضنك والشدائد؛ إن لجأ إلى الله سبحانه في أموره أعانه وتولاه و نصره, لكنَّ البلاء العظيم أن بعض الناس إذا مسه الكرب لجأ إلى الأمور المادية يبحث من خلالها عن الفرج؛ ولو تعلق قلبه بخالقه لكفاه ما أهمه .

ثمَّ إن اعتماد القلب على الله تعالى؛ واستناده وسكونه إليه, يُذهِبُ عنه ما يكون في القلوب من التشويش؛ والخوف من فوات الأسباب؛ لعلمه أن هذه الأسباب بيد مسببها سبحانه؛ ولذلك لا يبالي بإقبالها وإدبارها, ولا يضطرب قلبه ويخفق عند إدبار ما يحب منها, وإقبال ما يكره؛ لأن اعتماده على الله وسكونه إليه, واستناده إليه, قد حصنه من خوفها ورجائها, فحاله في ذلك حال من خرج عليه عدوٌّ عظيم لا طاقة له به, فرأى حصناً مفتوحاً فأدخله صاحبه إليه, وأغلق عليه باب الحصن, فهو يشاهد عدوّه خارج الحصن, فاضطرابُ قلبهِ وخوفُه من عدوّه في هذه الحال لا معنى له .

و مَثَلُه في ذلك مَثَل الطفل الرضيع في اعتماده وسكونه وطمأنينته بثدي أمه؛ لا يعرف غيره, وليس في قلبه التفات إلى غيره, ولذلك قال بعض العلماء: المتوكِّل كالطفل لا يعرف شيئاً يأوي إليه إلا ثدي أمِّه, كذلك المتوكل لا يأوي إلا إلى ربه سبحانه .

وروح التوكل ولبُّه وحقيقتُه في تفويض الأمور إلى الله؛ وأن يلقي المرء أموره كلَّها لله سبحانه, وإنزالها به طلباً واختياراً؛ لا كرهاً واضطراباً؛ بل كتفويض الابن العاجز الضعيف المغلوب على أمره أمورَه إلى أبيه العالِمِ بشفقته عليه ورحمته وتمام كفايته وحسن ولايته له, فهو يرى أن تدبير أبيه له خير من تدبيره لنفسه, وقيامه بمصالحه وتوليه لها خير من قيامه هو بمصالح نفسه وتوليه لها, فلا يجد له أصلَح ولا أرفق من تفويضه أموره كلها إلى أبيه, وراحتِه من ثقل حملها؛ مع عجزه عنها وجهله بوجوه المصالح فيها؛ وعلمه بكمال من فوّض إليه وقدرتهِ وشفقته .

وقد قال الله تعالى فيما حكاه عن مؤمن آل فرعون حيث قال: ( وأفوِّضُ أمري إلى الله )؛ والمفوِّض لا يفوِّض أمره إلى الله إلا لإرادته أن يقضي له ما هو خير له في معاشه ومعاده, وإن كان المقضي له خلاف ما يظنه خيراً فهو راض به لأنه يعلم أنه خير له وإن خفيت عليه جهة المصلحة فيه, وهكذا حال المتوكل سواءً؛ بل هو أرفع من المفوض, لأن مقام التوكّل اعتماد القلب كله على طاعة الله بعد تفويضه .

ومِن أجلِّ ثمرات التوكل على الله الرضا بما يقدره الله سبحانه, وهذا من أعظم درجات العبودية؛ قال بشر الحافي رحمه الله:« يقول أحدهم توكلت على الله, يكذب على الله, لو توكل على الله لرضي بما يفعله الله به».

فمن وكّل الله سبحانه في أمره؛ فمن تمام عبوديته أن يرضى بما كتب الله له وقدّره عليه فيما وكّل الله فيه من الأمور .

و من تأمل الجزاء الذي جعله الله تعالى للمتوكِّل عليه؛ وأنه لم يجعلْه لغيره علم أن التوكل أحبُّ السبل الموصلة إليه سبحانه؛ فقد قال تعالى:( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي فتح لأرباب البصائر أنوار الهدى؛ أحمده سبحانه تنزه عن كل النقائص وعلى العرش استوى؛ وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له فالق الحب والنوى؛ وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً .

أما بعد أيها المسلمون:

فإن من تمام التوكل الأخذ بالأسباب, ولا يعني التوكل أنْ لا يأخذ العبد بالأسباب؛ لأن ترك الأسباب جملةً ممتنعٌ عقلاً وحساً, وما أخل النبيr بشيء من الأسباب, فقد لبس درعين يوم أحد, واستأجر دليلاً مشركاً يدله على طريق الهجرة, وكان إذا سافر في حج أو جهاد حمل الزاد والمزاد, وهكذا فعل أصحابه y وهم أولو التوكل حقاً .

ومع كون الأخذ بالأسباب من تمام التوكل فإن الواجب على المسلم أنْ لا يلتفت قلبه إلى الأسباب بل إلى مسببها سبحانه, فقد يجمع المرء جميع الوسائل المادية ولا يتم له ما عزم عليه, فإن الأمور بيد الله .

ولما كان الأمر كله لله سبحانه , وليس للعبد فيه شيء البتة, كان توكلُه على الله تسليمَ الأمر لمَن هُوَ لَه, وعزْلَ نفسِه عن منازعة مالكه, واعتمادَه عليه فيه, وخروجَه عن تصرفه بنفسه وحولهِ وقوّته إلى تصّرفِّه بربه؛ وكونِه به سبحانه دون نفسه, وهذا مقصود التوكل .

فإذا عزل العبد نفسه عن مقام التوكل عزلها عن حقيقة العبودية, وقد خاطب الله سبحانه- في كتابه- بالتوّكل خواصَّ خلقه وأقربهم إليه وأكرمهم عليه, وشَرَط في إيمانهم أن يكونوا متوكلين؛ وهذا يدل على انتفاء الإيمان عند انتفاء التوكل, فمن لا توكل له لا إيمان له, قال الله تعالى:(وعلى الله توكلوا إن كنتم مؤمنين)؛ وقال تعالى:(وعلى الله فليتوكل المؤمنون )؛ وقال سبحانه: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون)؛ و هذا يدل على انحصار المؤمنين فيمن كان بهذه الصفة؛ وأخبر تعالى عن رسله بأن التوكل ملجأُهم ومعاذُهم فقال تعالى: (وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين * فقالوا على الله توكلنا..)؛ وقال رسل الله وأنبياؤه: ( ومالنا أن لا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ) .

فالعبد آفته إمّا من عدم الهداية, وإما من عدم التوكّل, فإذا جمع التوكلَ إلى الهداية فقد جمع الإيمان كله .

وقد كان في دعاء النبي r ما يدل على توكله الدائم على خالقه سبحانه؛ فكان من دعائه r قولُه: «اللهم لك أسلمت, وبك آمنت, وعليك توكلت, وإليك أنبت, وبك خاصمت» .

فإذا كان هذا حال الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم فينبغي على المسلم أن يقتدي بهم, وأن يستشعر حقيقة التوكل في قلبه, والتي ينتج عنها ترجمة هذه العقيدة القلبية على لسانه وجوارحه؛ ويوقن أشد اليقين بأن العبد إذا توكل على الله تعالى أورثه ذلك علماً أكيداً بأنه لا يملك لنفسه ولا لغيره حولاً ولا قوة, وأن استطاعته بيد الله لا بيده؛ فهو مالِكُها دونه, وأنه إنْ لم يعطه الاستطاعة فهو عاجز, وأنه لا يتحرك إلا بالله لا بنفسه ولذا كان من دعائه r: «يا حي يا قيوم برحمتك استغيث؛ أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين» .

وكان من دعاء علي بن الحسين رحمه الله: « اللهم لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها ولا تكلني إلى المخلوقين فيضيّعوني » .

فالواجب على المسلم أن يلزم التوكل لأنه محض العبودية وخالص التوحيد إذا قام به صاحبه حقيقة؛ ومن ترسخت في قلبه هذه العقيدة فهو الموفق حقاً .

اللهم اغفر لنا وارحمنا؛ وتوفنا وأنت راضٍ عنا..




حبيبتي حطي الموضوع بالقسم الإسلامي



التصنيفات
منوعات

فيديو : حلقات برنامج في ظلال آية ، للشيخ أحمد العجمي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحية طيبة وبعد

تم بعون الله إضافة كامل حلقات برنامج في ظلال آية
خليجية

الذي يعده ويقدمة الشيخ أحمد بن علي العجمي

البرنامج من 30 حلقة

وللأسف إحدى هذه الحلقات لم تتوفر لدينا

الحلقة رقم 01: حقيقة الدنيا
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-1016-0.html

الحلقة رقم 02: الحذر من إتباع اليهود والنصارى
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-1015-0.html

الحلقة رقم 03: الحمد والشكر لنعم الله
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-1014-0.html

الحلقة رقم 04: الصدقة
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-1013-0.html

الحلقة رقم 05: الإستمرار على طاعة الله
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-1012-0.html

الحلقة رقم 06: أهمية الإستغفار
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-1011-0.html

الحلقة رقم 07: لحظة الموت
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-1010-0.html

الحلقة رقم 08: الزنا
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-1009-0.html

الحلقة رقم 09: الصبر على الإبتلاء
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-1008-0.html

الحلقة رقم 10: الدعوة إلى الله بالحكمة
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-1007-0.html

الحلقة رقم 11: الصيام
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-1006-0.html

الحلقة رقم 12: القرآن
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-1005-0.html

الحلقة رقم 13: أهمية الصلاة
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-1004-0.html

الحلقة رقم 14: الدعاء
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-1003-0.html

الحلقة رقم 15: الظلم
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-1002-0.html

الحلقة رقم 16: الجنة
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-1001-0.html

الحلقة رقم 17: الإخلاص لله عز وجل
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-1000-0.html

الحلقة رقم 18: رفقاء السوء
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-999-0.html

الحلقة رقم 19: الشيطان
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-998-0.html

الحلقة رقم 20: الأغاني
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-997-0.html

الحلقة رقم 21: التكبر
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-996-0.html

الحلقة رقم 22: محبة الله عز وجل
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-995-0.html

الحلقة رقم 23: شرح الصدر للإسلام
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-994-0.html

الحلقة رقم 24: السحر
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-993-0.html

الحلقة رقم 25: لا تقنطوا من رحمة الله
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-992-0.html

الحلقة رقم 26: فن التعامل مع الأهل
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-991-0.html

الحلقة رقم 27: لم تتوفر هذه الحلقة لدي
رابط الحلقة : لا يوجد

الحلقة رقم 28: الإستهزاء والغيبةرابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-990-0.html

الحلقة رقم 29: بر الوالدين
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-989-0.html

الحلقة رقم 30: الشهيد
رابط الحلقة : http://video.uae88.net/playmaq-988-0.html

آمل من الله ان أكون قد وفقت في تسجيل هذه الحلقات لكم
وآمل من الله أن تنفعنا وإياكم لما فيه الخير

دمتم في حفظ الرحمن




مشكووووووووووووووووره الله يعطيك العافيه



التصنيفات
منتدى اسلامي

عباية ام اداة زينة الشيخ سالم العجمي

عباية أم أداة زينة..؟؟

أختاه.. أرجو أن تقرأي هذه الورقة بمنتهى الصدق مع النفس..

عباية الكتف..هل هي للستر أم أنها أداة للزينة..؟

هل تتصورين أنك بلبسك لها قد حققت الستر المطلوب؟

كوني صريحة مع نفسك.. أليست هذه العباية المصنوعة من مادة الكريب اللامعة، وتلتصق بالجسم حتى تفصله أصبحت من مظاهر التبرج الواضحة؟

لا تضحكي على نفسك.. لا تقولي هي: (عباية إسلامية)، فالأسماء لا تغير الحقائق.

خذي مني.. هذه النصيحة في زمن قل فيه الناصحون..

إن هذه العباية عباية تبرج وسفور مع ما يصاحبها من الزينة.

تريدين الستر..؟؟ إن الستر يكون باللبس المحتشم.. والحجاب الشرعي الذي جاءت به الشريعة.. (فإن الحجاب الشرعي هو أن تلبس المرأة لباسا فضفاضا، يستر جميع جسمها، ليس بمزيَّن ولا معطر ولا يلفت الأنظار).

هذا الحجاب الشرعي إن كنت تريدين لبسه طاعة لله، أما عباية الكتف فليست من الدين بل هي بوابة لكل فتنة..

يا أختنا.. يا شرفنا.. ويا مستودع أعراضنا.. تمسكي بعفافك.. وحجابك الشرعي في زمن الغربة، ولا يثنيك شدة الابتلاء وكثرة الفتن عن السير في ركاب العفة، ولا يضعفك كثرة ما ترين من اللاهثات وراء الساقطات.. (فأنت أغلى وأعلى)..

تستري وانظري حينذاك..كم من عفيف يطمع بك زوجة.. يثق بك حين خروجه، ويستودعك أغلى ما يملك.

وكم من مستهتر.. لا ينظر إلى تلك الساقطة سوى أنها (لعبة إلى أجل..).

أيتها العفيفة.. انتبهي.. لا يؤتى دينك.. أهلك.. مجتمعك.. من جهتك..

حجابك.. عفافك.. هو كنزك الغالي.. فلا تفرطي فيه.

معاول الهدم كثيرة.. تحاصرك من كل جانب.. فانتبهي وتيقظي..

احذري.. لا يقتلنا دعاة الفجور من خلالك.. لا يطعنوننا طعنة الغدر عن طريقك.

انتبهي أن تضيعي.. فبضياعك تضيع أمة..!!




باااركـ الله فــيكــي أختــي الغــااالية



التصنيفات
المواضيع المتشابهة للاقسام العامة

{[انشودهـ للشيخ احمد العجمي في موت امه الله يرحمه

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ورحمة الله وبركاته ورحمه الله وبركاته

——————————————————————————–

هذه الأنشوده أنشدها الشيخ الفاضل أحمد العجمي في أمه رحمها الله وأسكنها فسيح جناته وجميع أمهات المسلمين …..

http://abgdeat.googlepages.com/abgdeat-wathaab.rm
الله يطول باعمار والدينا

الله يطول باعمار امهاتنا اجمعين ويرحم الجميع برحمته امين….

اتمنى استماع الانشودهـ من الاول الى الاخر …..

منقول
…….




خليجية



اللهم امين

سلمت يداكي وجزاكي الله الف الف خير




التصنيفات
منتدى اسلامي

رسالة الى معلمة من الشيخ سالم العجمي

أختي المعلمة..

هل مر بك قول النبي صلى الله عليه وسلم:

"من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة".

قفي أمام هذا الحديث طويل، وتأملي به مليا.

إن هذا الحديث يعني: أنك لو علّمت إحدى طالباتك شيئا من المنكرات أو الأمور المحرمة، فإنك ستبوئين بإثمها وإثم من علّمتْه هذه الطالبة إلى يوم القيامة.

وأضرب لك مثالا: لو أن مدرسة موسيقى علمت طالباتها الموسيقى، ثم إحدى الطالبات هويت الموسيقى، أو بثّت هذا العلم المحرم إلى غيرها فكان بسببها من تعلق بالموسيقى، أو خرجت بسببها مطربات أو عازفات، فإن الإثم يقع على تلك المدرسة، ومثله أي منكر من المنكرات.

ولو اقتدوا بهذه المدرسة في لبس البنطلون، أو كشف الوجه مع تزيينه، أو سفور الملبس، وما شابه ذلك، فإنها ستبوء بالإثم.

أرأيت أن الأمر خطير؟! ولو أنك علمت (طالبةً) سورة من القرآن، أو كيف تصلي.. كيف تتوضأ.. كيف تتشهد؟ فإنك ستأخذين أجرها، وأجر من علَّمتْه إلى يوم القيامة، هذا إن أخلصت النية لله رب العالمين.

واعلمي أن هؤلاء الأطفال أمانة، فلا تعاملي طالبة الابتدائي بعقلية طالبة الثانوي الفاهمة المستوعبة، فعليك بالتدرج في إيصال المعلومات حتى تفقهها.

وعليك تعليمها كيف تتطهر.. كيف تتنظف.. كيف تعتني بهندامها مع ستره، وعلميها الأمور الخاصة بطهارة النساء، فلربما كانت هذه الطالبة مبتلاة (بأمٍّ رفلة)، أَوْكَلَت أمرها إلى الخادمات، فاحتسبي الأجر في تعليمه، واعلمي أن هذه الفتاة لو أقامت بعد زمن بيتا نظيفا ومنزلا سعيدا وأولادا مرتبين، فإن كل هذا سيكون في ميزان أعمالك، لأنك أنت التي دللتيها على هذا الخير.

واستحضري أن كثيرا من البنات قد فقدن الأم القريبة، ولربما بعضهن تعاني من التفكك داخل المنزل، (فكوني أمّاً لهن)..

تحسسي مشاكلهن، ووجهيهن التوجيه الحسن دينيا وأدبيا وسلوكياً، فلربما تنقذين فتاة من الضياع بسبب اهتمامك وحرصك الذي يعظم الله لك به الأجر، ويحمدك عليه كل أحد، وخصوصا تلك الفتاة، وقد يلهج لسانها بالدعاء لك بعد أمد، لأنك حفظتيها ألاّ تضيع، وقد تدعو لك وأنت في قبرك وحيدة تحت التراب، تحتاجين إلى دعوة صادقة يرفع الله بها أجرك، ويحط بها وزرك.

أرأيت يا أختاه؟

هل تحسست أن الأمر عظيم؟

إذا كان ذلك فاعلمي أن كونك معلمة أجرٌ ساقه الله إليك، فلا تفرطي فيه، واجتهدي أن تكوني على الدوام مفتاحا لكل خير، مغلاقة لكل شر.




باااركـ الله فــيكــي وجعــله بميزان حسنااتك



التصنيفات
منوعات

مطلقة للشيخ سالم العجمي

2469 زائر
25-06-2009
admin

مطلقـــة

ندمت ندامة الكسعي لما غـدت مني مطلقة نوار

وأي النساء مثل نوار حتى يندم الكسعي على طلاقها.

لا شك ان هذه المرأة التي يرى زوجها طلاقه لها بسبب تخبط عقله قد بلغت مبلغاً عظيماً عند الزوج….

ولكن أين هو الزوج الذي يقدر الجواهر حين امتلاكها حتى لا يبكي على فقدها ألماً وحسرة.

إن بعض الأزواج ـ وليس دفاعاً عن المرأة ـ عقله صغير ولم يعرف بعد التعامل مع زوجته، فيتصور أن الزواج يعني العيش السعيد في كل وقت وحين، لا يمسه فيه نصب ولا كدر، فما أن تهب ريح ضعيفة على حصن الزوجية إلا قطع أواصر هذه العلاقة الحميمة بطلاق امرأته.

نعم، إن الكثير من الزوجات سيئات الطبع بسبب المدنية الغربية التي أطلقت الحرية الزائفة لكثير من النساء وجعلتهن يتبجحن على أزواجهن، وهذا الصنف قد لا يكون له علاج إلا الطلاق ـ بعد اسفتراغ الأوسع في علاج الخطأ ـ، وهذا الصنف ليس جديراً بأن تأسف على فراقه، بل إن فراقه غنيمة على حد قول القائل:

ظعنت أمامه بالطلاق ونجوت من غل الوثاق

بانت فلم يألم لها قلبي ولـم تدمـع مـآقـي

ودواء مـا لا تشتهيه النفس تعجيل الفراق

والعيش ليس بطيب بين اثنين مـن غير اتفاق

لو لم أرح بفراقـهـا لأرحت نفسي بالإباق

ولكن الخطأ الفادح، التسرع بالطلاق بحيث يتصور أنه لا علاج إلا هو.

قلة الخبرة عند الأزواج سبب رئيسي في وقوع الطلاق، ولكن انظر إلى ضياع الأطفال الصغار وتقطع قلوبهم وتشتت أفكارهم، ففي كل وادٍ يعيش منهم طرف ولا يدرون كيف يلمون شعثهم.

والمصيبة الكبرى عندما تطلق امرأة قليل مثيلاتها، لا يجاري وصفها الذهب، جمعت من الأوصاف ما حسن، ومن الذكر أطيبه، لا يسمع لها همس بسوء، ولا كلمة ريبة، تُشترى بأعظم الأثمان عند من يثمن، جمعت (دينا ودنيا..) فكيف يفرط بمثل هذه؟!

وهل من العقل التفريط بمثل هذه من أجل وشاية حاسد، أو من أجل (طبخة طعام..) أو كلمة خرجت من دون قصد؟!

أيها العقلاء…

لو كان لأحدكم صديق سافر معه مدة شهر هل يتصور أنه لن يحدث بينهما سوء تفاهم؟ فكيف بامرأة تعيش معك عمراً، أو رجلا يعيش معك عمراً، هل تريد منزهة عن الخطأ، أو تريدين معصوماً من الزلل؟!.

ولا أعني بهذا الكلام أن يكون الرجل (اسم رجل دون محتوى!) فيترك الحبل على قاربه، فتفعل ما تشاء، وتخرج متى تشاء، دون حساب، لاأعني هذا أبداً، فمثل هذا الصنف من الرجال!! ليس بكفء أن تزوجه ابنتك أو قريبتك لأنه ضائع وسيضيعها وربما تفقد عنده ما حفظته عند أهلها عمرا!!

ثم كفوا عن تلك النظرة القاتمة للمطلقة، وكانها متهمة أو جاءت برزية أو عار، فهذا قدر الله الذي لا راد لحكمه وقضائه، وكم من مطلقة طلقت بسبب فساد زوج أو انحرافه، إما أن يكون مدمناً أو سكيراً أو منحرفاً أخلاقياً، أو كافراً بالله العظيم لا يصلي ولا يصوم ولا يحرم حراماً ولا يحل حلالاً، وربما شعرت أنها ستنتقل إلى عالم (الساقطات..) إن استمرت معه فهربت بعفتها، فمثل هذه.. هل من الإنصاف أن ينظر إليها نظرة ازدراء أليس الأحرى أن ينظر إليها أنها تاج يرفع على رأس الشرفاء؟!!

فبدلا من توجيه سهامك لهذا الصنف الطاهر من المطلقات (تقدم لزواجها فهي كنز حري أن يظفر به..).

قال صلى الله عليه وسلم: "إن من سعادة ابن آدم ثلاث: المرأة الصالحة والمنزل الصالح والمركب الصالح".

فيا أيتها العفيفة… صبراً واحتساباً.. فإنه عما قريب ستظهر شمس الأمل وينبلج نور الصباح وتتبدد غيوم الأكدار "ومن يستغن يغنه الله، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يتصبر يصبره الله".

ولا تحملنك هموم الوحدة على الضجر فإن مع العسر يسرا.




اتمنى ان تستفيدو من الموضوع



جــزااكي الله خيرا



واياكي حنونتي



والله هذا هو ما يجب ان يقال في هذا الصدد لا اعرف احس انك دايما تجدين ما ابحث عنه وما اريد ان اقوله وتقولينه بالطريقة اللازمة الله يعطيك الصحة ويجازيك خيرا يا رب



التصنيفات
منوعات

من خطب الشيخ سالم العجمي الاخلاص

الإخلاص

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الناس وكفى بالله شهيداً؛ وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً؛ وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

أما بعد؛ عباد الله :

فإنَّ الواجب على المسلم أن يكون مخلصاً بأعماله لله رب العالمين؛ مبتغياً وجه الله بذلك، فالإخلاص من أجلّ العبادات القلبية التي يظهر أثرها على اللسان والجوارح، وبه يتميز العمل المقبول من المردود، وحقيقة الإخلاص أن يستوي عند المسلم الغيب والشهادة؛ والسر والعلانية؛ والجماعة والخلوة، وأن يخلِّص عمله من الشوائب كلها قليلها وكثيرها؛ حتى يتجرد فيه قصد التقرب إلى الله؛ فلا يكون فيه باعث سواه .

فكل شيء يُتصور أن يشوبه غيره، فإذا صفا عن شوبه وخلص منه سُمِّي خالصاً ولذلك قال يحيى بن معاذ : « الإخلاص تمييز العمل من العيوب كتمييز اللبن من الفرث والدم » .

والإخلاص شرط في قبول الأعمال؛ فإنه لا يُقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجه الله وكان صاحبه متّبعاً سنة رسول الله r؛ قال الله تعالى:(فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)،قال الفضيل بن عياض: « العمل الصالح أخلصه وأصوبه، فإن العمل إذا كان صالحاً ولم يكن صواباً لم يُقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص إذا كان لله ﻷ، والصواب إذا كان على السنة».

من أجل ذلك فلا بد للمسلم أن يُفَرِّغ قلبه لخالقه سبحانه فلا يبقى فيه شرك لأحد مع الله؛ وأن يخرج حظوظ النفس وملاحظة الخلق من جميع أعماله ظاهراً وباطناً، وهذه منزلة لا يُوَفق إليها إلا من أراد الله ﻷ به خيراً؛ وذلك أن الإخلاص من أشد الأمور على النفس لأنه ليس لها فيه نصيب، وإنما هو بذل العمل لله دون النظر إلى متاع الدنيا .

والإخلاص قائد إلى أبواب الخير؛ جامع لخصال البر؛ هادٍ إلى سبل الرشاد والنعيم المقيم في دار الكرامة؛ ويدفع عن أصحابه مصارع السوء؛ ولذلك عظمت الوصية به من النبي r وسلف الأمة الكرام؛ لأن قيام الأعمال عليه؛ ولن تُقطف ثمرةُ العمل إلا إذا أحسن الغرس؛ وتأمل قوله r: « ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب».

فهذا إخبار منه r أن صلاح القلب مستلزم لصلاح سائر الجسد؛ وفساده مستلزم لفساده؛ فإذا رُئيَ ظاهرَ الجسد فاسداً غير صالح، عُلِم أن القلب ليس بصالح بل فاسد، ويمتنع فساد الظاهر مع صلاح الباطن، كما يمتنع صلاحُ الظاهر مع فساد الباطن؛ إذ كان صلاحُ الظاهر وفسادُه ملازماً لصلاح الباطن وفساده ؛ قال سفيان بن عيينة : « كان العلماء فيما مضى يكتب بعضهم لبعض بهؤلاء الكلمات؛ من أصلح سريرته أصلح الله علانيته؛ ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس؛ ومن عمل لآخرته كفاه الله ﻷ أمر دنياه » .

وقد اعتنى السلف بإصلاح السرائر لعلمهم أن إصلاحها ينتج عنه صلاح الأعمال والأحوال مما يعود عليهم بالنفع في الدين والدنيا، وفي أمر الآخرة والأولى؛ قال عمر بن الخطاب t لرجل: « عليك بعمل العلانية. قال: يا أمير المؤمنين؛ وما عمل العلانية؛ قال: ما إذا اطُّلِع عليك لم تستحي منه» .

وليس تحقيق الإخلاص بالأمر السهل؛ ولذلك كان أشد ما يكون على صاحب العمل؛ قال أيوب السختياني: « تخليص النيات على العُمّال أشد عليهم من جميع الأعمال »؛ وقال بعض السلف: « في إخلاص ساعة نجاة الأبد، ولكن الإخلاص عزيز».

وكان سلف الأمة -رحمهم الله- يجتهدون في المحافظة على الإخلاص في أعمالهم بالرغم من تزيُّن الدنيا لهم؛ وبالرغم من كثرة الدواعي التي تدور حولهم لإظهار أعمالهم؛ ومع ذلك كانوا شديدي التمسك بحسن النوايا وإخلاص أعمالهم لله تعالى؛ فأعقبهم الله ـ رفعة في الدنيا؛ وعلو شأن في العلم والعمل والذكر الحسن؛ لما وافق قلوبهم من الإخلاص؛ قال عبدة بن سليمان: « كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو؛ فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا إلى المبارزة؛ فخرج إليه رجلٌ فطارده ساعة فطعنه فقتله؛ ثم آخر فقتله؛ ثم آخر فقتله، فازدحم الناس عليه، وكنت فيمن ازدحم عليه، فإذا هو يلثم وجهه بكمه، فأخذْتُ بطرف كمه فمددته، فإذا هو عبد الله بن المبارك؛ فقال: وأنت يا أبا عمر ممن يشنع علينا؟».

والإخلاص في النية سبب لجريان الأجر وإن لم يعملِ المسلمُ العملَ الصالح ؛ وقد قال قائل: « دلوني على عمل لا أزال به عاملاً لله تعالى؛ فقيل له: انوِ الخير، فنيَّتُك لا تزال عاملاً وإن لم تعمل؛ فالنية تعمل وإن عُدِم العمل » .

وقال جعفر بن حيان: « ملاك هذه الأعمال النيات ، فان الرجل يبلغ بنيته ما لا يبلغ بعمله ».

والإخلاص سبب للوقاية من مصارع السوء وموارد الهلاك، وقد جاء في السنة النبوية الشريفة ما يوضح ذلك؛ فقد قال النبيr: « انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار؛ فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم.

قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً؛ فنأى بي طلبُ الشجر يوماً فلم أرِح عليهما حتى ناما؛ فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً؛ فلبثت -والقدح على يدي- أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي؛ فاستيقظا فشربا غبوقهما؛ اللهم إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه.

قال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي، وفي رواية: كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، فأردتها عن نفسها فامتنعت مني؛ حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدرت عليها، وفي رواية: فلما قعدت بين رجليها، قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها .

وقال الثالث: اللهم استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمَّرْتُ أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أدِّ إليَّ أجري، فقلت: كلُّ ما ترى من أجرك- من الإبل والبقر والغنم والرقيق- فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي؛ فقلت: لا أستهزئ بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً، اللهم إنْ كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون» .

فهذا الحديث العظيم يبين كيف أن الإخلاص كان سبباً في إنقاذ هؤلاء النفر الثلاثة، حيث توسلوا إلى الله سبحانه بالعمل الصالح الذي أخلصوا فيه للهﻷ؛ ففرج الله عنهم بذلك؛ ووقاهم مصرع السوء .

فهذا حثٌّ على الإخلاص وبيانٌ لأهميته؛ فإذا كانت تلك ثمراته الدنيوية من تفريج الكروب؛ فكيف بأجره عند الله ـ يوم القيامة؟ .

فلذا ينبغي على المسلم العاقل أن يجاهد نفسه أشد المجاهدة ليُنقِّي أعماله من الشوائب؛ حتى تكون خالصة لوجه الله تعالى؛ ولذا قال بعض السلف:« إن لله عباداً عقلوا؛ فلما عقلوا علموا؛ فلما علموا أخلصوا؛ فاستدعاهم الإخلاص إلى أبواب البر أجمع » .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه؛ والشكر له على توفيقه وامتنانه؛ وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه؛ وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأعوانه .

أما بعد أيها المسلمون :

فالإخلاص من أعظم أسباب النجاة من عذاب الآخرة؛ قال الله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً* إنا نخاف من ربنا يوما عبوساً قمطريراً*فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقّاهم نضرة وسروراً*وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً )؛ وفي ذلك أتم بيان على أن العبد إذا عبَدَ الله مخلصاً له الدين حال رخائه مشفقاً من عذابه، فإن ذلك سببٌ لنجاته .

والإخلاص سبب لمحبة الله تعالى وأهل السماوات للمخلص؛ ووضعِ القبول له في الأرض؛ قال r:« إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: إني أُحِبُّ فلاناَ فأحْبِبْه؛ فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه؛ فيحبه أهل السماء؛ ثم يوضع له القبول في الأرض» .

كما أن الإخلاص من أسباب وقاية دين العبد من الآفات، ولذلك لما اشتد البلاء بيوسف عليه السلام ؛ حيث تعرضت له امرأة العزيز وراودته عن نفسه؛ فقد لجأ إلى الله ﻷ مخلصاً أن ينجيه من الوقوع في الفتنه والإثم؛ فاستجاب الله دعاءه لِما علم من إخلاصه في مناشدته ربه النجاة من الفتنه؛ حتى صار السجنُ أحبَّ إليه من الوقوع في معصية الله؛ حيث قال:(ربِّ السجن أحبُّ إليّ مما يدعونني إليه)، فنجاه الله تعالى بسبب إخلاصه؛ وأثنى عليه بقوله تعالى:(كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلَصين). وكذلك كلُّ من صرف الله تعالى عنه الإثم ودواعيه؛ فإن ذلك دليلٌ على تدينِه وإخلاصه وأن الله قد أراد به خيراً، وجعل من علامات ذلك أنْ صرفه عن الإثمِ؛ وصرَفَ الإثمَ عنه .

نسأل الله أن يهدي قلوبَنا؛ وأن يرزقنا الإخلاص والقبول .




باااركـ الله فــيكــي وجعــله بميزان حسنااتك



التصنيفات
التعامل مع الزوج و العلاقة الزوجية

الجفاف للشيخ سالم العجمي

الجفـــــاف

الزوج والزوجة.. شخصان غريبان عن بعضهما البعض ربط بينهما هذا الرباط الوثيق وظللهما سقف واحد، وحوتهما بقعة واحدة، بعد أن لم يكن بينهما تواصل ولا اتفاق.

ولذا فمن الضروري التنبيه إلى أنهما سيمران بمرحلة خطيرة إذ لم يتنبها إلى كيفية التعامل معها فإنه سيسقط الصرح الذي شرعا في تشييده، وهذه المرحلة هي أول عام أو عامين من تاريخ الحياة الزوجية، فإنها فترة دراسة كل من الزوجين لطبائع الآخر، ويغشاها الاضطراب وتغير النفسيات، ودراسة أحد الزوجين طبائع طرف آخر قد ارتبط به ولم يكن بينهما ثمة صلة قبل ذلك وقد يوفق أو يفشل.

وكثير من الشباب يقع بينهما الطلاق في هذه الفترة إما لقلة الخبرة أو فقد الصبر وعدم معرفة التعامل مع الأحداث.

فلا بد لكل من الزوجين التفهم ومعايشة طباع الشخص الذي اقترن به، فيكيف نفسه وفق ذلك، ولعل الزوجة هي التي تتحمل العبء الأكبر في ذلك، لأن الرجل أكثر تعرضاً للاختلاط بالبشر والأخذ والرد نظراً لطبيعة البشرية، فربما انعكس ذلك على حياته في بيته، فإن لم يوفق لزوجة تعينه وتفهمه وقع بينهما الشقاق والخصومة.

وقد تسير الحياة الزوجية بهدوء تام دون التعرض للمشاكل المردية التي من شأنها هدم عش الزوجية، لكن يكتشف بعض الأزواج بعد فترة طويلة عدم الميل لصاحبه، وهذا لا يعني نهاية الحياة بل يجب عليه التفتيش بالأسباب، ولعل من أعظمها تعود كل منهما على صاحبه والاختلاط به أعظم الوقت، فإن كثرة الاختلاط ينتج عنها معرفة العيوب والاطلاع على الخبايا المستورة عن نظر الناس، ولكن العاقل من استدرك وحاول تجنب الأمور التي توقع في الزلل.

ومن أخطر ما يواجه الحياة الزوجية.. الجفاف الذي يخيم عليها، حيث يجد أحد الأزواج عند الطرف الآخر مشاعر متبلدة، وعواطف متجمدة، تؤدي إن استمرت إلى ضياع الأسرة وتشتت الشمل وإطفاء نور المودة.

الذكي من الأزواج هو الذي يسعى إلى تغيير الروتين (الممل) وإذكاء روح البهجة والمودة في بيته، فكم للمداعبة والتودد والترفق بين الأزواج دور كبير في إضفاء السعادة على بيت الزوجية.

تأمّل:

كانت عائشة رضي الله عنها تشرب من الإناء فيأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فيه على موضع فيها ويشرب، وكان يضع رأسه في حجرها -وهي حائض- فيقرأ القرآن.

وكانت إحدى زوجاته نائمة بجانبه فحاضت، تقول: فانسللت.. فشعر بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنفست -يعني: أحضت- قالت: نعم، فأدخلها في فراشه، فأي (ود) بعد هذا؟ وأي رحمة بعد هذه؟ مع ما يقابل ذلك من ذكاء الزوجة وتحببها إلى زوجها..

تقول عائشة رضي الله عنها: كان الحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد فيحملني الرسول صلى الله عليه وسلم على ظهره لأنظر إليهم، فيقول: انتهيت، فأقول: لا، حتى أعلم مكانتي عنده.

والزوجة الطيبة هي التي تفعل ما يحب زوجها، وتتجنب ما يكره، ويجب أن تحفظ هذا ولا تحتاج إلى أن يكرر عليها ذلك في كل وقت.

تأمّل: تزوج رجل بامرأة فأخذ تفاحة فأكل جزءاً منها، وأعطى زوجته ما بقي، فأخذت سكيناً فقال: ماذا تريدين أن تفعلي؟

قالت: أزيل آثار أسنانك، فطلقها.

أتتصورون لو أدخل الزوجان على حياتهما شيئاً من اللين والرفق والتغيير، هل يبقى بعد ذلك ملل؟ ومع ما ذكرت إلا أن الواجب عدم التفريط بالمحبة أو النفور الشديد.. وكما قيل..

كلا طرفي قصد الأمور ذميم…

ولينتبه الزوجان إلى أمر يهدم البيت القائم على أقوى أساس، والمرتفع غاية الارتفاع وهو أن تقارن المرأة حياتها بأخرى وتتمنى لو حلت بمكانها، أو يقارن الرجل زوجته بتلك المرأة.

وليثق كل من الزوجين.. أن لدي شريكه من الصفات ما ليس لدي هذا الذي يطمح إليه عقله، ولكن لأن المرء البعيد عنك ولم تخالطه بكثرة ترى أنه قد جمع من صفات السعادة، ولو خالطته لرأيت عجبا، ومما يؤدي إلى هذه المقارنة الزهد فيما تحت اليد، والطمع في البعيد، وهذا حال غالب الناس أن يتمنى شيئاً ليس تحت يده.. إلا من رحم الله.

ومما يكسر هذه المقارنة.. أن تنظر إلى عيوب ذلك الإنسان وتقارنه بما تراه عيباً في شريكك، فلربما حملك هذا على أن ترى عيوب شريك حياتك بالنسبة لعيوب ذلك محاسن.

وعلى الإنسان أن يعامل شريكه وصاحب سفره من الجوانب الطيبة التي عنده، فهنا يصبر على ما عنده طمعاً في تغير حاله إلى الأحسن.

ولا أعني أن يسكت عن العيوب التي لا يمكن السكوت عنها، كمن تشوه سمعة زوجها أو تنم بين الناس فتهدم بسببها البيوت أو تفشي أسرار بيته، مما لا يعالج إلا بصعوبة بالغة، أما الأخطاء التي ليس لها أضرار كبيرة ولا تؤثر على الحياة الزوجية فالواجب أخذها بسعة الصدر واستعمال (غض النظر كثيراً معها..) حتى لا تغرق السفينة.

وهذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً إذا كره منها خلقاً رضي منها آخر" (لا يفرك: أي لا يبغض) فأي تربية وتوجيه أعظم من هذا؟

قال زوج: "زوجتي عندها نقص في بعض الجوانب التي تنفّر منها أحياناً وأراها جوانب سيئة، ولكن فيها من صفات الخير الكثير، فهي رقيقة القلب، فيها رحمة بوالدتي وأولادي، كريمة سخية ولذا فإنني أتعامل معها من هذه الجوانب الطيبة.. لا الجانب السيئ ولذا فإن حياتي تسير على ما يرام".

ومن الذي ينعم بحياة كاملة لا يرد عليها النقص؟!

إن الذي يفتح بابه للناس يرى من مشاكلهم عجباً، فكم من المحزن أن ترى بيتاً أسسه شاب وفتاة في عمر الزهور، ثم ما يلبث هذا البيت أن يهدم، فتضيع الأحلام، لقلة الخبرة، أو لعدم التجمل بالصبر، فتعود الفتاة مطلقة تموج بها الفتن، ويعود الرجل بائساً، ويعود الأولاد مشتتين.

فالصبر.. الصبر أيها الأزواج، وعليكم بمعالجة هذا الجفاف بوابل من أمطار العاطفة، تعيد إلى بيوتكم الحياة والأمل.




وين الردود



شكرا ع الموضوع الرائع



شكرالك اختي نجمة ساري



يعطيكي العافية غلاتي



التصنيفات
منوعات

التوكل الشيخ سالم العجمي

التوكل على الله

الحمد لله ذي الألطاف الواسعة والنعم، وكاشف الشدائد والنقم ، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجود والكرم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي فُضِّل على جميع الأمم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم . أما بعد عباد الله:

فإن من سعادة العبد أن يرزقه الله تعالى حسن التوكُّل عليه في أموره كلها؛ وإنّ بلوغ هذه المنزلة لهو من أعظم الامتنان والتفضل على العبد؛ فمن توكلّ على الله عز وجل حق التوكل سكن قلبه؛ واطمأنت نفسه؛ ولذّ عيشه, ذلك أن حقيقة التوكل هي صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح, ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة, وتفويض الأمور كلها إلى الله سبحانه, وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه, وهذه منزلة لا يبلغها إلا الصدّيقون؛ قال سعيد بن جبير: « التوكل جماع الإيمان » .

فالتوكل عبادة قلبية محضة؛ ليست قولاً باللسان, ولا عملاً بالجوارح؛ ولذلك قال الإمام أحمد : « التوكل عمل القلب » .

فلابد للقلب أنْ يكون متعلقاً بالله حق التعلق, وأنْ يوقن العبد بأن مردَّ الأمور إلى الله ؛ فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن .

ولعظم منزلة التوكل فقد جاءت الأدلة الكثيرة تحث عليه وتبين منزلته ليأخذ به المسلم؛ لما فيه من حلاوة العيش وحسن العاقبة؛ فقد قال الله تعالى: ( و من يتوكل على الله فهو حسبه) أي: كافيه؛ وقال: ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) .

وجاء عن النبي r قال: «لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير, تغدو خِماصاً وتروح بِطاناً».

ففي هذا الحديث ضرب النبي r المثل بالطير على ضعفه وأن الله ﻷ قد تكفل له بالرزق وهداه لأسبابه, وهذا مما يورث اليقين عند العبد بأن عَيْشَه مكفول, فإذا علم ذلك أورثه ذلك حسن ظنٍّ بربه سبحانه, لأن المتوكل حقيقةً من يعلم أن الله قد ضمن لعبده رزقه وكفايته, فيصدِّق الله فيما ضمنه, ويثق بذلك حقَّ الثقة؛ ويحقق الاعتماد عليه فيما ضمنه من الرزق؛ وأن الرزق مقسوم لكل أحدٍ من بَرٍّ وفاجر, ومؤمن وكافر؛ كما قال تعالى: ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها )؛ هذا مع ضعف كثير من الدواب وعجزها عن السعي في طلب الرزق, فما دام العبد حياً, فرزقه على الله, وقد ييسره الله بكسب أو بغير كسب, وإن كان بذل الأسباب مطلوباً .

والتوكل دليل على حسن ظن العبد بربه, قال محمد الذهلي: سألت الخريبي عن التوكل فقال: « أرى التوكل حسن الظن بالله », فعلى قدر حسن ظن العبد بربه ورجائه له يكون توكله عليه, فحسن الظن بالله يدعو العبد إلى التوكل عليه؛ إذ لا يتصور التوكل على من ساء ظنه به؛ ولا التوكل على من لا يرجوه, وهذا ما فعله أولياء الله تعالى في أحلك الظروف وأصعب المواقف؛ حيث فوضوا أمورهم إلى الله عز وجل لحسن ظنهم بكفايته لهم, قال ابن عباس رضي الله عنهما: « حسبنا الله ونعم الوكيل, قالها إبراهيم r حين أُلقي في النار, وقالها محمد r حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل » .

فهذا بيانٌ لحال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكيف بلغ بهم التوكل على الله تعالى وحسن ظنهم به على الرغم مما هم فيه من الخوف والضنك الشديد؛ فكان قولهم حسبنا الله ونعم الوكيل؛ أي: أنه كافينا في مهماتنا وملماتنا, وهو نعم الكافي ومن نُفَوِّضُ له الأمر .

فإبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ لما دعا قومه إلى التوحيد وكسّر أصنامهم؛ أوقدوا له ناراً عظيمة ثم رموه فيها؛ فلما رموه قال: حسبنا الله ونعم الوكيل. فكانت النتيجة أن أنجاه الله من النار؛ قال تعالى: ( قُلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم )؛ فنجاه الله ﻷ لحسن ظنه به وصِدْقِ توكله عليه .

و لما رجع النبي r من غزوة أُحد؛ وقد هُزِم المسلمون فيها وأصابهم غمٌّ شديد وضنك عظيم وقُتِل منهم خلق كثير, جاء من أخبر النبي r أنَّ المشركين عزموا على العودة إلى النبي r وصحابته ليستأصلوا بقيتهم, وقد جمعوا لذلك الجموع, فما كان من النبي r وصحابته إلا أن فوضوا أمرهم إلى الله؛ وأحسنوا الظن به سبحانه؛ وزادهم ذلك الأمر على شدته إيماناً؛ وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل .

فما كانت النتيجة؟

قال تعالى: (فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم).

وفي ذلك أعظم دليل على أن الإنسان مهما مسه من الضنك والشدائد؛ إن لجأ إلى الله سبحانه في أموره أعانه وتولاه و نصره, لكنَّ البلاء العظيم أن بعض الناس إذا مسه الكرب لجأ إلى الأمور المادية يبحث من خلالها عن الفرج؛ ولو تعلق قلبه بخالقه لكفاه ما أهمه .

ثمَّ إن اعتماد القلب على الله تعالى؛ واستناده وسكونه إليه, يُذهِبُ عنه ما يكون في القلوب من التشويش؛ والخوف من فوات الأسباب؛ لعلمه أن هذه الأسباب بيد مسببها سبحانه؛ ولذلك لا يبالي بإقبالها وإدبارها, ولا يضطرب قلبه ويخفق عند إدبار ما يحب منها, وإقبال ما يكره؛ لأن اعتماده على الله وسكونه إليه, واستناده إليه, قد حصنه من خوفها ورجائها, فحاله في ذلك حال من خرج عليه عدوٌّ عظيم لا طاقة له به, فرأى حصناً مفتوحاً فأدخله صاحبه إليه, وأغلق عليه باب الحصن, فهو يشاهد عدوّه خارج الحصن, فاضطرابُ قلبهِ وخوفُه من عدوّه في هذه الحال لا معنى له .

و مَثَلُه في ذلك مَثَل الطفل الرضيع في اعتماده وسكونه وطمأنينته بثدي أمه؛ لا يعرف غيره, وليس في قلبه التفات إلى غيره, ولذلك قال بعض العلماء: المتوكِّل كالطفل لا يعرف شيئاً يأوي إليه إلا ثدي أمِّه, كذلك المتوكل لا يأوي إلا إلى ربه سبحانه .

وروح التوكل ولبُّه وحقيقتُه في تفويض الأمور إلى الله؛ وأن يلقي المرء أموره كلَّها لله سبحانه, وإنزالها به طلباً واختياراً؛ لا كرهاً واضطراباً؛ بل كتفويض الابن العاجز الضعيف المغلوب على أمره أمورَه إلى أبيه العالِمِ بشفقته عليه ورحمته وتمام كفايته وحسن ولايته له, فهو يرى أن تدبير أبيه له خير من تدبيره لنفسه, وقيامه بمصالحه وتوليه لها خير من قيامه هو بمصالح نفسه وتوليه لها, فلا يجد له أصلَح ولا أرفق من تفويضه أموره كلها إلى أبيه, وراحتِه من ثقل حملها؛ مع عجزه عنها وجهله بوجوه المصالح فيها؛ وعلمه بكمال من فوّض إليه وقدرتهِ وشفقته .

وقد قال الله تعالى فيما حكاه عن مؤمن آل فرعون حيث قال: ( وأفوِّضُ أمري إلى الله )؛ والمفوِّض لا يفوِّض أمره إلى الله إلا لإرادته أن يقضي له ما هو خير له في معاشه ومعاده, وإن كان المقضي له خلاف ما يظنه خيراً فهو راض به لأنه يعلم أنه خير له وإن خفيت عليه جهة المصلحة فيه, وهكذا حال المتوكل سواءً؛ بل هو أرفع من المفوض, لأن مقام التوكّل اعتماد القلب كله على طاعة الله بعد تفويضه .

ومِن أجلِّ ثمرات التوكل على الله الرضا بما يقدره الله سبحانه, وهذا من أعظم درجات العبودية؛ قال بشر الحافي رحمه الله:« يقول أحدهم توكلت على الله, يكذب على الله, لو توكل على الله لرضي بما يفعله الله به».

فمن وكّل الله سبحانه في أمره؛ فمن تمام عبوديته أن يرضى بما كتب الله له وقدّره عليه فيما وكّل الله فيه من الأمور .

و من تأمل الجزاء الذي جعله الله تعالى للمتوكِّل عليه؛ وأنه لم يجعلْه لغيره علم أن التوكل أحبُّ السبل الموصلة إليه سبحانه؛ فقد قال تعالىالتوكل على الله الحمد لله ذي الألطاف الواسعة والنعم، وكاشف ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي فتح لأرباب البصائر أنوار الهدى؛ أحمده سبحانه تنزه عن كل النقائص وعلى العرش استوى؛ وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له فالق الحب والنوى؛ وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً .

أما بعد أيها المسلمون:

فإن من تمام التوكل الأخذ بالأسباب, ولا يعني التوكل أنْ لا يأخذ العبد بالأسباب؛ لأن ترك الأسباب جملةً ممتنعٌ عقلاً وحساً, وما أخل النبيr بشيء من الأسباب, فقد لبس درعين يوم أحد, واستأجر دليلاً مشركاً يدله على طريق الهجرة, وكان إذا سافر في حج أو جهاد حمل الزاد والمزاد, وهكذا فعل أصحابه y وهم أولو التوكل حقاً .

ومع كون الأخذ بالأسباب من تمام التوكل فإن الواجب على المسلم أنْ لا يلتفت قلبه إلى الأسباب بل إلى مسببها سبحانه, فقد يجمع المرء جميع الوسائل المادية ولا يتم له ما عزم عليه, فإن الأمور بيد الله .

ولما كان الأمر كله لله سبحانه , وليس للعبد فيه شيء البتة, كان توكلُه على الله تسليمَ الأمر لمَن هُوَ لَه, وعزْلَ نفسِه عن منازعة مالكه, واعتمادَه عليه فيه, وخروجَه عن تصرفه بنفسه وحولهِ وقوّته إلى تصّرفِّه بربه؛ وكونِه به سبحانه دون نفسه, وهذا مقصود التوكل .

فإذا عزل العبد نفسه عن مقام التوكل عزلها عن حقيقة العبودية, وقد خاطب الله سبحانه- في كتابه- بالتوّكل خواصَّ خلقه وأقربهم إليه وأكرمهم عليه, وشَرَط في إيمانهم أن يكونوا متوكلين؛ وهذا يدل على انتفاء الإيمان عند انتفاء التوكل, فمن لا توكل له لا إيمان له, قال الله تعالىالتوكل على الله الحمد لله ذي الألطاف الواسعة والنعم، وكاشفوعلى الله توكلوا إن كنتم مؤمنين)؛ وقال تعالىالتوكل على الله الحمد لله ذي الألطاف الواسعة والنعم، وكاشفوعلى الله فليتوكل المؤمنون )؛ وقال سبحانه: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون)؛ و هذا يدل على انحصار المؤمنين فيمن كان بهذه الصفة؛ وأخبر تعالى عن رسله بأن التوكل ملجأُهم ومعاذُهم فقال تعالى: (وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين * فقالوا على الله توكلنا..)؛ وقال رسل الله وأنبياؤه: ( ومالنا أن لا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ) .

فالعبد آفته إمّا من عدم الهداية, وإما من عدم التوكّل, فإذا جمع التوكلَ إلى الهداية فقد جمع الإيمان كله .

وقد كان في دعاء النبي r ما يدل على توكله الدائم على خالقه سبحانه؛ فكان من دعائه r قولُه: «اللهم لك أسلمت, وبك آمنت, وعليك توكلت, وإليك أنبت, وبك خاصمت» .

فإذا كان هذا حال الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم فينبغي على المسلم أن يقتدي بهم, وأن يستشعر حقيقة التوكل في قلبه, والتي ينتج عنها ترجمة هذه العقيدة القلبية على لسانه وجوارحه؛ ويوقن أشد اليقين بأن العبد إذا توكل على الله تعالى أورثه ذلك علماً أكيداً بأنه لا يملك لنفسه ولا لغيره حولاً ولا قوة, وأن استطاعته بيد الله لا بيده؛ فهو مالِكُها دونه, وأنه إنْ لم يعطه الاستطاعة فهو عاجز, وأنه لا يتحرك إلا بالله لا بنفسه ولذا كان من دعائه r: «يا حي يا قيوم برحمتك استغيث؛ أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين» .

وكان من دعاء علي بن الحسين رحمه الله: « اللهم لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها ولا تكلني إلى المخلوقين فيضيّعوني » .

فالواجب على المسلم أن يلزم التوكل لأنه محض العبودية وخالص التوحيد إذا قام به صاحبه حقيقة؛ ومن ترسخت في قلبه هذه العقيدة فهو الموفق حقاً .

اللهم اغفر لنا وارحمنا؛ وتوفنا وأنت راضٍ عنا..




ان شاء الله تستفيدومن الموضوع



باااركـ الله فــيكــي أختــي الغــااالية



وفيكي بارك الله اخيتي



التصنيفات
منتدى اسلامي

الصدق ومجانبة الكذب للشيخ سالم العجمي

إنّ من سعادة المرء اشتغاله بصلاح حاله وتصحيح سلوكه؛ ومن أعظم ما يعين على ذلك أن يتعاهد لسانه بما يصلحه؛ فقد قال النبي r: «طوبى لمن ملك لسانه؛ ووسعه بيته؛ وبكى على خطيئته»؛ ومن أهمّ ما يجب على العاقل فعله أنْ يداوم على رعاية لسانه بلزوم الصدق وما يعود عليه نفعه في الدارين، لأن اللسان يقتضي ما عُوِّد؛ إن صدقاً فَصَدْق، وإن كان غير ذلك فهو على حسب ما عوّده عليه.

واللسان بوابةٌ يلج من خلالها المرء في تعامله مع الآخرين؛ فمن الناس من يُكْرَم للسانه، ومنهم مَن يهان بسببه؛ ولذا فالواجب على العاقل أنْ يتعاهد لسانه، ولا يكون ممن يشقى بسببه.

وخير ما يحمل المرء لسانه عليه أن يعوِّده الصدق ومجانبة الكذب في الأقوال والأفعال؛ فإنَّ كل شيء يستعار ليُتَجمَّلَ به إلا اللسان؛ فإنه ينضح بما اعتاده؛ فإنَّ الألسنة مغاريف القلوب؛ والصدق ينجي صاحبه والكذب يرديه.

وقد قيل:

عَوِّد لسانك قول الخَير تَحْظَ به

إن اللسان لما عَوَّدْتَ معتادُ

موكّلٌ بتقاضي ما سنَنْتَ له

اختر لنفسك وانظر كيف ترتادُ

والصدق من أعظم أبواب الخير التي تقود صاحبها إلى جنات الخلد؛ كما قال النبي r: «عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر؛ وإن البر يهدي إلى الجنة؛ وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا؛ وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور؛ وإن الفجور يهدي إلى النار؛ وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا» .

قال الفضيل بن عياض: ما من مُضْغْة أحبُّ إلى الله من لسان صدوق، وما من مضغة أبغض إلى الله من لسان كذوب .

ولِما تميَّز به الصدق من الفضل وعلوّ المنزلة فقد أوصى به العقلاء؛ وحَثَّوا عليه؛ ومدحوا صاحبه؛ وما ذاك إلا لأنَّ الصدق عمود الدين، وركن الأدب، وأصل المروءة، فلا تتم هذه الثلاثة إلا به .

قال عمر بن الخطاب t : إن أبا بكر قام فينا عام أول فقال: إنه لم يقسم بين الناس شيء أفضل من المعافاة بعد اليقين، ألا إن الصدق والبرَّ في الجنة، ألا وإن الكذب والفجور في النار .

قال عمر t: عليك بالصدق وإن قتلك.

وقال المهلب بن أبي صفرة: ما السيف الصارم في يدِ الشجاعِ بأعزَّ له من الصدق .

وقال إسماعيل بن عبيد الله: لما حضرت أبي الوفاة جمع بنيه فقال لهم: يا بَنيَّ عليكم بتقوى الله؛ وعليكم بالقرآن فتعاهدوه، وعليكم بالصدق حتى لو قَـتَل أحدكم قتيلاً ثم سئل عنه أقرَّ به، والله ما كذبْت كذبة قط مذ قرأت القرآن .

ومن لزم الصدق وعوَّد لسانه عليه وُفِّق؛ فلا يكاد ينطق بشيءٍ يظنه إلا جاء على ظنه، وأحسن الكلام ما صدق فيه قائله وانتفع به سامعه؛ كما أنّ الله تعالى يرزق صاحبه من الصفات ما يتميّز به بين الناس مَن عرف منهم ومَن لم يعرف؛ قال يوسف بن إسباط: للصادق ثلاث خصال؛ الحلاوة، والملاحة، والمهابة؛ فالصادق يرزقه الله مهابة وجلالة؛ فمن رآه هابه وأحبه والكاذب يرزقه إهانة ومقتاً فمن رآه مقته واحتقره .

والصدق يرفع المرء في الدارين، ولو لم يكن في الصدق خصلة تحمد إلا أن المرء إذا عُرِف به قُبِل كذبه وصار صدقاً عند من يسمعه؛ لكان الواجب على العاقل أن يبلغ مجهوده في تدريب لسانه حتى يستقيم له على الصدق ومجانبة الكذب.

قيل لسيار: تروي عن مثل خالد القسري؟ فقال: إنه أشرف من أن يكذب.

ولذلك فينبغي على الوالد أن يربي ولده على الصدق من حين الصغر؛ فإنهم إذا نشأوا على ذلك صار لهم عادة ملازمة؛ وصفة دائمة؛ وقد كان عبد الملك بن مروان يقول لمؤدب ولده: عَلِّم بنيَّ الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم الكذب، وإن كان فيه كذا وكذا؛ يعني القتل .

وقد كانت العرب تفخر بالصدق ومجانبة الكذب حتى في أيام جاهليتهم وشركهم؛ حتى قال أبو سفيانt – وقد كان مشركاً-: كنت امرءاً سيداً أترفع عن الكذب؛ فلما جاء الإسلام ازدادوا به تمسكاً وفخراً .

جاء عن بلالt أنه خطب لأخيه امرأة قرشية، فقال لأهلها: نحن مَن قد عرفتم كُنّا عبدَيْن فأعتقنا الله تعالى، وكنا ضالَّيْن فهدانا الله تعالى، وكنا فقيرَيْن فأغنانا الله تعالى، وأنا أخطِب منكم فلانةً لأخي، فإن تزوجوه فالحمد لله، وإن تردونا فالله أكبر .

فأقبل بعضهم على بعض؛ فقالوا: بلال ممن عرفتم سابقتَه ومشاهِدَه ومكانه من رسول اللهr فزوِّجوا أخاه، فزوَّجوه، فلما انصرفوا قال له أخوه: يغفر الله لك أما كنت تذكر سوابقنا ومشاهِدَنا مع رسول الله r ما عدا ذلك، فقال: مه يا أخي صدقْتَ فزوَّجك الصدق .

وامتدح ابنُ ميادة جعفرَ بنَ سليمان، فأمر له بمائةِ ناقة، فقبَّل يده وقال: والله ما قبَّلْتُ يدَ قُرشيٍّ غيرك إلا واحداً، فقال: أهو المنصور؟ قال: لا والله، قال: فمن هو؟ قال: الوليد بن يزيد .

فغضب وقال: والله ما قبلتَها لله تعالى، فقال: واللهِ ولا يدُك ما قبلتُها للهِ تعالى، ولكنْ قبلتُها لنفسي، فقال: واللهِ لا ضرَّك الصدقُ عندي؛ أعطوه مائة أخرى .

وقد تورع السلف رحمهم الله عن الكذب حتى فيما تهاون الناس فيه بدعوى مجاملة الآخرين؛ قال المنصور لهشام بن عروة: يا أبا المنذر، تذكرُ يوم دخلت عليك أنا وإخوتي مع أبي، وأنت تشرب سويقاً بقصبةِ يراع؟ فلما خرجنا قال أبونا: اعرفوا لهذا الشيخ حقه، فإنه لا يزال في قومكم بقيةٌ ما بقي .

قال: لا أذكر ذلك يا أمير المؤمنين؛ فلما ذهب المنصور لاموا هشاماً؛ لأنه لم يسايره في حديثه مجاملةً؛ فقال: لم يعودني الله في الصدق إلا خيراً .

وكما يجب على المسلم لزوم الصدق فيجب عليه كذلك مجانبة الكذب؛ عامداً كان أو مازحاً؛ فالكلام أكثر من أن يكذب فيه عاقل؛ ومَن أكثر الكذب لم يترك لنفسه شيئاً يُصَدَّق به؛ وإنما يكذب الكاذب من مهانة نفسه؛ ولو لم يكن للكذب من الذمّ إلا إنزاله صاحبه بحيث إنه إنْ صَدَق لم يُصدَّق لكان الواجب على العاقل أن يتجنبه ويلزم التثبت بالصدق الدائم.

كذبتَ ومنْ يكذب فإن جزاءه

إذا ما أتى بالصدقِ أن لا يُصَدَّقا

إذا عُرِف الكذابُ بالكِذْبِ لم يزل

لدى الناس كذاباً وإن كان صادقا

ومن آفةِ الكذاب نسيانُ كذبِه

وتَلقاهُ ذا فَقْهٍ إذا كان حاذِقا

والكذب يهوي بصاحبه في الدنيا والآخرة؛ فلا يترك له قيمةً ولا أثراً؛ ومن أجل ذلك قالت الحكماء: الموت مع الصدق خير من الحياة مع الكذب؛ فلا شيءَ أشدَّ وأشنعَ من الكذب؛ حيث يضع صاحبه ويحقِّره بحيث لا يرتفع بعد ذلك؛ كما قيل:

كم من حسيبٍ كريمٍ كان ذا شرف

قد شانه الكِذْبُ وسط الحيّ إن عمدا

وآخرٌ كان صُعْلوكاً فشَرّفه

صدقُ الحديث وقولٌ جانب الفَنَدَا

فصار هذا شريفاً فوق صاحبه

وصار هذا وضيعاً تحته أبدا

والكذب له تأثير عظيم في سواد الوجه ويكسوه برقعاً من المقت يراه كل صادق؛ فتظهر سيما الكاذب في وجهه بينة يراها من له عينان؛ فالواجب على العاقل أن يتنزه عنه حفاظاً على دينه أن يُجرح؛ وعلى مروءته أن تُقدح .

ومن تمام عقل المرء تجنبه الخوض فيما لا يَعلم؛ حتى لا يُتَّهم فيما يعلم؛ ولا يجب على المرء إذا سمع شيئاً يعيبه أن يحدِّث به؛ لأن من حَدَّث عن كلِّ شيءٍ أزْرَى برأيه وأفسَد صِدْقَه؛ قالr: «كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع»؛ وقال عبد الله بن مسعودt:حَسْبُ المؤمن من الكذب أن يحدث بكل ما سمع.

فالواجب على المسلم أن يحتاط لدينه؛ وأن يبتعد عما شأنه أن يزري بدينه ويحط من قدره؛ ولا شيء يبلغ به هذا المبلغ من نسبته إلى الكذب؛ لأن الكذبَ رأسُ الذنوب؛ وهو يبدي الفضائح ويكتم المحاسن .

هذا وإنَّ من أنواع الكذبِ تعمدُ الكذبِ بدعوى المزاح؛ وقد حذر النبيr من ذلك أشدّ تحذير فقال:«ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ويلٌ له ويلٌ له»؛ وقال عمر بن الخطاب t: لا يجد عبدٌ حقيقة الإيمان حتى يَدعَ المراء وهو مُحِقّ، ويدع الكذب في المزاح وهو يرى أنه لو شاء لغلب.

فالواجب على المسلم أن يلزم الصدق في أقواله وأعماله؛ وأن يجتنب الكذب في جميع أحواله؛ ويحفظ لسانه عن جميع ما يُضعف دينه؛ فإنَّ في ذلك النجاة؛ قال عبد الله بن عمرو: لا تنطق فيما لا يعنيك، واخْزُنْ لسانك كما تخزن دراهمك .




ارجو ان تستفدن من الموضوع