لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عقبات الشيطان السبع
للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله
للشيطان سبع عقبات يضعها في طريق العبــاد، ولا يكل أو يمل حتى تقع في إحداها ..
وقد ذكرها الإمام ابن القيم في كلامه عن أسرار التوبة، فقال إن من أسرارها "نظره إلى الآمر له بالمعصية، المزين له فعلها، الحاض له عليها؛ وهو شيطانه الموكل به .. فيفيده النظر إليه وملاحظته اتخاذه عدوًا، وكمال الإحتراز منه والتحفظ واليقظة والإنتباه لما يريد منه عدوه وهو لا يشعر، فإنه يريد أن يظفر به في عقبة من سبع عقبات بعضها أصعب من بعض لا ينزل منه من العقبة الشاقة إلى ما دونها إلا إذا عجز عن الظفر به فيها" [مدارج السالكين (1:222)] ..
وتلك العقبات هي:
العقبة الأولي: الكفر بالله وبدينه ..
وهي عقبة الكفر بالله وبدينه ولقائه وبصفات كماله وبما أخبرت به رسله عنه، فإنه إن ظفر به في هذه العقبة بردت نار عداوته واستراح ..
فأولى مداخل الشيطان هو جهلك بالله تعالى .. فيجعلك تتسخط من أقداره وتيأس من رحمته، إلى أن يُفسِد علاقتك بربِّك ويوصلك إلى الكفر به دون أن تدري.
سبب الوقوع في العقبة الأولى: الجهل بالله ..
الحل: التحصُّن بالتوحيد والعلم بالله ..
فإن اقتحم هذه العقبة ونجا منها ببصيرة الهداية وسَلِمَ معه نور الإيمان، طلبه على العقبة الثانية ..
العقبة الثانية: البدعة ..
إما بإعتقاد خلاف الحق الذي أرسل الله به رسوله وأنزل به كتابه، وإما بالتعبُّد بما لم يأذن به الله من الأوضاع والرسوم المحدثة في الدين التي لا يقبل الله منها شيئًا .. كما قال "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" [متفق عليه]
وما منا من أحدٍ إلا ولسان حاله وأعماله ينطق بمخالفات صريحة لهدي النبي .. فعلينا أن نقيس أعمالنا وأحوالنا وفق حياة النبي محمد .
لأن الشيطان يُزين للعباد عبادات ليست على هدي النبي محمد ، فيقعون من حيث لا يدرون في البدع الصريحــة ..
فالنيات الحسنة وحدها لا تكفل صلاح الأعمال، بل لابد من أعمال حسنة بعلم إلى جانب النيات الحسنة ..
وما ضلَّ النصارى إلا لأنهم عملوا بما لم يعلموا،،
سبب الوقوع في عقبة البدعـة: الجهل بهدي النبي ..
الحل: تعلُّم السُّنَّة، وما كان عليه النبي وأصحابه ..
فإن قطع هذه العقبة وخلص منها بنور السنة واعتصم منها بحقيقة المتابعة وما مضى عليه السلف الأخيار من الصحابة والتابعين لهم بإحسان .. طلبه الشيطان على العقبة الثالثة ..
العقبة الثالثة: الكبائر ..
فإن ظفر به فيها زينها له وحسنها في عينه وسوَّف به وفتح له باب الإرجاء، وقال له الإيمان هو نفس التصديق فلا تقدح فيه الأعمال، وربما أجرى على لسانه وأذنه كلمة طالما أهلك بها الخلق وهي قوله: لا يضر مع التوحيد ذنب كما لا ينفع مع الشرك حسنة!
وهو ربما لا يحدثك بالكبائر الظاهرة؛ كالزنا والقتل والسرقة .. إنما يوقعك في كبائر أخرى باطنة؛ كالكبر والعُجب.. أو التي لا يعلم الكثير من الناس أنها من الكبائر، مثل: والغيبة والنميمة وغيرها ..
يقول ابن القيم "والظفر به في عقبة البدعة أحب إليه؛ لمناقضتها الدين ودفعها لما بعث الله به رسوله، وصاحبها لا يتوب منها ولا يرجع عنها بل يدعو الخلق إليها، ولتضمنها القول على الله بلا علم ومعاداة صريح السنة ومعاداة أهلها والإجتهاد على إطفاء نور السنة" [مدارج السالكين (1:223)]
سبب الوقوع في عقبة الكبائر: الجهل بالكبائر ومراتبها ..
الحل: التعرُّف علي الكبائر، والعصمة والتوبة ..
فإن قطع هذه العقبة بعصمة من الله أو بتوبة نصوح تنجيه منها، طلبه على العقبة الرابعة ..
العقبة الرابعة: الصغائر ..
فكال له منها، وقال: ما عليك إذا اجتنبت الكبائر ما غشيت من اللمم؟ أو ما علمت بأنها تكفر باجتناب الكبائر وبالحسنات؟ .. ولا يزال يهون عليه أمرها حتى يصر عليها، فيكون مرتكب الكبيرة الخائف الوجل النادم أحسن حالاً منه ..
فالإصرار على الذنب أقبح منه ..
ولا كبيرة مع التوبة والإستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار ..
أليس لديك ذنب تعتاده الفينة بعد الفينة؟ .. أو ذنوب لا تستطيع التخلص منها؟
والرسول يقول "إياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه؛ كرجل كان بأرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل يجيء بالعود والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا من ذلك سوادًا وأججوا نارًا فأنضجوا ما فيها" [رواه أحمد وحسنه الألباني، صحيح الجامع (2687)]
سبب الوقوع في عقبة الصغائر: الجهل بالصغائر، والتحقير من شأنها ..
الحل: الورع والتحفظ واليقظة ..
فإن نجا من هذه العقبة بالتحرز والتحفظ ودوام التوبة والإستغفار وأتبع السيئة الحسنة،
طلبه على العقبة الخامسة ..
العقبة الخامسة: المباحـــات ..
والمباحات هي التي لا حرج على فاعلها، فشغله بها عن الإستكثار من الطاعات وعن الإجتهاد في التزود لمعاده، ثم طمع فيه أن يستدرجه منها إلى ترك السنن، ثم من ترك السنن إلى ترك الواجبات، وأقل ما ينال منه تفويته الأرباح والمكاسب العظيمة والمنازل العالية .. ولو عرف السعر لما فوَّت على نفسه شيئًا من القربات، ولكنه جاهل بالسعر.
سبب الوقوع في عقبة المباحات: الإسراف في المباحــات وتضييع الطاعات ..
الحل: معرفة فضائل الأعمال التي لا يستقيم عليها ..
فإن نجا من هذه العقبة ببصيرةٍ تامة ونورٍ هادٍ، ومعرفة بقدر الطاعات والإستكثار منها، وقلة المقام على الميناء وخطر التجارة وكرم المشتري وقدر ما يعوض به التجار ..
فبخل بأوقاته وضن بأنفاسه أن تذهب في غير ربح، طلبه العدو على العقبة السادسة ..
العقبة السادسة: عقبة الأعمال المرجوحة المفضولة من الطاعات ..
فأمره بها وحسنها في عينه وزينها له وأراه ما فيها من الفضل والربح؛ ليشغله بها عما هو أفضل منها وأعظم كسبًا وربحًا؛ لأنه لما عجز عن تخسيره أصل الثواب طمع في تخسيره كماله وفضله ودرجاته العالية، فشغله بالمفضول عن الفاضل وبالمرجوح عن الراجح وبالمحبوب لله عن الأحب إليه وبالمرضي عن الأرضى له ..
ولكن أين أصحاب هذه العقبة؟
فهم الأفراد في العالم، والأكثرون قد ظفر بهم في العقبات الأوَّل ..
سبب الوقوع في عقبة الأعمال المرجوحة: جهل العبد بنفسه وعيوبه ..
الحل: معرفة النفس وعيوبها ومايناسب حالها، ومعرفة الفاضل والمفضول من الأعمال ..
فإن نجا منها بفقه في الأعمال ومراتبها عند الله ومنازلها في الفضل ومعرفة مقاديرها والتمييز بين عاليها وسافلها ومفضولها وفاضلها ..
ولا يقطع هذه العقبة إلا أهل البصائر والصدق من أولى العلم السائرين على جادة التوفيق، قد أنزلوا الأعمال منازلها وأعطوا كل ذي حق حقه ..
فإذا نجا منها لم يبق هناك عقبة يطلبه العدو عليها سوى واحدة لا بد منها، ولو نجا منها أحد لنجا منها رسل الله وأنبياؤه وأكرم الخلق عليه وهي عقبة ..
العقبة السابعة: تسليط جنده عليه بأنواع الأذى باليد واللسان والقلب ..
على حسب مرتبته في الخير، فكلما علت مرتبته أجلب عليه العدو بخيله ورجله وظاهر عليه بجنده وسلط عليه حزبه وأهله بأنواع التسليط .. وهذه العقبة لا حيلة له في التخلص منها، فإنه كلما جد في الإستقامة والدعوة إلى الله والقيام له بأمره جد العدو في إغراء السفهاء به .. فهو في هذه العقبة قد لبس لأمة الحرب وأخذ في محاربة العدو لله وبالله، فعبوديته فيها عبودية خواص العارفين وهي تسمى عبودية المراغمة ولا ينتبه لها إلا أولو البصائر التامة .. ولا شيء أحب إلى الله من مراغمة وليه لعدوه وإغاظته له ..
فمن تعبَّد الله بمراغمة عدوه فقد أخذ من الصديقية بسهمٍ وافر، وعلى قدر محبة العبد لربه وموالاته ومعاداته لعدوه يكون نصيبه من هذه المراغمة ..
وهذا باب من العبودية لا يعرفه إلا القليل من الناس، ومن ذاق طعمه ولذته بكى على أيامه الأوَّل ..
وبالله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
وصاحب هذا المقام إذا نظر إلى الشيطان ولاحظه في الذنب، راغمه بالتوبة النصوح فأحدثت له هذه المراغمة عبودية أخرى ..
هذه هي العقبـات السبع التي يضعها الشيطان في طريقك إلى الله تعالى ..
نسأل الله أن يُعيذنا وإيـاكم من كيد الشيطان، وأن يجعلنا من عباده المجاهدين في سبيله حق الجهاد ..
فنجاهد أنفسنا والشيطان، ونجاهد هوانا ودنيانا على الوجه الذي يُرضيه عنا،،
منقول