يكون أحدنا في مطعم، فيسمع، دون مقدمات، تلك الصرخة الطالبة للعون والمساعدة من قبل الزوجة التي "شرَق" زوجها بقطعة من "ستيك" لحم العجل. وخلال حضور غداء عائلي في أحد المزارع، يتجمع البعض فجأة على أحد الأمهات التي "غصَّ" طفلها الصغير عند بلعه بالخطأ لقطعة من الحلوى أثناء ركضه ولعبه مع بقية الأطفال.
ما الذي بامكانك فعله حينئذ، وبسرعة، لإنقاذ حياة هذا الرجل المخنوق أو ذلك الطفل الذي يترنح وعيه؟
بإمكانك فعل الكثير، إن كنت تعلم بالضبط تلك الخطوات السليمة لإسعاف حالات "اختناق الشرقة" Choking. الذي يحصل في حالات "اختناق الشرقة" هو وجود بطريق الخطأ لقطع من الطعام، أو الحلوى أو أجسام غريبة كالأجزاء الصغيرة من الألعاب أو الكرات الصغيرة أو الخرز أو غيرها، في المجرى الذي يمر فيه الهواء أثناء رحلة ذهابه إلى الرئة عبر منطقة الحلق.
وبعبارة أخرى، لا يبقى مجال للهواء كي يصل إلى الرئة أو يخرج منها بسهولة نظراً لوجود جسم غريب يسد المجرى الطبيعي للهواء في الحلق.
وعلينا تذكر أن الاختناق بالشرقة أمر خطير جداً ومُهدد لسلامة حياة الإنسان، حيث يُؤدي استمراره إلى فقدان الوعي وتوقف التنفس وبالتالي توقف القلب. ولذا فإن هناك إرشادات طبية علاجية لسلسلة من الخطوات التي يجب القيام بها، وفق حالة المُصاب ودرجة وعيه.
ولأن أحدنا في هذا سيُراجع خطوات إسعاف المُصاب بالشرقة، والذي قد يكون فاقداً للوعي، فإن علينا التنبه إلى أن انسداد مجرى هواء النفس أو فقدان الوعي، أثناء تناول الطعام أو في غيره من الأوضاع، له أسباب مفاجئة أخرى، أي غير "اختناق الشرقة"، وذلك مثل حصول سكتة دماغية أو نوبة قلبية أو إصابة في الرأس أو غيرها من أسباب الفقدان المفاجئ للوعي.
ولكن غالباً ما يقول الشهود الحاضرون، والذين لاحظوا تتابع أحداث ما حصل، أن الشخص كان يُحاول ابتلاع الطعام أو أن الطفل كان يعبث بيده أو في فمه بأحد الأشياء الصغيرة، ثم ما لبث أن بدأ يُحاول أخذ نَفَسه، وواجه صعوبة في ذلك وأشار للغير ملوحاً بطريقة عشوائية في محاولة لإبلاغهم: أن ساعدوني.
وتشير المصادر الطبية إلى أن "العلامة العالمية" universal sign لاختناق الشرقة هي رؤية شخص ممسك بيديه على حلقه.
ولو لم يكن الشخص يقوم بهذه الحركة، فانظر إلى أحد المؤشرات الأخرى لحالة اختناق الشرقة. والتي قد تكون أحد العلامات التالية:
– عدم القدرة على الكلام.
– صعوبة في التنفس، أو تنفس بصوت وضجيج.
– عدم القدرة على السعال بقوة.
– تحول الجلد والشفاه والأظافر إلى اللون الأزرق أو المُعتم.
– فقدان الوعي.
وعلينا ملاحظة أن بعضاً ممن يُصابون باختناق الشرقة يُصيبهم الارتباك لأسباب شتى من سعالهم، ما يدفعهم إلى القيام ومحاولة الخروج من المكان الذي يوجد الناس فيه، كي يقوم بنفسه في الخارج بتكرار السعال وبقوة. وهنا لا يُدرك هذا الشخص أن قدرته على احتمال حالة الاختناق قد لا تدوم بضع دقائق، ومن ثم قد يفقد وعيه. والخطورة هي في عدم ملاحظة منْ حوله ما جرى له وما يُحاول فعله من الخروج والابتعاد عن الحضور.
وقاية البالغين من الاختناق
تُشير نشرات المؤسسة القومية للصحة بالولايات المتحدة إلى أن أكثر من 3000 شخص يموتون سنوياً نتيجة للإصابة بـ "اختناق الشرقة". ومن المهم تعلم كيفية ملاحظة إصابة أحدهم بذلك، سواءً من البالغين أو الأطفال. كما أن من المهم تعلم الطريقة الصحيحة والسليمة لإسعافهم. ومن المهم كذلك معرفة السلوكيات التي تتسبب بارتفاع احتمالات الإصابة بـ "اختناق الشرقة".
وذكرت المؤسسة من أهم أسبابها:
– محاولة ابتلاع قطع كبيرة من الطعام، وعدم مضغها جيداً. وخاصة اللحم أو الأسماك أو غيرها.
– تناول الكحول قبل أو أثناء تناول وجبة الطعام. والكحول بالذات يُخدر الأعصاب التي تُساهم في إتمام عملية البلع بطريقة سليمة.
– وضع تركيبة للأسنان، لأن التركيبة تجعل من الصعب على المرء معرفة ما إذا تم مضغ الطعام جيداً قبل بلعه.
– الضحك أو الكلام بحماس وانفعال أثناء تناول الطعام.
– الأكل بسرعة.
– الركض أو اللعب أو المشي السريع حين وجود طعام أو أشياء أخرى في الفم. وقاية الأطفال من "اختناق الشرقة"
– والمهم هو وقاية الأطفال من تناول أشياء يلتقطونها من هنا أو هناك، لأن الصغار منهم يضعونها مباشرة في أفواههم. كما أن ثمة وسائل للوقاية أثناء تناول الطعام أو اللعب بالألعاب وغيرها، وهي ما تشمل:
– أجلس الطفل على مقعد عال أو على الطاولة أثناء تناوله للطعام.
– لا تدع الطفل مطلقاً يلعب أو يمشي أثناء تناوله للأكل أو وضعه للحلويات أو العلك في فمه.
– لا تدع الأطفال يتناولون الأكل بسرعة.
– علم الأطفال عدم الضحك أو الحديث بصوت عالي وبانفعال أثناء تناول الطعام.
– لا تُطعم الأطفال إلا قطعاً صغيرة من الطعام.
– أطعم الأطفال أطعمة طرية.
– لا تُقدم للأطفال الصغار، دون سن 4 سنوات، أطعمة كالمكسرات، أو بذور اللب، أو البطيخ ببذره، أو الكرز ببذره، أو الفشار، أو الخضار النيئة الكاملة كالخيار والجزر، أو حلويات صلبة، أو تفاحة أو كمثرى كاملة.
– قطّع العنب إلى أربعة أجزاء، قبل تقديمه للطفل.
– أزل عن "الهوت دوغ" قشرته، وقطعه أجزاء صغيرة قبل تقديمه للطفل.
– راقب الأطفال عن كثب أثناء تناولهم للطعام.
– لا تدع الأشياء الصغيرة في متناول يد الأطفال الرُضع، كالأزرار أو العملات المعدنية أو الخرز.
– تأكد من أن ألعاب الطفل مناسبة لعمره، وخالية من الأجزاء الصغيرة .
– خطوات الإسعاف للإنسان البالغ عند حصول اختناق الشرقة
وهنا، إما أن يكون الشخص البالغ واعياً، أو دخل في مرحلة من اللاوعي نتيجة لطول مدة الاختناق. وفي كل من الحالتين، عليك إتباع الخطوات التالية:
أولاً: اختناق البالغ الواعي
– توجه إلي المُصاب مباشرة بالسؤال: هل تعرضت لشرقة بالطعام أم لا؟ والغاية من السؤال تقييم مدى وعيه عبر مدى فهمه لما يُسأل عنه، وتقييم مدى قدرته على الحديث بالإجابة على السؤال، ومعرفة ما الذي جرى ويجري لذلك الشخص.
– إذا تمكن الشخص من الإجابة على السؤال بكلام، واتضح لك من ذلك أن بإمكانه التنفس، ولاحظت أنه يسعل، فإن التدخل السريع ومحاولة فعل شيء له ليس بضروري، لأن الاختناق يحصل عادة من بداية المشكلة، وإذا ما كان الشخص قادراً على الكلام والسعال والتنفس، فإن الجسم الغريب من غير المُحتمل أن يتسبب له بمشاكل خطرة. ولكن عليك مراقبته، وإعطائه شيئاً من الماء للتأكد من قدرته على بلعه والتنفس آنذاك.
– لو لم يتمكن الشخص من الإجابة على سؤالك، أو تراه لا يتنفس، أو لا يسعل بالرغم من اختناق الشرقة، فقم سريعاً، ودون أي تأخير، بإجراء ما يُعرف بأسلوب "خمسة وخمسة". أي قم فوراً بإعطاء خمس ضربات بكعب اليد على ظهر المُصاب في المنطقة ما بين الكتفين back blows. ·
– وإذا لم يتحسن الوضع، قم بإجراء "مناورة هيمليك" Heimlich maneuver خمس مرات متتالية.
– "مناورة هيمليك" تكون بالضغط والدفع على أعلى البطن. أما إن كان الشخص امرأة حامل أو شخصاً ذا سمنة مفرطة في البطن، فقم بإجراء "مناورة هيمليك" بالضغط والدفع على منطقة الصدر.
– ان لم يستجيب المُصاب ويخرج الجسم الغريب من مجرى التنفس، كرر إجراء خمس ضربات على الظهر فيما بين الكتفين، ثم خمس مرات "مناورة هيمليك"، ولا تتوقف حتى يخرج الجسم الغريب الذي يسد مجرى التنفس، أو حينما يفقد الشخص وعيه.
– تنبه لأمر مهم، لو كنت المُسعف الوحيد الموجود مع الشخص، قم بإجراء ضربات الظهر و "مناورة هيملينك" بنظام "خمسة وخمسة" قبل ذهابك للاتصال بالإسعاف.
– ولو كان أحد أخر معك، قم أنت بعملية الإسعاف، وأرسل الشخص الأخر لطلب عون المُسعفين وسيارة الإسعاف.
ثانياً: اختناق البالغ غير الواعي
– ضع المُصاب برفق على الأرض، واجعله مُستلقياً على ظهره، وذراعاه بجانب الجسم ورجلاه ممدودتان
– أطلب من أحدهم أن يُعجل في طلب طاقم وسيارة الإسعاف.
– قم بإمالة رأسه إلى الخلف شيئاً قليلاً، وأدخل أصبعك السبابة إلى داخل فمه، وحاول أن تتفقد وجود الجسم الغريب، بالنظر أو اللمس، كي تُخرجه بأصبعك إلى الخارج. وان لم ترَ شيئاً واضحاً في خلفية الفم، فكن على حذر شديد من أن يدفع أصبعك ذاك الجسم الغريب عميقاً داخل الحلق.
– سواءً نجحت في إخراج الجسم الغريب أو لم تنجح، ابدأ التنفس الصناعي بفتح ممرات مجرى هواء النفس. وذلك بإمالة جبهة الرأس إلى الخلف قليلاً مع رفع الذقن، والبدء بخطوات الإنعاش القلبي الرئوي (CPR) على حسب المُعطيات الموجودة على المُصاب. مع تكرار تفحص الفم، لأن خطوات الضغط على الصدر خلال الإنعاش القلبي الرئوي قد تدفع بالجسم الغريب إلى الفم من الحلق أو مجاري التنفس الأدنى .
خطوات إجراء "مناورة هيمليك" لنفسك ولغيرك وللحوامل
"مناورة هيمليك" وسيلة سهلة وبسيطة جداً، وضعها الدكتور هنري هيمليك في عام 1973. وأثبتت جدوى عالية جداً في علاج حالات اختناق الشرقة متى ما تم تطبيقها بدقة وفاعلية.
وتعتمد آلية هذه المناورة على تأثير الدفع والضغط السريع على ما فوق الحجاب الحاجز، أي الحجاب الفاصل بين البطن والصدر. وهنا يُؤدي الضغط للداخل والدفع إلى أعلى، إلى اجبار الهواء الموجود في الرئتين على الخروج منهما نتيجة لارتفاع الضغط في الصدر. ويُؤدي هذا الخروج السريع والقوي لتيار الهواء من الرئتين إلى إخراج ما يعلق في الحلق أو مجاري التنفس العلوية.
إجراء "مناورة هيمليك" للغير
– قف خلف الشخص المُصاب باختناق الشرقة.
– أحط بذراعيك علي وسطه من الخلف، أي بشكل دائري دون حضنه بقوة.
– احكم قبضة اليد الأضعف، اليُسرى مثلاً، كعقدة رأسها الإبهام.
– ثم ضع هذه العقدة للقبضة في منطقة أعلى البطن، أي تحت عظمة القص في منتصف الصدر.
– ثم بقبضة اليد الأقوى، اليُمنى، اضغط وادفع بسرعة قبضة اليد اليُسرى إلى الداخل والأعلى.
– كرر هذه المناورة خمس مرات.
إجراء "مناورة هيمليك" لنفسك
– قد يكون المرء لوحده حينما يُصاب باختناق الشرقة. وبطبيعة الحال لن يستطيع المرء أن يُجري لنفسه ضربات الظهر، وليس أمامه سوى أن يُجري "مناورة هيمليك" على نفسه. وذلك بالخطوات التالية:
– ضع قبضتك في منطقة ما فوق السرة.
– أمسك قبضتك تلك باليد الأخرى.
– ثم انحني فوق سطح صلب كأعلى الكرسي.
– ادفع بقوة قبضتك إلى الداخل وإلى أعلى.
إجراء "مناورة هيمليك" للحامل
– لا تختلف خطوات إجراء "مناورة هيمليك" للحوامل عن تلك للغير. اللهم إلا في مكان وضع القبضة، والذي يكون في أسفل الصدر. خطوات الإسعاف لاختناق الرضيع والطفل الأكبر سناً
– إذا ما اختنق الطفل الرضيع، وغالباً بتناول أشياء صغيرة، كالعملات المعدنية أو أزرار الملابس أو قطع الألعاب أو الفشار أو غيرها مما يجده على الأرض ويلتقطه لكي يضعه مباشرة في فمه، فإن سد مجرى النفس يُمثل خطورة على حياته.
ودماغ الطفل الرضيع يتأثر سريعاً بتوقف التنفس وعدم تزويده بالأوكسجين، وتحديداً بعد أربع دقائق من حصول ذلك. ولذا فإن التصرف الإسعافي السريع والسليم مهم في هذه الحالة.
على الأم والأب والمربية التعرف على علامات اختناق الطفل الرضيع والأكبر سناً، وهي ما تشمل:
– فقد القدرة على البكاء والصراخ بصوت عال ومعتاد منه.
– خروج صوت صفير حاد النغمة حين الشهيق أثناء عملية التنفس.
– صعوبات واضحة في إتمام التنفس.
– تغير لون الأظافر والجلد والشفاه إلى اللون الأزرق.
– فقدان الوعي.
اختناق الطفل الرضيع (ما دون عمر سنة)
وحينما يصرخ الطفل الرضيع أو يسعل، فعليك مراقبته، لأن السعال والصراخ سيُساعدانه على إخراج ما علق بحلقه. ولا تتدخل بل كن بقربه وراقبه وكن جاهزاً لمساعدته متى ما توقف عن السعال أو الصراخ. أما إن كان الطفل لا يسعل ولا يصرخ، فعليك بالقيام بما يلي:
– ضع الطفل الرضيع ممدداً ببطنه على كامل ساعد اليد اليُسرى، بحيث يكون رأسه مقابلاً لنهايات كف اليد اليُسرى. وضع صدره على راحة كفك الأيسر، وأمسك فكه السفلي بأصابعك. وتأكد من وضع الطفل في هذا الوضع المُريح لك لمساعدته.
– قم بدفع الظهر في منطقة ما بين كتفيه، بركلات خمس متتالية باستخدامك كعب كف يدك اليُمنى.
– إذا لم يخرج الجسم الغريب العالق في الحلق، فقم بإعادة الرضيع إلى وضع الوقوف عالي الرأس. وذلك بإسناد ظهره على ساعدك الأيسر، وإسناد رقبته ورأسه على كفك الأيسر. · ضع أصبعين في وسط صدره، فيما تحت الخط الواصل بين الحلمتين مباشرة، وقم بإجراء خمس ضغطات تدفع بها الصدر داخلاً بعمق حوالي 2 سم.
– إذا لم يخرج الجسم الغريب، كرر "دفع الظهر" خمس مرات، ثم "ضغط الصدر" خمس مرات. وتناوب في تكرار ذلك إلى حين خروج الجسم الغريب، أو فقدان الطفل لوعيه.
– لا تُحاول إدخال أصبعك في فم الطفل لفحص ما بداخله وإخراج الجسم الغريب، طالما كان الطفل في وعيه، لأن من السهل دفع ذاك الجسم الغريب عميقاً في حلق الطفل ومن الصعب أصلاً إخراج شيء من فم الطفل، مقارنة بالشخص البالغ. والحالة الوحيدة التي يُسمح بها بتفحص الفم بالأصبع هي حينما يفقد الطفل وعيه.
– فقدان الطفل لوعيه يتطلب بدء عملية الإنعاش القلبي الرئوي للطفل وفق الخطوات اللازمة لذلك.
اختناق الطفل الأكبر سناً
لا تختلف معالجة الأطفال الأكبر سناً وحجماً، من الرضيع، عن معالجة البالغين. مع الحرص على عدم إدخال الأصبع في الفم للبحث عن الجسم الغريب واستخراج ما فيه إذا كان الطفل صغيراً، ما لم يكن الطفل قد تجاوز سن ثمان سنوات تقريباً. واحرص على إجراء كافة الخطوات التي تُجرى للبالغين.