بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه
أم بعد ,,
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ,,
هزتني كلمتني في رد ما , في موضوع ما , " متى يأت هذا اليوم ",
أنا فعلا أنوي .. لكن متى؟
و هل أدري متى أجلي حتى أؤخر حروفا قد تكون صدقة جارية لي؟
قد أؤخر حروفا قد تكون سببا في ترقيق قلب شخص ما,
فكرت ماذا سأكتب ,, أريد أن أكتب ,,
خاطرتني الفكرة فجأة,
فتحت الملف مباشرة و بدأت أكتب باسم الله الرحمان الرحيم ,,
.
.
.
.
الحكاية بدأت من الصغر ,
كنا أطفالا ,,, لا نعرف شيئا غير أن العب جنة الدنيا ,, و أن الدراسة جهادنا من أجل هذه الجنة ,,
كنا ندرس لنلعب ,, و نلعب لنفرح ,, لعلنا درسنا أحيانا أخرى لنتفوق ,, حتى يُقال علينا هذه تفوقت على تلك ,,
كنا نتظر الأعياد ,, بل كنا نحلم بالعيد ,, الواحدة منا اذا رأيتها تفكر و تتأمل أو تبتسم أحيانا ,, لعلها كانت تتخيل نفسها قد جاءها العيد ,, قد التف حولها الاطفال و التفت حولهم ,, قد تفاجأت بلعبة من هذا أو نقود من ذلك ,,
كنا نتظر خالتنا حتى تأتي من العاصمة ,, و هنا .. و هنا فعلا اكتمل العيد ,, و ارتقت جنتنا و اصبحت فردوسا ,,
جاء الاحبة من هنالك , و اكتمل شمل الاطفال ,, ضحك ,, بالونات ,, صياح ,, شجار ,, تنافس ,, فرح ,, بهجة ,, و بكاء أحيانا ,,
الكل لاه في حياته ,, ولعل البعض في مماته ,, لم يكن يسعني أو بالاحرى يهمني أن أعرف هذا من ذاك ,,
كبرنا قليلا ,, و أصبحت أجواؤُنا تتغير قليلا ,, أو بالاحرى كانت عقولنا تتغير ,, أصبحنا نهتم قليلا و نستمع اٍلى ما يروي الكبار ,, احيانا نهتم و كثيرا لا ,,
كان جدي أحيانا يسافر اٍلى بعض البلدان ,, و كانوا أخوالي كذلك ,, و لكن هذا ليس عادة ,, و في نفس الوقت الأمر ليس علي بغريب ,,
اٍلى أن جاء يوما كنت أسمع فيه أن خالي فلان سافر ,, هذا عادي ,,
هو أصلا كان مسافرا ,, كان بالعاصة ثم سافر اٍلى بلد أوروبي ,,
الأمر عادي جدا بالنسبة لي ,, مع أن السفر واضح أنه مفاجئ ,,
كنت لا أزال طفلة فلم أهتم كثيرا ,, ما يهمني في الامر أني أرى أمي مرتبكة و حزينة و خائفة … و عندما تتحدث مع خالاتي او أخوالي في الامر كانوا يتهامسون ,,
كنت اذا سألت لا أجد جوابا كافيا ……
"سافر" ,, " سجن" ,, "جدي" ,, " محكمة" ,, "قضية " ,, "حكم غيابي" ,,
هذه هي تقريبا الكلمات الدلالية في نقاشاتهم ,, لكن الامر تعدى النقاشات …
اليوم جمعة ,, و الواجبات أكثر من الايام الاخرى سواء الدينية أو الدنيوية ,,
علقتها من أجل أن أكتب ….. أعود ان شاء الله بعدها ,,
ان يسر الله لي العودة فخير كثير و أسأل الله الاخلاص في كل حرف أكتبه ,,
و الا فأسأل الله أن يكون خيرا أكثر و أكبر و أدوم ,,
في أمان الله
عدنا و الفضل و المنة و الحمد و الشكر لله
تواصلت النقاشات طويلا … لكن ما تخللها أعظم منها ,,
كانت هنالك زيارات فجئية من الشرطة لمنزل جدتي … بحث ,, تفتيش ,, استجوابات ,, ضغوطات ,, تعذيب في بعض الأحيان لأخوالي …. ازعاج متواصل بأنواع مختلفة و درجات متفاوتة ,,
ما الحكاية ؟؟
مالذي يستدعي كل هذا ؟؟
ما الامر ؟؟
الكل يأبى أن يفصح عنه ,,
لا شيئ غير البكاء و التوتر في منزل جدي – رحمه الله – ,,
الاجواء التي سيطرت على المنزل ,, و الازعاجات المفاجئة من حين لاخر ,, لم يكن مجرد حالة وقتيه ,,
و كان يبدو ان الكل متوقع الأسوأ,,
زوجة خالي الذي سافر و طفليه هم فعلا ما لا أتذكر من الحكاية في ذلك الوقت و لكن على الارجح حالهم حال الجميع ,,
بدأت محاولات ارجاع خالي للبلاد ,, الهاتف ,, الرسائل ,, المحاولات بشتى أنواعها ,,
لا جدوى ,,
يدبو أنه قر ,,
و حين قر كان يعلم ماذا يفعل ,,
كانوا يقولون عنه انه عنيد ,,
وكانوا قد استاؤوا من الوضع الذي يعيشونه من كثرة الضغوطات ,, هذا من جهة ,, وقلوب تتقرح شوقا من جهة اخرى ,,
مضت أشهر ,, و أرسل في طلب زوجته و ابنيه للحاق به ,, و لم يتأخر تنفيذ الطلب ,,
كيف لا ,, و قد كانت تلك الزوجة الصالحة – نحسبها على خير و لانزكيها على الله – التي لايهمها الا ان تطيع زوجها ,, فيما يرضي الله و رسوله ,,
كانت قد سافرت ,, و لعلي اتخيل انها كانت تضع في تصوراتها انه قد يكون بعد السفر رجعة كما يمكن ان لا يكون ,,
كبرتُ و كبرنا قليلا ,, مرت بعض السنوات و الأمر على حاله ,,
كل عيد تقريبا ,, تأبى الشرطة اٍلا أن " تهنئنا به" في منزل جدي ,, تفتيش من جديد ,, و استجوابات ,, الى اخره ,,
جدي و جدتي و من استطاع ان يكلم خالي في الهاتف حاولوا معه بشتى الطرق أن يرجع ,, لكن دون فائدة ,,
أما من لم يستطع كأمي و بعض أخاوتها ,, فحدث و لا حرج ,, ما كان يمنعهن أولا هو غضبهن عليه فعسى هذه الطريقة تجعله يتنازل و يرحمهن و يرحم نفسه على قولهن ,, و لكن لا شيئ يتغير ,, اما حتى حينما حاولن التحدث معه ,, أبت عبراتهن أن تترك للكلام مكانا ,, فعلا ,, لا أبالغ ,, بقي الحال السنوات الطوال ,, أمي خاصة كانت لا تستطيع التحدث معه ,, مع السلام عليكم ,, كانت تجهش بالبكاء ,,
*****
كنت أثناء هذه السنوات أسأل أمي من حين لاخر عن الحكاية ,, لكن الكل متحفظ جدا ,, الكل يقول " لانعرف ما السبب" ,, " لا نعرف ما الحكاية " ,, " لا نعرف ما ذا حصل" ,,
اٍلى ان استطعت تدريجيا ان اعرف ما يعرفنه عن الحكاية – و الله أعلم – ,,
خالكِ أو خالكن أُتُّهِم بمساعدة جماعة يُسمونهم "الاخوان" ,
من هم الاخوان امي ؟
…
طيب في ماذا يساعدهم ؟
…
طيب لمَ يساعدهم ؟
…
هل هم يفعلون الخير ام الشر؟
…
طيب ماذا قال خالي الان؟ هل فعل أم لا ؟
…
و لا أدنى جواب ………. لا أعرف ……. لا نعرف …….. لا يعرف أحد,
رضينا باجابة لا كافية و لا شافية ,, لان الرضا لم يصاحبه هنا خيار آخر,,
القصة كما فصّلت أمي قليلا ,, أن خالي العزيز تم استدعاءه لأول جلسة في محاكمته ,, و كانت هذه الجلسة في العاصمة ,,
فطبعا ذهب جدي – رحمه الله – معه ,, و بقيا ينتظران من سيحقق مع خالي ,,
في الاثناء يقدر الله أن جدي يعطش ,,
يخرجان للاتيان بالماء ,, يحضر المحقق ,, فلا يجد أحدا ,, فيحكم غيابيا بسجن خالي لمدة أشهر,,
سبحان الله ,,
يأبى خالي هذا السجن ,, فيسافر ( و بمعنى أصح يهرب ) ,, و بقيت المعانات لمن بقي ,,
انتهى ما أعرف عن القصة و ما روت لنا أمي عنها – و الله أعلم – ,
*****
أمّا عنه ,, فهو خال ليس كل الاخوال ,, عُرف خالي الحبيب في العائلة و في البلدة بحسن خلقه ,, و بصلة رحمه ,, و بصبره ,, و بشاشته ,, و و بره لوالديه … ماشاء الله ,, أحسبه على خير و الله حسيبه ,,
كأنه ولد من بطن غير التي وُلد منها الباقي ,,
كان منفردا بطبعه عن اخوته و اخواته ,,
تزوج في سن الواحدة و العشرين ,, تزوج بامرأة تكبره بسنة ,, كانت من الخلق بمكان ,, و من الجمال بالمقبول ,, و من الحسب و النسب ما يرضي الله و رسوله – و الله أعلم – ,, أحسبها على خير و الله حسيبها,,
كان قد نظر اٍليها بمنظار لا يتواجد عند أكثرنا في ذلك الوقت ,,
و بما انه ليس الكبير في اٍخوته و بما أن التقاليد كان لها مكان جلي في ذلك الوقت ,, فأراد أن يسر على جدي تجهيز ملازم الزفاف ,, من أثاث و غيره ,, حتى أن أبي كان قد قال كلمة " أول مرة أرى شخصا يتزوج بأثاث لغرفة النوم من نوع " .. " و هذا النوع نوع رخيص جدا ( مقارنة مع الباقي ) من الخشب و هو أصلا ليس خشبا و انما شبيه به ,
هذا رغم ما وسع الله على جدي و لله الحمد ,, لكن حتى يلاقي عرضه القبول دون جدال أو نقاش في مسألة "أخوك الكبير لم يتزوج بعد" ,,
تزوج خالي "الزواج الغريب" حيث الدف فقط , و حيث ان العروس لم يرها متزينة غير النساء ,, كان عرسا غريبا فعلا في بلدتنا ,,
بلدتنا التي انتمت الى بلد كانت حيث التي تغطي شعرها حينها يسلط عليها العذاب ,, و لا أزيد على قول هذا,,
*****
رزقه الله بتوأم فسماهما : محمد و مريم ,,
لم تقر أعيننا بهما في طفولتهما غير ثلاث سنين ,, ثم قدر الله لهما السفر للحاق بوالدهما ,,
على أول عيشهم في تلك البلاد ,, بلاد الكفرة ,, كانت زوجة خالي اذا اتصلت تتكلم بصبر تارة و بتألم شديد اخرى ,,
و كأني بها تقول , لاحول و لا قوة الا بالله ,, عراء ,, عراء ,, عراء ,,
لم تطق صبرا على ما رأت ,, ضاقت نفسها في تلك البلاد , كانت تبكي كثيرا من اجل هذا ,, لكنها لم تبد الا الصبر على وضع لا تعلم ما مداه ,, و أين مستقره ,,
*****
مرّت السنوات ,,
تزوج من تزوج ,, أنجب من أنجب ,, مات من مات ,,
توفي والد زوجة خالي ,, توفي ابن أختها التي ربته هي ,,
و كان علمي بها انها كانت من الصابرين ,, و لم يزد أمرها عن دموع لا تكاد تنفك ,, و عن الم في القلب لا يداويه اٍلا الايمان ,,
ثم توفي جدي ,, و كانت الحسرة في قلب خالي ,,
خالي الذي كان اذا غضب مع أبيه ,, لا يجادله ,, و لا يحاول ان يحادّه رغم ان جدي رحمه الله كان معروفا بصلابته نوعا ما ,, بل كان يكتفي بأن يذهب الى المطبخ ,, فيأكل ,,
هذا الطبع كان مضحكا لحد ما ,, لكنه على الاقل اختار حلا يجنبه عقوق الوالدين ,,
أما اليوم ,, فقد توفي ابوه ,, وفي قلب هذا الاب حسرة على انه لم تقر عينيه باول حفيدين له ,, توفي و كان قد استفاض كل المحاولات مع خالي حتى يرجع ,,
لكنه لم يُتوفي غاضبا عليه و لله الحمد ,, – و الله تعالى أعلم بأحوال خلقه – ,
*****
المكالمات بالهاتف كانت نادرة جدا ,, لغلائها في ذلك الوقت ,, و ليس هنالك من سبيل اخر غيرالرسائل عبر البريد ,,
كنا نراسله من حين لاخر ..
يتبع اٍن شاء الله
المكالمات بالهاتف كانت نادرة جدا ,, لغلائها في ذلك الوقت ,, و ليس هنالك من سبيل آخر غيرالرسائل عبر البريد ,,
كنا نراسله من حين لاخر ,,
و كانت رسائله تصلنا بشريات ,, كنا نتخاطف الرسالة و ما تحمل معها احيانا من بطاقات دعوية أو عطور صغيرة ,,
كانت رسائل خالي كلها تقريبا طمأنة على حاله و أحوال أفراد أسرته في البداية ثم تكون بمثابة الدعوة ,,
كان كثيرا ما يرسل لنا رسائل كلًُ باسمه ,, يعني يرسل للاطفال رسائل خاصة تحمل من الدعوة ما تحمل ,, و منا من يحتفظ بها اٍلى الآن ,, كانت تدخل علينا السرور و كنا نتفاخر بين بعضنا البعض ان وصلتنا رسالة من خالي أو من أحد أفراد عائلته ,
مرت الأيام و الأشهر و السنوات,, عانت أسرة خالي ما عانت من ضنك العيش في تلك لبلاد ,, لا راحة في الدين و لا دنيا ,,
أما عن الدين فقد كانور غرباء غربة شديدة ,, وطوبى للغرباء ,, و أما عن الدنيا فقد وصلوا لحد الجوع,,
نعم ,, جاع خالي و أهله في تلك البلاد و كانوا يصطبرون بالايمان و بما رزقهم الله من ثبات و صبر على الابتلاء ,,
اشتغل في الفلاحة و اشتغل هنا و هنالك ليسترزق لأهله ,, و صبروا على رزق الله و الحمد لله ,,
بعد زمن ,, رزق خالي و زوجه بمولود جديد ,, سماه على اسم أبيه رحمه الله ,, كان المولود بمثابة الاشراقة الجديدة في حياتهم و كان بسمتهم ,,
أنعم الله على خالي بأن ربى أبنائه تربية صالحة وسط ضجيج المعاصي و أصوات الكبائر التي تكاد أن تطفئ نور الايمان , تربية عجز عنها من كان بين المسلمين و الشيوخ و الدعاة ,, و الحمد لله رب العالمين ,,
كنا نحن الاطفال في ذلك الوقت نراه و نرى أهله أناسا فوق السحاب ليسوا كل الناس ,,
كنا نحترمه جدا ,, و سبحان الله كان احترامنا له حتى من قبل سفره ,, خلقه و حسن تعامله هما من فرض ذلك ,,
زوجته كانت أُمّا بعد أمّ ,, كان كلامها حكما و صبرا و ثباتا ,, رغم كل الابتلاءات التي مروا بها و لله الحمد ,,
أبنائه كانوا نعم التربية ,, كثيري الحياء ما شاء الله ,, لا يتكلمون كثيرا ,, و اٍذا تكلموا نطقوا شهدا ,, أسرعت اٍليهم أحضان والديهم المسلمة قبل أن تتلقفهم أحضان الكفرة ,,
كانوا اٍذا رأوا بعض صور أو فيديوات " المناسبات السعيدة" للمسلين في بلادنا ,, حيث كانت افراح حينها كأغلب أفراح المسلمين ,, تقاليد مقدسة و شرع منسي و متجاهل ,, و لاحول و لاقوة الا بالله ( غفر الله للجميع ) , كانوا يقولون لامهم : "أمي ,, هؤلاء كفرة , صح ؟", فتجيبهم الأم و حياءها يعلوها :" لا يا أحبتي ,, هؤلاء عصاة فقط ,, و ليسوا كفرة " ,, فيصر الابن الكبير و يقول : " لا , انما هؤلاء كفرة و اٍلا لما فعلوا ما فعلوا" ,,
تربوا على المحافظة على فطرتهم النقية ,, حيث لا يكذبون و لا يغرقون في بحور المجاملات المعهودة حتى ولو كان الحياء صفتهم ,, و أستشهد بذلك أن مرة كانت أمي تكلم ابن خالي الكبير , فقالت له " يا محمد أني أحبك جدا " و كانت تقولها بقلب يتفطر شوقا للقائه و حضنه ,, ثم سألته "و أنت هل تحب عمتك ؟" ,, قال براءة الكبير الصغير ,, براءة المسلم الذي لا يؤثر حياءه على صدقه : "لا عمتي ,, أنا لا أحبك الان ,, لاني لا اعرفك ,, ولكني اذا قدمت الى بلدكم ان شاء الله ,, فسأعرفك جيدا و أصبح محبا لك باٍذن الله " ,, ابتسمت امي امام هذا الصدق, وكبر في عينها اكثر و ازدادت له شوقا ,,
هكذا ربى خالي أطفاله وزوجُه ,,و كانوا قرة أعين والديهم , كانوا خير ما رُزقا في هذه الدنيا,
*****
سبع سنين مروا كأنهم الغمام ,, و لكن بصيص الامل لا ينطفئ في أعين المؤمنين ,,
شاء ربي بعد هذه السنون أن يسر له عن طريق أحد أصدقائه السفر اٍلى بلد أوروبي آخر ,,
لم يكن سفرهم في الأول مع تلك الأوضاع المادية قد بدا عليه التيسير ,, و لكن سبحان من اٍذا قضى شيئا أن يقول له كن فيكون ,,
انتقلوا اٍلى بلد كفر آخر ,, لكن عسى أن يكون أهون من سابقه ,, و أن يفتح الله عليه بجيرة مسلمة أو بصحبة طيبة يرتمي بين أحضانها فيتعاونا على اجتناب الفتن ما ظهر منها و بطن ,, وعلى مواصلة السير في طريق حيث الاخرة هدف ,, و الدنيا معوقاته ,, عسى هذه الصحبة تعوض حضن العائلة الذي افتقده من سنوات ,, فيحط رحال ايمانيات قد اشتاقت الى الجهر بها و اعلاء صوتها و تثبيتها ,
الحمد لله ,, من الله على خالي و زوجه بجيرة و صحبة مسلمة ,, كثير منهم فروا باسلامهم الى ذلك الركن من البلاد ,, يبتغون عرض الآخرة من دون الدنيا ,,
كبر الأطفال قليلا و ترعرعوا في ظل أبويهم و بعض الصحبة الصالحة التي رزقوها في تلك البلاد و لله الحمد ,,
ذات يوم كان خالي يهاتفنا و كانت أمور الاتصالات بدأت تتيسر و الحمد لله ,, حيث الهواتف القارة بات تقريبا في أغلب الديار في بلدتنا ,,
فأخبرنا أن ابنته ذات الاثني عشر سنة طلبت منه أن تتحجب ,, كان يخبرنا بذلك وهو سعيد بقرارها و بأنها طلبت ذلك دون تأثير مباشر من والديها و دون طلبهما ,,
طبعا ,, بالنسبة لنا ,, أغلبنا ولا أقول كلنا ,, اندهش و استغرب و تفاجأ و منهم من استنكر هاته الجريمة التي يريد خالي أن يفعلها بابنته ,,
و فعلا تحجبت الصغيرة و كان نور الايمان ينبعث من وجهها الذي ارتسمت عليه ابتسامة الرضا حتى لاتكاد تفراقها و لا اخوتها ماشاء الله ,,
*****
مع مرور السنين و الاشهر و الايام ,,
كنا دائما نسأل أمنا " هل سنراه يوما؟ "
كنا نحلم بلقائه ,,
كنا اٍذا سئلنا عن ما نتمنى ذكرناه ,,
لعل القارئ لن يستطيع أن يتصور جيدا مدى حبنا لخالي ,, ولكن دعوني أقول أن حبنا لخالي لم يكن مجرد حب لخال مميز بين الاخوال ,, خال لم نسمع عنه الا كل خير ,, خال أعطانا من الأهتمام ما لم نلقاه من غيره ,, بالدعوة و بالمهاتفة الخاصة و بالهمس في الاذن " يا فلانة لا تفعلي كذا ,, ان الله لا يحب كذا " ,, كان يهمس على أمل ما يدريك لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ,, لا . بل كان حبنا له أكبر من ذلك ,, كان حبا في الله و لله و بالله ,,
قد لا أبالغ لو قلت ,, و صلنا أو وصلت ولأتكلم هنا عن شخصي لاني لا استطيع أن احكم عن مشاعر الاخرين ولو كانوا أقريبن ,, كنت أحبه لأيام و اشهر و سنوات ,, حبي للصحابة و أخاف أن أقول و يزيد ,,
كنت اذا استرجعت اِيمانياتي ,, أو ذكرت الله ,, أو ذكرت دين الله ,, غالبا ما تتجسد أمامي صورة خالي و أهله ,,
كانوا نعم القدوة ,, كنت أراهم و كأنهم يعيشون في الاخرة ,, بل يعيشون في الجنة ,, و الله كأنهم يعيشون في جنة الدنيا على امل الوصول الى جنة الاخرة ,,
كنت هكذا أنظر اليهم ,,
و كنت كثيرا جدا جدا ما أراهم في رؤى و بأنهم عادوا ,, لدرجة لا يتصورها العقل ,, حتى أني كلما رأيتهم في رؤيا قد رجعوا ثم أفقت ولم أجد للرؤيا حقيقة انزعجت وعدت نفسي أني في المرة القادمة لو رأيتهم يجب أن أنبه نفسي أني في رؤيا ,,
ورب الكعبة كأنه حصل ,, حيث لا أتذكر مرة أو أكثر كنت في وسط الرؤيا أذكر نفسي انها رؤيا لكن حسن هاته الاخيرة يغرّني حيث اصدقها و اقول هي حقيقة…. و بالتالي أقوم على نفس الاحباط ,,
الحمد لله رب العالمين ,,
كنت اٍذا ذهب بي الخيال ذهب بي اٍلى هنالك ,, و اذا أفقت أسرعت الى أمي أكرر سؤالا طُرح لعله مئات المرات ,,
"أمي ,, متى ,, متى سيأتون ,, هل من أمل لرؤيتهم ,, هل من جديد "
و كان قلب امي المسكينة يتقلب بين شوق مؤلم ,, و بين الم ابنتها و بناتها اللاتي اصبحن يكررن اسئلة موقنين باجابتها ولكن … و لكن الامل لا ينقطع ,,
كان الامل في عدم لقائهم وارد جدا جدا ,,
فكانت تصبرنا امي و تقول عسى القاء في الجنة ,,
الحمد لله الكريم الحليم,
*****
كان مما يشغل خالي في تلك الفترة من أمر الدنيا ان تأتيه "الاقامة" ,, حتى يكون مطمئنا اكثر على مصيره في تلك البلاد و صير أهله ,, و أيضا حتى تتيسر بعض الامور المعيشية لهم ,,
جاهد طويلا في هاته المسألة و لكن الله يقدر متى يشاء,
في الاثناء ,, هنا ,, في بلادنا ,, كان الاهل يجاهدون على أن تسافر جدتي لرؤيته بعد سنين حزن و فراق ,,
الامر أخذ من الوقت ما أخذ و أخذ من المحاولات و الاتصالات ما أخذ ,,
و الحمد لله , قدر الله بعد مدة و لعلها سنين ,,أن تتسير لها كل اٍجراءات السفر ,, و الحمد لله ,,
كان الحدث ,, حدث التجهيز لسفر جدتي ليس عاديا أبدا ,, كيف لا ,, و أخيرا الأم سترى ابنها بعد ,, بعد اثني عشر سنة ,,
اِثنا عشر لم تر فيها الام ابنها الا من خلا ل الصور القليلة جدا في السنوات الاخيرة ,,
اِثنا عشر سنة ,, الجدة لم تر أحفادها و لم تحضنهم و لم تعطف عليهم و كانوا أول الاحفاد من الاولاد ,,
اِثنا عشر سنة لم ير خالي أمه و لم ير أهله و لم ير صحبته ,, اِشتاق الى أن يعود اٍلى بيته و اٍلى اركانه ,,
اِشتاق الى وطنه رغم كل شيئ ,,
اِثنا عشر سنة و الاطفال يكبرون و يسمعون عن بلدهم و لا يعرفونه ,,
يسمعون عن بلدهم من خلال الغرب أما هم فبالكاد يقولون نحن نحن نتمي الى تلك البلاد ,,
اِثنا عشر سنة اختارت فيها تلك المرأة أن تكون بجانب زوجها و في مكان تطبق فيه دينها دون تقيد ,,
و قد فارقت الاحباب ,, منهم من فارقتهم اٍلى ,, حين و منهم من فارقتهم الى الابد ,, شب الصغار و تزوج الشباب و أنجبوا ,,
أصبحا غرباء في أهليهما ,, لا يميزان بين اٍبن الأخ من اٍبن الأخت ,, فمابالك بالاقارب الأبعد صلة ,,
تم تجهيز جدتي و الحمد لله ,, أعدت العدة من أوراق و حقائب ,, مما تكاد تتذكر من أكلات يحبها اِبنها ,, وهي لا تسعها الدنيا من السعادة ,
أوصلها الاقارب الى المطار و تيسرت بعض الاجراءات التي دائما يُتخوف منها و انطلقت الطائرة بفضل الله ,,
كان اليوم مفرح و مبكي ,, كانت أمي و اٍخوتها يبكي ,, يتصورن تلك الحظة ,,
بعد سويعات ,, تتصل زوجة خالي لتقول قد وصلت و الحمد لله ,,
"وصلت "خالتي" و الحمد لله" ,,
لم أكن اعرف كيف كانت حالتها وهي تتكلم و لكني لا اتذكر الا انها قالت …" من غير الممكن أن تتكلموا الآن مع فلان " – ألا هو خالي – ,,
كان قد وضع رأسه على ساقي أمه و لم يعرف شيئا غير الاجهاش بالبكاء ,, وطبعا البكاء كان هو الابلغ بالنسبة للجميع ,,
يتبع اٍن شاء الله
اليومُ لم يكن عاديا ,
اِختلطت دموع الفرح بدموع الشوق بدموع الحزن أحيانا ,,
فرحنا كثيرا من أجل جدتي و خالي و عائلته و غبطنا جدتي كثيرا ,,
فرح الاطفال كثيرا جدا بلقائهم بجدتهم ,, أخيرا أصبح لهم أقارب في تلك البلد يرتمون في أحضانهم و يفخرون بهم ,
كان مما أحزن خالي في تلك الحظات السعيدة أن رأى أمه قد تدهورت صحتها عن قبل و لم تعد تقوى على المشي كثيرا ,
لكن الحمد لله ,
الحمد لله أن الأمور بدأت تتيسر ,, والغمة بدأت تنكشف ,,
و تحقق حلم بمرور السنين أصبح خيالا ,, لكن اليوم يقدر الله سبحانه أن يكون واقعا ,,
زار جدتي في منزل خالي بعض الجيران و الأصدقاء في الله و فرحوا من أجلها و من أجل أحبتهم في الله و فرحوا ان أتاهم ضيف من بلادهم و من بلاد المسلمين حيث يستئنسون به و يحنون اٍلى كل حديث منه عن الأهل والاقارب و التقاليد ,,
جال خالي بأمه بعض أرجاء الولاية التي كان يقطن بها حيث لو وجد لحمل أمه على كتفيه و طار بها حيث تشاء ,,
و مما زاد القلوب غبطة و فرحا ,, تحصلهم على "الاقامة" فور وصول جدتي ماشاء الله و الحمد لله ,,
كان فرحه لا يوصف ,, و سعادته لا يُعبر عليها ,, و لكنه علم يقينا أن الله مع الصابرين ,, و أن بعد عسرا يسرا ,
شهر و نصف تقريبا أو أكثر بين أحضان والدته ,, يحاول أن يوفر لها ما يسعدها و أن يعوضها قليلا من البر و أن يحب أبنائه فيها و هم كانوا كذلك ,, و الحمد لله ,, فما يدريك ,, لعله لن يراها مرة أخرى ,,
انتهت مدة القاء و كأنك تسمع من يقول " نعتذر.. الزيارة انتهت" ,, حيث سيعودون لنفس الغربة و الوحشة الا بما رحمهم الله من صحبة صالحة و الحمد لله ,,
أوصلوا جدتي اٍلى المطار و كانت القلوب تتألم على هذا الفراق ,, و لكن على أمل القاء ,, فهذا باب فرج أن سافرت جدتي و تيسر أمرها ,, يعني لعلها تأتي مرات أخرى أو حتى يأتي غيرها ,, الحمد لله على كل حال ,
ودعوها و كان الوداع مؤلما كثيرا ,, و لكن كان يصاحبه أمل المؤمنين ,, عسى أن يكون الغد أفضل ,,
الحمد لله ,
رغم حالة خالي المادية المتواضعة , كان لم يتأخر بالهدايا و هو من طبعه كان لا يتأخر حتى عن مساعدة بعض أخواته لمواجهة بعض الصعوبات المالية ,,
ولعل لي وقفة هنا على صعوبات خالي المادية وما يقابلها من تيسر من عند الله في الخير ,,
لعل هنالك أمر من المفروض أن لا يذكر و لكن لعل ذكره خير من كتمانه ,, برغم حالته المادية التي ذكرت كان خالي العزيز يكفل يتيما فلسطينيا ,, و كان هذا اليتيم يسمي خالي "أبي" ,, و كان لا يعرفه و لم يره قط ,,
كذلك كانت زوجة خالي هي و بعض رفقتها كنّ يكفلن على كفالة يتيم ,, و الحمد لله ,,
و كان قد وعد جدتي بأنها سوف يقوم لها بحجة ان شاء الله ( هي لم تكن حجت من قبل) و ينطلقون من البلاد التي يسكن فيها هو ,,
الحمد لله ,,, تيسر لجدتي أن تعود لرؤية غاليها ,, و أحبتها ,, على ما أذكر بعد سنة أو أكثر قليلا ,,
لكنها لم تحج حينها لعله لان الوقت لم يكن وقت حج أو صحتها أو لا اذكر بالضبط السبب ,,
لكن العام الذي يليه لم يتيسر لها لقاء خالي حتى يوفي بوعده معها فقام بحجة هو وزوجته برغم الظروف المعيشية غير الميسيرة و الحمد لله و لكن لعله تداين من هنا أو هنالك حتى تم ذلك ,,
كانت فرحته الكبرى أن زار بلاد رسول الله صلى الله عليه و سلم ,, أن حج ,, أن مكنّه الله من الخير الكثير ,, أن يسر الله فريضة تحج أغلب الناس بعدم التيسير المادي في عدم تأديتها ,,
و لكن تجاهل بعض الناس أن صدق النية و الاخلاص لله هو أول التيسير ,,
سبحان ربي ,, الدنيا تقول لهذا الشخص لن آتيك ,, و لكن الله يجعلها تأتيه راهبة أو راغبة ,,
سبحان من يسر الامور ,,
العام الذي بعده تقريبا ,, يتيسر أمر جدتي في السفر اٍلى البلاد التي يقطن خالي و هي مهيئة نفسها للحج و قد غمرتها السعادة و الشوق لأسعد لقاء دنيوي ,,
و كان خالي يجب أن ينفذ وعده ,, و كان حريصا على ذلك و الحمد لله ,, خاصت أن جدتي لم تعد تقوى على المشي كثيرا فيخاف أن تتدهور صحتها حتى لا يتيسر لها الحج ,,
و بالفعل جهز نفسه و زوجته للحج مرة ثانية ,, حيث ستهتم بأمه و تكون معها في الحج ان شاء الله ,,
يسر الله لعبده ما لم يسر لغيره ,,
الظروف المادية غير ملائمة لحج ثاني أبدا ,, و لكن ,, هل بين أمر الله و تنفيذه عائق ؟؟ أبدا و الله ,,
فلم ندهش ,, تم الحج الثاني و الحمد لله و قد يسر الله لخالي و زوجته رعاية جدتي و قيامها بالحج و الحمد لله ,, و نسأل الله لهم القبول و للمؤني أجمعين ,,
و لكن هل بعد هذا التيسير تيسير ؟؟
نعم و الله ,, و هل فضّل الله له حدود ,, فقد يسر الله لخالي و زوجته الحج في السنة التي بعدها بحول منه و قوته ,,
و تأتيكم الأسباب فيما بعد ان شاء الله ,,
****
بعد أشهر ,, يحدثنا خالي أنه هنالك من تقدم لخطبة مريم ,, و أن هذا الشاب ملتزم و عسى أن يكون لها الزوج الصالح ,,
الحمد لله ,, ثم الحمد لله ,, ثم الحمد لله ,,
الفرج بدأ نوره يتلألأ ,,
تمت الموافقة و قروا لو أذن الله سيكون الزواج في صيف تلك السنة ,,
الحمد لله ,, أيضا لعل كثيرا من التفاصيل لم أذكرها منها أن مريم قد عانت من الغربة في مراكزالتعليم حيث تدرس ما عانت حيث كانت الوحيدة التي تلبس حجابا و كان الكل يسخر من المسلمين فمابالك حين سمعوا انها ستزوج ,, " أخبرينا أهلك أرغموك صح؟ " يريدونك أن تجلسي في البيت صح " "كيف تتزوجين صغيرة " …اٍلخ
المسكينة ضاقت الدنيا بها لمدة سنوات و في آخر المطاف قبل ان تتخرج بقليل ,, خرجت من تلك الجامعة أو مركز التعليم ,, و قررت أن تنتقل لغيره لو يسر الله لها ,, المهم أن لا تواجه أشخاصا يلاحقونها ليلا نهارا كمتهمة و كمسكينة ,
بدأت التجهيزات المتواضعة للزفا و بدأت الفرح به أكبر ,, و لعل بعض التسائلات بدأت تطرح ,, كيف سيكون الزفاف دون اقارب ,, وهل ستكون الجيرة و الصحبة هما الاهل هاته المرة أيضا ,, أم أنّ احتمال حضور بعض الاقارب وارد ,, كان بصيص الأمل في أعين الجميع و شوقهم لغد أفضل هو الطاغي ,
و مما زادنا شوقا و زادنا فرحة ,, هو أن خالي قر اٍن أذن الله أن يرسل ابنيه التوأم محمد و مريم في الصيف الى أهله و بلده حتى يتعرفا عليهم و يتعرفوا عليهما ,,
صحيح, الأمر لم يكن حازما و قد كان في طور التفكير و لكن الأمل كبير و الحمد لله ,, التردد لعله من أن لا يتمكنا من العودة ,, و لكن الله قادر على أن يسر ما تعسر ,
أما بالنسبة لنا حين سماعنا الخبر فحدث و لا حرج ,, لم تكن الارض بما رحبت تسعنا من السعادة ,, الاحلام و الخيال قربا أن يكونا حقيقة و ما زاد قربهما الا تهيجا للاحلام ,, فصرنا ننام و نصحى على أمل القاء ,,
على أمل تحقق حلم حياة ,, فعلا حلم حي اة ,, لم نكن نأمل من الحياة أكثر من رؤية خالي و أهله ,,
و كذلك الأمر بالنسبة للأحبة ,, كانو لا يكادوا يصدقون أن الحلم سيصبح حقيقة باٍذن الله ,,
كان التفاءل يغمرنا و يغمرهم ,, و الفرج قد لاح من بعيد ,, و الفجر قد بان ,,
حتى أن مرة أمي كانت تحدث ابن أخيها قتعاتبه بمحبة على انه ناداها بخالتي فتقول له " أخالتك أنا أم عمتك" ,, فرد عليها بشاشة و تفاءل " " خلاص" ,, في الصيف ان شاء الله سأعرف خالتي من عمتي ",
الحمد لله رب العالمين ,
****
مع هذه الافراح و هذا الفجر الذي بان ,, لعلي نسيت أن أذكر أن خالي قبل سنة من ذلك الوقت كان قد ابتلي بمرض ابنه الصغير الذي كان عمره تقريبا ست أو سبع سنوات ,,
و قد عجز الأطبة في تلك البلاد أن يجسدوا البلاء وبقي الامر لاشهر ,, و كانت حرارته دائما مرتفعة و يحس بآلام في بعض المناطق في جسمه لم يُعلم سببها ,,
تدهور الوضع فاضطر خالي اٍلى الذهاب به اٍلى بلد أوروبي مجاور حتى يتسنى له التداوي في مستشفى أكبر و تحت رعاية أطباء خبراء أكثر ,,
و بالفعل تم العلاج و الحمد لله و اكتُشف أن الاطباء في البلد التي يقطنون قد أعطوه دواء خطآ مما قد زاد من مرضه ,
لكن الحمد لله تم الشفاء بعد صعوبة العلاج حوالي ثمانية أشهر بحيث كان خالي و أهله مطالبون بأن يراقبوا الطفل الصغير حتى لا يُجرح ولو بخدش بيسط طيلة هاته الثمانية أشهر , و الا سيقع له نزيف لا قدر الله ,, و الحمد لله تم التيسير بالفرج بمنّ الله و فضله ,,
في الفترة الاخيرة التي ذكرت ,, عاود المرض ابن خالي الصغير ,, و لزم الفراش لمدة ,, و الخوف من تدهور الاوضاع كان لا يفارق خالي و أهله ,, خاصة زوج خالي ,, اٍلى أن تم في يوم ما رقية الصغير ,, حتى أن وضعه تحسن بدرجة ملحوظة جدا ,, و بدأت الابتسامات تعلو الوجوه من جديد ,, و الحمد لله رب العالمين ,,
****
بعد حوالي يومين تقريبا ,, في الصباح الباكر ,, كانت الشمس قد أشرقت من المشرق كعادتها معي و مع جميع من فوق الارض ,, و كنا نستنشق هواء قد من الله علينا به حتى تستمر نبضات قلوب لا تعرف متى و لا أين المستقر ,, و كنا نظر عن يميننا فنرى الدنيا و نظر عن شمالنا فنرى الدنيا ,, و كنا نرى ما رأينا بالامس ,, وكنا نسمع ما سمعنا بالامس ,,
ولكن …
هل ترى كان الامر هكذا بالنسبة للجميع ؟؟
يتبع اٍن شاء الله
كان يبدو كل الأيام ,,
الأمل تجدد مع تجدد الأنفاس ,,
حملتي أقدامي اٍلى المطبخ ,,
دخلت فاٍذا بي أجد والداي يتحدثان بصمت ,,
كانت الأفواه صامتة و لكن الأعين و سمات الوجوه كانت ناطقة ,,
هنالك شيئ غريب ,,
أكيد هنالك شيئ ما قد وقع ,, فأنا أعرف هاته الوجوه و متى تكون هكذا ,,
أحسّ أبي أنه يجب عليه أن يتكلم حينها ,, حتى يبر كلمات أفضت بها سماته وسمات أمي ,,
"جاء خالكم منذ قليل يخبرنا أن ابن خالكم "فلان" مريض قليلا" ,,
كان يجب علي ترجمة الكلمات حتى أفهمها ,, فأنا أعرف أبي ,, ماشاء الله لا أزكيه على الله ,,أراه حكيما في مثل هذه المواقف ,,
"مريض قليلا" … أكيد ليس قليلا …هذا هو الاستنتاج الوحيد الذي خرجت به تقريبا .. و رأيت أمي فيما بعد تسارع لتجهيز نفسها للخروج للذهاب اٍلى منزل جدي ..
ثم يقول أبي ,, افطرن أولا ثم اذهبن الى منزل جدكن ان اردتن ,,
؟؟؟؟؟؟؟
لم أفهم شيئا ,,
نذهب لمنزل جدنا ؟؟
طيب .. لم ؟؟
هل أن مرض ابن خالي يستدعي أن نذهب لمنزل جدنا ؟؟
و هل كنا سنجد المريض هنالك حتى نذهب اٍليه ؟؟
هذا ما تبادر الي ذهني من تساءلات حينها ,,
ثم بدأ أبي يضيف أن ابن خالي صحته متدهورة قليلا ,,
فتيقنت حينها أن ابن خالي حالته بين الحياة و الموت ,,
…
صُدمت ,,
صدمة لا أنسانها ,,
كيف ذلك ؟؟
يا الله !
كانوا قد هاتفوا منذ ليلة واحدة تقريبا خالتي و هم في غالية الفرح أن ابن خالي قد شفي ,,
…
لم أجد ما أعلّق ,, نظرت اٍلى أختي التي كانت قد حضرت المجلس قبلي , لعلها تعلمني بما لم أعلم ,,
أو لعلها تطمئني ,,
لكن كانت الوجوه لا طمئنة فيها و السكوت قد خيم ,,
تهيئت و أختي للخروج وقبل أن أخرج ,, نظر اٍليَ أبي و قال :
" اِنا لله و اٍنا اٍليه راجعون ,, ابن خالك توفي "
…
صُعقت ,,
…
…
أبي .. تُوفي توفي ؟؟؟
يعني انتهى ؟؟
ألم تقولوا أنه مريض جدا ؟؟
يعني توفي ؟؟
…
نعم توفي ..
…
لم أجد كلاما يعبر عن الموقف ,,
ولا حتى عبرات تعّبر ,,
و أنا هكذا كان طبعي ,,
لاتنزل عبراتي مع الصدمة ,,
لأني لا أستوعب الصدمة سريعا ,,
.. ولكني كنت مذهولة ..
تائهة ,,
في الطريق بدأت دموعي تتساقط ,,
و كنت تفوهت بكلمة لا أنساها أحدث بها أختي ,,
"تُرى من التالي ,,, تُرى من التالي "
****
قبل حوالي شهرين أو أقل من هذا اليوم ,,
كنت في ولاية بعيدة عن الولاية التي أقطن بها ,,
دراستي فرضت عليّ أن أبتعد و كنت أسكن بمبيت للفتيا ( غفر الله لي ما لا أحبه الآن) ,
و كان أخي يشتغل في نفس الولاية فكان مؤنسي و لله الحمد ,,
في ليلة من اليالي ,, اتصلت بي أمي عن طريق الهاتف القار للمبيت ,,
السلام عليكم ,, أهلا أمي كيف حالك ,,, الحمد لله ,, كيف حالك أنت ,, الحمد لله بخير ,,
بعد السلام و الكلام و التحدث عن الاحوال ,, توقفت أمي لبضع ثواني عن الحديث ثم قالت ,,
– "فلانة" ,, اليوم توفي محمد ابن عمتك بحادث سيارة ,,
– من أمي ؟
– محمد ابن عمتك ؟
– من أمي ؟
– "يا فلانة" ..
– أمي ,, كيف ,, لا ,, لم أستوعب ,, و الله أكلمك بجد ,, لم أستوعب ,,
– بنيتي أنت مؤمنة ,
– نعم أمي نعم ,, لكن و الله لم أستوعب ,, لم أفهم ما قلتيه ,
– طيب ناديلي "فلانة" (صديقتي التي أنام معها في نفس الغرفة) ,
– لا أمي ,, دعيها ,, أنا بخير ,,
– لا ,, ناديها ,
– – لا يا أمي صدقيني أنا بخير ,, بخير و الحمد لله ,
واصلنا الحديث لمدة ثواني ثم ودعتها ,,
لا أخفيكم سرا ,,
في تلك الفترة بالذات كانت قد مرت بي بعض مصائب الموت بداية من الصيف و لكن لم يكونوا أقارب ,,
و لكن الوقع علي كان شديد ,,
كنت كالتائهة التي أفاقت ,,
و الأمر مختلف بالنسبة لي عما يظن الناس بي أو كما لعل أكثرهم يفكرون ,,
من أول ما أسمع بالموت كنت افكر في الميت ,, لا أفكر في أهله كثيرا و لا فيما حصل ,,
المهم هو ,, كيف حالته ,, كيف توفي ,, أين هو الآن … الخ ,,
حادثة الصيف كانت مصيبة على كل أهل البلدة ,, جارنا و زوجته و ابنهما الصغير في حادث سيارة فضيع و هم على أبواب تزويج ابنتهم التي كانت معهم في السيارة و ظلت بالمستشفى لا تعي لمدة أيام ,, ثم كيف حاولوا تدريجيا اخبارها بوفاة عائتلها ,,
حادثة وفاة جار آخر لنا ,,
حاثة وفاة شخص أعرفه من بعيد و كان على أبواب زواج أيضا ,,
…
و اليوم ,, الابتلاء يمسنا ,,
يمسني مباشرة ,,
كيف سيكون موقفي و أنا التي كنت اتسائل كثيرا عن مواقف الناس عند مصائب موت أهليهم ,,
دخلت الغرفة و جلست على سريري و لم أفعل شيئا غير أني كنت صامتة أفكر ,,
بعد قليل أخبرت صديقتي بالأمر حتى لا تستغرب هذا الصمت ,, حيث لم تكن العادة بيننا ,,
تأسفت صدقيتي ثم بعد برهة ذهبت للنوم ,,
بقيت في مكاني متسمرة ,,
لا أفعل شيئا غير افكر ,,
صدقوني لم أكن مستوعبة ,,
أهو ذاك الشخص الذي أعرف انا ؟؟ الآن في قبره ؟؟
الآن يسؤل ؟؟ طيب كيف صعدت روحه ؟؟
طيب كيف كانت ردة فعل عمتي المسكينة ؟؟
زوجته؟؟ أبناءه؟؟
و بقيت أتذكر البعض من أفعاله ,, رغم أن علاقتي به أنا و اِخوتي ومع كل أولاد عمتي كانت شبه لا يتعدى السلام,, كانوا يكبروننا سنا بكثير وكنا نحترمهم و نقدرهم و نصل الرحم في الأعياد و المناسبات و الحمد لله و العلاقة مع أخواتهم و عمتي بخير حال و لله الحمد و المنة ,,
بعد سويعات بدأت الدموع تتساقط ,, و كأني بدأت أستوعب ,, و لكن أتراني استوعبت أنه في قبره و قد مات ,, أم تراني استوعبت أن هذا الشخص لن أراه بعد هذه الحظة ,, أم تراني استوعبت أن الحياة فانية ,, أم تراني استوعبت ماذا ,,
لا أعرف ,,
لكن دموعي تساقطت ليلتها بشكل عادي ,, لا يليق بالموقف ,, وكأن عقلي لم يصدق بعد ,,
مرت الفترة صعبة جدا ,, صعبة للغاية علي ,, كنت أرحل كثيرا بخيالي الى القبر ,,
كنت أتضرع لله أن يرحمني أكثر من كل شيئ في تلك الفترة ,,
****
اليوم يتوالي الموت ,,
و يقرب أكثر ,,
جاءني أحساس أن الله يمهد لي شيئا منذ بداية الصيف ,,
لكن اليوم شيئ مختلف ,,
اليوم خيالي أين سيذهب ,, أاٍلى قبر ابن خالي ,, أم اٍلى نفسي التي و كأنها يتهيأ لها الموت ,, أم الى خالي العزيز و كربته , أم اٍلى زوجة خالي ,, أم اٍلى أبناءه ,,
ابن خالي هذا بسمة العائلة ,,
و الحياة تجددت مع ظهوره بينهم ,,
تذكرت قول زوجة خالي لأمي وهي تبكي حين كان طفلها مريضا : " اٍنه ضحكتنا ,, اٍنه بسمتنا ,, اٍنه من جعل حياتنا وردية "
أما اليوم ,, فقد قضى الله أجل مسمّى ,,
لا أعرف كيف وصلنا ألى منزل جدتنا و كانت دموعنا تسبقنا ,,
دخلت ,, سلمت على جدتي و حضنتها ,, و ظلنا نبكي ,,
و كانت جدتي قليلة البكاء ,, تصمد دائما ,, لكن اليوم ,, المصيبة أكبر ,,
جلستُ و جلست أختي و أنا أنظر اٍلى أمي تبكي و اٍلى خالتي و زوجة خالي يبكيان و في نفس الوقت يهيئان المنزل للتعزية,
ظلت أبكي ثم نظرت اٍلى جدتي " ألم تخبروننا أنه بخير ,, ألم تخبروننا أن فلان بخير " و كأني أعاتب مقتولا على قتله ,,
نظرت اٍلي و قد فاضت عيناها بالبكاء " وهل كان فلان من مات … اٍنه محمد يا بنيتي "
يتبع اٍن شاء الله