رغم أن الزواج يعد من أرسخ الأنظمة الاجتماعية وأكثرها نفعا وفائدة للإنسان إلا أنه يتعرض وخصوصا في الأوقات الراهنة لكثير من المشكلات . وليس أدل على ذلك من الارتفاع الهائل في نسب الطلاق في المجتمعات المختلفة الغربية والعربية بشكل خاص . والإحصائيات والمؤشرات في هذا المجال ذات دلالات خطيرة . كما أن الزواج يتعرض لحملات من النقد خاصة من المفكرين ذوي الاتجاهات الغربية التحررية واليسارية وذلك بحجج وإشكالات واهية .
ومن هنا كانت الأهمية الكبيرة للاهتمام والرعاية الأسرية وتقوية الروابط والقيم الزوجية . حيث يرى علماء النفس والاجتماع أن أكثر الروابط الإنسانية إثراء للحياة وللمجتمع هو الزواج . وأنه أكثر النظم الاجتماعية فائدة وقوة على المستويات النفسية والاجتماعية والإنسانية .
إن كل المؤشرات والدلائل تؤكد على أهمية التوافق النفسي والجنسي للحفاظ على الزواج كمؤسسة ضرورية لصحة المجتمع واستمرار الحياة الإنسانية . ومما يؤكد ذلك أن العديد من الدراسات والبحوث أثبتت أن المتزوجين هم أقل الناس إصابة بالاضطرابات النفسية والعقلية فنسبة الإصابة لديهم أقل مقارنة بالمطلقين والعزاب . وقد يعزى ذلك إلى مشاعر الوحدة والحرمان العاطفي التي تتسم بها حياة كل من المطلقين والعزاب . وكذلك وجود عوامل نفسية تساعد على تدني الإصابة والاضطرابات بين المتزوجين وتقيهم آثارها السلبية . كما تبين ارتفاع نسب الأنانية وندرة العطاء لدى غير المتزوجين .
ويعد التوافق النفسي والجنسي من أهم أركان الزواج السعيد . ويرتبط هذا التوافق بالرغبة والصداقة بين الزوجين وأسلوب الحياة وطرق التعامل النفسي والاجتماعي . فالدافع الجنسي من أهم الدوافع إلى الزواج . وتحقيق الإشباع الجنسي بالطرق المناسبة يكفل الصحة النفسية الجيدة وهو غاية الزواج السعيد . وإذا لم يتحقق ذلك تحدث مشكلات واضطرابات تؤدي إلى فشل الزواج .وتوتر العلاقات الزوجية والعديد من المشكلات النفسية والاجتماعية .
إن هذا التوافق يتطلب توثيق العلاقة الحميمة بشكل تدريجي بين الزوجين . وهولا يتلخص فقط في مجرد التقارب أو المتعة الجنسية .بل يشمل كل النواحي النفسية والاجتماعية والروحية والانفعالية والاقتصادية والثقافية والبيولوجية . ومما لاشك فيه أن ذلك لا يتحقق إلا بالنضج النفسي والاجتماعي بين المتزوجين وعوامله المختلفة .
وقد يرجع الفشل في التوافق إلى الخوف والكبت أو القمع الناشئ عن خبرات سابقة في مراحل العمر. أو نتيجة لمعلومات وممارسات خاطئة في العلاقات الزوجية أو نقص في التعلم والثقافة الجنسية والزوجية . أو التعجل في الاختيار أو التحفظ وعدم الفهم أو التفاهم المتبادل بين الزوجين .
وربما تكون لأحد الزوجين تجارب سابقة سلبية قبل الزواج تؤثر بصورة سيئة على العلاقة الزوجية . وتؤدي إلى مشاعر من القلق والاضطراب . ومن المفاهيم الخاطئة في ذلك الاعتقاد بأن تحقيق التوافق أمر روتيني يأتي تلقائيا بمرور الوقت. وبشكل طبيعي فلا ضرورة للسعي له أو الاهتمام به .
ومن عوامل فشل الزواج هو الحب الرومانسي البحت القائم على الأفكار والتصورات الغير واقعية . فيرى كل من المحبوبين أو الزوجين فيما بعد في الآخر ما يهوى وليس حقيقته . ولا يستطيع تقبل الواقع بعد ذلك. ومن ثم يفشل الزواج . فالمعرفة الحقيقية بواقع كل منهما للآخر أمر ضروري لضمان نجاح العلاقة الزوجية .
وأيضا من العوامل فقدان الخبرة والتعارف المستمر بين الزوجين بحيث لم يعد هناك جديد بينهما . وكذلك توقف التعارف بينهما إما لعجز في التواصل أو لانكشاف كل شيء بينهما. أو اكتشاف ما لا يعجب أي من الطرفين في الآخر بحيث لم يعد يرغب في المزيد من هذه المعرفة .
وبالنسبة للعلاقة الجنسية / النفسية بين الزوجين فإن نجاحها يتوقف على القبول المتبادل والرضا بين الزوجين واستحسان كل منهما لسلوك الآخر وقبوله سعادته به .
ومن ذلك رغبة الرجل وإقلال المرأة في الرغبة الجنسية مما يؤدي إلى عدم التوافق بينهما . وكذلك عدم إشباع أو تحقيق المطالب الجنسية لأي من الطرفين أو عدم قبولها شرعيا أو نفسيا .أو عدم موافقتها لطبيعة كل منهما مثل عدم قدرة المرأة على الاستسلام . والقبول ببعض نزوات ورغبات الرجل الجنسية . وذلك لمخالفتها لطبعها أو للشرع مثل الرغبة في إتيانها من الدبر .
أوقد تشعر المرأة بالألم من كثرة الولوج أو تصاب من جراء ذلك فتحدث مشكلة انفعالية أوقد يحدث لها برود جنسي . أوقد تكون هناك اختلافات في الدوافع الجنسية أو قصور جنسي أو انحرافات جنسية تؤدي إلى عدم التوافق بين الزوجين .
ولعله لنجاح مثل هذه العلاقة لابد من القبول والتفهم بين الطرفين لدوافع كل منهما . واكتشاف قدرات الآخر والتعامل معها. والتوافق والتوثيق بينها وبين مطالبه أو التغاضي عنها .
وقد تحدث بعض المشكلات بعد الولادة أو الإجهاض حيث يعاف الزوج زوجته ولا يرغب فيها إلا قليلا . وذلك نتيجة لعدم اهتمامها بمظهرها أو تغيره أو انصراف اهتمامها إلى الإنجاب والأولاد .
وهناك من الأسباب ما يرجع إلى عدم تبصر أي من الطرفين أوكلاهما بالأسباب والعوامل المؤدية إلى الاختلاف وتعديلها . وهناك من العوامل ما يعود إلى الكبت الانفعالي لدى الزوجة أو قمعها أو عدم قدرتها على التعبير عن رغباتها بتلقائية .
وقد يفيد في ذلك العلاج النفسي الفردي والأسري حيث الكشف عن الخبرات السالبة . واكتساب السلوكيات والخبرات المؤدية إلى الحياة الجنسية والنفسية الطبيعية . وبالتالي التوافق والتلاقي بين الزوجين في الخبرات والمشاعر النفسية والجنسية والعقلية أو التوفيق بينها . ومساعدة كلا الطرفين أو أحدهما على حل مشاكلهما خاصة عندما تكون شكاوى من قبيل سرعة القذف أو قلة الممارسة أو عدم بلوغ الهزة أو قصور الزوج أو الزوجة على حد سواء .
إن معالجة ذلك تقوم على أساس وجود أرضية مشتركة يقوم ويرتكز عليها الزواج والعلاقات الزوجية . وكذلك القيم والانتماءات المتباينة والقدرة على معالجة الاختلافات والنزاعات بالطريقة والأسلوب المناسبين .
ولعله من المناسب هنا الإشارة إلى أهمية التعامل مع المستجدات في الحياة مثل التعرض للمؤثرات الانحرافية كتعاطي المخدرات أو شرب الخمور . أو العلاقات الخاصة أي الخيانة الزوجية. أو العلاقات عبر النت . أو أن تكون هناك عشيقة أو زوجة أخرى . ويكون الزوج غير قادر على العدل بينها وبين الأخرى . كل ذلك وغيره يؤدي إلى العديد من المشكلات والمشاعر السلبية. والخوف والغيرة والقلق والعجز. أو الفتور النفسي والجنسي . وتدني أو انعدام مستوى الصحة النفسية للفرد .
وهناك من المشكلات ما قد يأتي بسبب العلاقة مع الأولاد مثل الخوف الزائد عليهم . أو عكس طموحه الخاص عليهم بصفة مفرطة . أو الاهتمام الزائد بهم على حساب الطرف الآخر . أو استخدامهم ضده . ومنها تمني إنجاب نوع من الأطفال كالذكور أو الإناث . والتصرفات الناشئة عن ذلك بطرق وأساليب تعود سلبا على الحياة الزوجية والأسرية .
إن للزواج الفاشل من خلال ذلك آثاره السلبية على كلا الطرفين وعلى الأولاد والمجتمع ككل . والخاسر في كل ذلك الجميع . بينما الانسجام والنجاح هو الربح الأكبر للفرد وللمجتمع . وهذا يؤدي إلى مستويات ارتفاع الصحة النفسية العامة للجميع .