"أعيش معه من أجل ابنائي"
.. كلمة ترددها الكثير من النساء الوات يتعرضن لشكل من أشكال العنف من قبل الأزواج وفي العديد من القصص والروايات التي تحملت فيها المرأة اقسى أنواع العنف ضدها، والذي يبدأ من الضرب أو سوء المعاملة أو الهجر أو الحرمان من الأبناء أو من الحقوق، وكل ذلك يضعه الرجل ضمن اطار الرجولة حاورنا الزوجات والازواج والمختصين حول علاقة العنف التي قد تؤدي الى تدمير الحياة الاسرية بالكامل، فخرجنا بالآتي.
حرج واستفزاز
تقول "هند" في وصف علاقتها بزوجها اني أحاول أن أتجنبه قدر الامكان؛ فعندما يغضب ينهال علي ضرباً أنا وابنائي لدرجة أن الجيران يتدخلون لفض الخلاف؛ فانا أعمل معلمة وعندما اذهب للمدرسة اشعر بالحرج من صديقاتي وهن يسألني عن الآثار السيئة على وجهي وجسدي، وتضيف بحرقة: "يمكني أن اتحمل ولكن أبنائي أصبحوا معدومي الشخصية ودائما خائفون".
ويضيف عبدالله الأحمري أرفض أن أعامل زوجتي بأسلوب العنف أو الضرب، ولكنها أحياناً تستفزني ولا أتمالك نفسي فيحدث ذلك وأشعر بالندم عليه، وأعرف أن اعتذاري لا يحقق ما تريد زوجتي من حسن المعاملة.
عقاب معنوي
وتضيف "سعاد" -ربة منزل- لا يضربني زوجي ولكنه يعاقبني في كل مرة بما هو أشد من الضرب من الاهانة والهجران لأسابيع طويلة، وأحياناً يرسلني إلى اهلي ويأخذ ابنائي مني فاشعر بالخوف الدائم منه، وعدم الأمان على نفسي وأسرتي، لأنه يقر فجأة ان يطردني من حياته أو يهجرني أو يأخذ اطفالي وذلك ادى بي الى الشعور بالخوف واتعالج الآن في مستشفى الصحة النفسية بسبب سوء حالتي النفسية، وتضيف: أعود اليه في كل مرة من اجل الابناء رغم كرهي لهذه..
سيطرة تامة
تقول اخصائية التحليل النفسي "هويدا أحمد" أن العنف ضد الزوجات ظاهرة قديمة وتخذ أشكالاً عديدة، فأول ما يتبادر للذهن أن العنف مرتبط بالضرب، ولكن ليس الضرب وحده هو العنف بل هناك أشكال عديدة تختلف باختلاف المجتمعات، في المجتمع الشرقي يمارس العنف ضد الزوجات نتيجة للمورثات الثقافية والاجتماعية التي ترى أن من حق الزوج تأديب زوجته وفرض سيطرته التامة عليها، ويمكن أن نلخص هذه الأسباب في بعض النقاط ومنها:
– المرأة العاملة: قيام الزوجة بالعمل وتقلدها للعدي من المناصب قد ينتج عنه تقصير في أداء واجباتها المنزلية والزوجية الأمر الذي يؤثر على علاقتها بزوجها لذلك يلجأ بعض الأزواج إلى ممارسة العنف ضد زوجاتهن حتى يتخذن سلوكا مغايرا أو قد يجبرها على ترك العمل.
– الزوجة المنتجة: قيام الزوجة بالإنفاق على أسرتها في ظل عجز الزوج عن ذلك قد يولد شعوراً بالمرارة وعدم القيمة لدى الزوج؛ الأمر الذي قد يتطور إلى ممارسته نوعاً من العنف ضد زوجته؛ لتفريغ تلك الشحنات الانفعالية وليثبت لنفسه أنه هو المسيطر على المنزل مهما كان عاجزا عن القيام بأدواره كاملة.
– المستوى التعليمي المرتفع لأحد الزوجين: إذا كان المستوى التعليمي للزوجة مرتفعاً عن زوجها فذلك قد يولد إحساساً بالغيرة لديه (الشعور بالنقص) والذي قد يتراكم مما قد يدفعه إلى ممارسة العنف معها أحيانا لكي يثبت لنفسه ولها بأنه هو المسيطر في النهاية، وأحيانا قد يحدث العكس فالمستوى التعليمي المرتفع للزوج في مقابل "زوجة جاهلة" قد يولد اختلافاً كبيراً في المفاهيم التي يجب أن تسود في المنزل؛ من ناحية أساليب التربية والعلاقات الاجتماعية التي قد تتطلبها مكانة الزوج قد تدفع أحيانا بعض الأزواج إلى الجوء على العنف مع زوجاتهم.
– المطالبات المادية: كثير من الزوجات يرهقن أزوجهن بكثير من الطلبات التي قد لا تتناسب مع دخله، وأحياناً قد تكون تلك الطلبات من الأمور التافه.. كثرة تلك المطالبات ورفض الزوج تلبيتها يفسد العلاقة بينهما ويؤدي إلى كثير من المشاحنات التي قد تصل إلى حد العنف من قبل الزوج.
– الزوجة المتسلطة: هناك نوع الزوجات يتسلطن على أزواجهن ويفرضن سيطرتهن المطلقة على شؤون المنزل، مما يجعل بعض الأزواج ينتفضون ويثأرون لكرامتهم ورجولتهم فيقومون بضرب زوجاتهم ضربا مبرحا حتى يعيدوا الأمور إلى نصابها.
ضرب المرأة يقل من «قيمة الرجل» ويفقده الحكمة في معالجة المشكلات
– إهمال الزوجة: ترك الزوجة لوجباتها المنزلية وإهمالها لزوجها ونفسها أحيانا الأمر الذي يولد لدى الزوج شعوراً بالضيق ومع تكرار هذا الشعور قد يلجأ الزوج إلى ممارسة العنف الفظي والجسدي مع زوجته ويؤكد الباحثون في كثير من الأحيان أن هذه الظاهرة عبارة عن مرض تربوي اجتماعي يمتد من عهد الطفولة بالنسبة للذكور، ويتواصل كلما تقدم العمر، ويؤدي إلى الانتقام من المرأة، ما دامت هي الحلقة الأضعف عند الرجل.
العنف وسيلة.
غيرة الزوج!
وتضيف المرشدة الاكاديمية والاخصائية بجامعة الملك خالد – قسم الطالبات "سميحة عبد الفتاح" أن العنف ضد الزوجة قد ينتج لغيرة الزوج وشعوره أن الزوجة تتفوق عليه في المنصب، أو لثقتها الزائدة في نفسها وتعد هذه الظاهرة من الظواهر المنتشرة في العديد من المجتمعات، وهي تكرس شعور الرجل بالنقص وضعف الشخصية، وانعدام الثقة في النفس؛ فيقوم باتخاذ العنف وسيلة للتعبير عن الرجولة المفقودة، وهو بذلك يحاول الظهور بمظهر القوة وبأنه يمسك زمام الامور ولا بد للزوجة ان ترفض هذه الطريقة في التعامل معها بعيدا عن الآدمية والمشاعر والحنان الذي يجب ان يتوفر بين الزوجين، ولا بد أن تناقشه في هذه الإهانة، وأن توضح له مخاطرها على الأبناء الذين قد يصبحون بفعل ذلك فاقدين لثقتهم في انفسهم وفي المجتمع وقد يؤثر ذلك مستقبلا على علاقة الابناء بزوجاتهم وكره الفتيات للزواج الذي هو في نظرهن اهانة واجحاف وظلم للمرأة، مؤكدة على أن علاج المشاكل بطريقة العنف والاهانة له أثر عظيم في تربية النشء على تعاليم الدين الحنيف الذي يطالب بالمودة والرحمة والتواد والتحاب بين أفراده.
اشباع رغبات
وأكدت الاخصائية النفسية بمستشفى السعودي الالماني بعسير "صباح الزهار" على أن العنف سلوك منحرف ينتج عن رغبة داخلية لجذب الانظار بسبب شعور الفرد بالنقص وعدم الاهتمام وقد يضر الفرد بنفسه ليكسب عطف الآخرين. وقالت:"إن العنف وسيلة لإشباع حاجات ورغبات وإثبات الشخص وجوده أمام الآخرين، والعنف هو نمط الاتصال السلبي في علاقة الشخص بالمحيطين به والحاقه الاذى والضر البدني أو النفسي والاجتماعي، وعدم اشباع الحاجات النفسية والاجتماعية عند الطفل وينتج عنه شخصيات مضطربة لا تملك ما يساعدها على التعامل مع الآخرين وتشكو كثير من النساء من قسوة الرجل ومن قهره لها وبانه يرفض الحوار الهادئ ومازال الزوج العربي ينظر الى الزوجة بانها اقل منه عقلا وحكمه ومكانه".
تأديب بضوابط
وقال "د. رشيد حسن الالمعي" -عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الملك خالد- أن الأصل في علاقة الرجل بزوجته في الإسلام أن تكون قائمة على المودة والرحمة والالفة والسكنى، قال تعالى" ومن آياته ان جعل لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها"، وقد كان رسول الله هو القدوة المثلى في معاملة أهله، وذلك يتضح في قوله عليه الصلاة والسلام "خيركم خيركم لأهله وانا خيركم لأهلي"، مشيراً إلى أن ظاهرة العنف ظاهرة نشاز في المجتمع الإسلامي، ومن أسوأ مظاهرها أن تكون بين الزوجين كيف وبينهما ما نص عليه القران بالميثاق الغليظ.
وأضاف:"إذا دعت الحاجة إلى التأديب؛ فقد جعلت الشريعة الإسلامية ضوابط لحق الرجل في تأديب زوجته على ما يبدو منها من مخالفات تتعلق بحق الله تعالى أو حقوق العباد، والأصل في ذلك أن يبدأ بالوعظ والرفق والين والهجر في الفراش أو الاعراض عن زوجته تأديباً لها، ولا يلجأ إلى الضرب، إلاّ في أضيق الحدود وان لا يكون الضرب مبرحاً؛ فإن تعذر الوفاق فإمساك بمعروف أوتسريح بإحسان، ولا يقتصر العنف في حق الزوجة على مجرد الضرب والتقريع، بل قد يتجاوز ذلك عند بعض الأزواج إلى التوبيخ والإهانة والهجر غير المبر والاعتساف في طلب الحقوق، أو التهديد بإفشاء اسرار الزوجة، مؤكداً على أن تأديب الزوجة مفيد بضوابط يلزم مراعاتها عند اعماله، وذلك بلا اساءة في استعمال الحق أو التجاوز فيه واستغلاله في امتهان الزوجة وقهرها.
عدم تكافؤ
ويقول الباحث الاجتماعي "جمعان أبو عبشة" العنف ظاهرة اجتماعية موجودة في كل المجتمعات الحضرية والبدائية مع اختلاف اشكاله وأساليبه والمرأة هي نواة المجتمع، وأي ضر يصيب هذه البنة، فانه يؤدي إلى خلل في البناء الاجتماعي، وربما انهيار، وقد يرجع اسباب العنف ضد المرأة إلى العناد التبادل بين الزوجين مما يؤدي الى استخدام الزوج العنف ضد الزوجة كالعنف الجسدي او المعنوي والانفعالي.
وأضاف:"أن أي فعل عنيف ينتج عنه عدم تكافؤ في القوى بين الرجل والمرأة في المجتمع، وقد حفظت الشريعة الإسلامية للمرأة حقوقها من كافة الجوانب؛ ولذلك لا بد من الاحتكام الى الشريعة الاسلامية في معاملة المرأة، بحيث أن هناك نتائج سيئة للعنف ضدها الذي قد يؤدي الى اصابات وعاهات وآثار نفسية مثل الاكتئاب والقلق، وهناك آثار قاتلة مثل ارتكاب جريمة قتل أو أزمات قلبية وسكته دماغية، اضافة إلى الآثار التربوية السيئة على الاطفال مما قد يؤدي الى انسياقهم للانحراف وعدم الارتباط العاطفي بالأهل، وفقدان المرأة لدورها في الأسرة وعدم قدرتها على القيام بدورها التربوي وعدم القدرة على ضبط سلوك الأبناء.
:icon_evil: