قال تعالى (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ) وقال أيضا (وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) وقال تعالى (إن في السماوات ….آيات لقوم يوقنون)
فليكن لنا مع هذه الآيات لحظة تأمل بلحظات سكون أو وقفة مع النفس وقفة تأمل في بديع قوله تعالى وفي معناه الذي حوى معاني كثيرة.
فلنتفهم تلك الآيات ففي الآية الأولى كيفية التصوير فهو سبحانه الذي يتقن خلق الجنين ويتم تصويره بحكمة وإبداع ، فالله سبحانه وتعالى جعل جسم الإنسان كمدينة إبتدع لها أربع طبائع –الحرارة و البرودة والرطوبة واليبوسة- منفردات ،ثم ألف بين كل إثنين منها فكانت أربع أركان مزدوجات – النار والهواء والماء والأرض – ، ثم جعل من الأركان أربعة أخلاط وهي الصفراء والدم والبلغم والسوداء-كان التشخيص والعلاج في الطب القديم مبنياً على الأخلاط الأربعة " البلغم ، المرة الصفراء ، المرة السوداء ، الدم " ، وعلى الأمزجة " الحرارة ، الرطوبة ، البرودة ، اليبوسة "… وجعلَوا الغالبَ على كلِّ خلطٍ منها طبيعةَ … فجعلوا طبيعةَ الدَّمِ طبيعة الهواءِ التي هي الحرارةُ والرطوبةُ، وطبيعةَ المرَّةِ الصفراءِ طبيعةَ النارِ التي هي الحرارةُ واليبوسةُ، وطبيعةَ المرَّةِ السوداءِ طبيعةَ الأرضِ التي هي البرودةُ واليبوسةُ، وطبيعةَ البلغمِ طبيعةَ الماءِ التي هي البرودةُ والرطوبة ، وفي الطب النبوي لابن طولون: قال الذهبي: الأخلاط أربعة: الدم – وهو أفضلها وهو رطب حار، وفائدته تغذية البدن والطبيعي منه حلو لا نتن له ثم البلغم وهو رطب بارد وفائدته أن يستحيل دماً إذا فقد البدن الغذاء وأن يرطب الأعضاء فلا يجففها الحركة والطبيعي منه ما قارب الاستحالة إلى الدموية وغير الطبيعي منه المالح, يميل إلى الحرارة والحامض ويميل إلى البرد والمخ وهو خالص البرد -، وهذه الأخلاط سببت تسعة جواهر- وهي عظم ومخ وعصب وعرق ودم ولحم وجلد وظفر وشعر- ، وبتركيب الجواهر بعضها فوق بعض كونت عشر طبقات- وهي رأس ورقبة وصدر وبطن وجوف حقو وركان و فخذان وساقان وقدمان- وكان عدد أعمدة الطبقات العشر 248 عمودا- عظاما – ثم مُد لها 750 حبلا – هي الأعصاب – وجعل فيها 11 خزانة (الدماغ – النخاع – الرئة – القلب – الكبد – الطحال – المرارة – المعدة – الأمعاء – الكليتان – الأنثيان)مملوءة من الجواهر التسع ، وجعل لسكانها 360 مسلكا وشارعا وطرقات هي " العروق " وجعل لكل أنهارها 390 جدولا – الأنهار هي الأوردة – وفتح على سورها 12 بابا مزدوجات- العينان الأذنان المنخران السبيلان الثديان الفم والسرة – ، وجعل لها خمسة حراس – السمع والبصر والشم والذوق واللمس – وجعلها كلهاعلى عمودين " الرجلان " فسبحان المصور المبدع الخلاق ، فأنظر يا أخي وتأمل باستقلال في نفسك وحكم عقلك و لا تقلد أحداً فالفكر هو المسيطر في هذا العالم هذه هي الحياة وهذه هي السعادة ونحن نتأمل وننظر في أصول عالية شريفة وراقية .
فأمر الإنسان في باطنه أعجب من ظاهره ذلك لأن حياته تدعوه إلى ما لا حصر له من العلم والعمل وهذه تحتاج إلى قوة داخلة في نفسه وهي الشهوة والغضب والعقل فشهوته التي زينت له يخلق فيه الجوع والعطش ورعشة الشبق فيأكل ويشرب ويتزوج كل ذلك طاعة لا جبر فيها وحب لا كراهة فيه ، فالله خلق الشهوات وزينها في القلوب لقوله (زين للناس حب الشهوات) وعدد منها سبعة ثم قال (ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب) فلولاها ما عشنا ولا عاش حيوان ولكن كل شهوة مقصودة لذاتها فالغرض من المال بقاء الأجسام والشبق إنما هو وجود الأولاد وهنا سلط الله الروادع والزواجر القاهرة حتى لا يتماد الإنسان فيها .و أما الغضب فبه يحافظ على شهواته والعقل ينظمها ويديرها .
فياللعجب يعيش الواحد منا ويموت وهو غافل عما أعطي من المواهب والمنح يجوع فيأكل ويعطش فيشرب وهو لا يدري بتلك المنح والعطايا تلك المواهب الثمينة تلك الآيات البينات تلك الدرر الغوالي تلك السعادات والعجائب فكيف للذي يموت الدارس لما حوله من نبات وحيوان وماء وطعام وغافل عن دراسة العوالم التي بداخله وهو لا يعرف تلك النعمة الجزيلة .قال تعالى وفي أنفسكم أفلا تبصرون).
فعندما يدخل الطعام في الفم يمزق الطعام بالأنياب والأسنان و بالمضغ والإبتلاع والإمتزاج بالعصارات التي في الفم و التي في المعدة فإذا صارت كل الطعام الوارد إلى المعدة يصير كيموسا يأتي دور الكبد الذي يعتبر أكبر عضو غددي في الجسم ويبلغ وزنه حوالي كيلو ونصف ، فيجذب الكيموس فيحيله دما ثم يتجه الدم إلى القلب ثم يمتد إلى سائر العروق ، فيمر الدم إلى سبع قوى .
أنظر كيف جعل الله سبحانه وتعالى مراحل الطعام بهذه الطريقة العجيبة و لو أطلعت على تفاصيلها الإجمالية لكان ذلك إعجابا ، أليست كل المراحل التي تمر بمرحلة الطعام له شبيه أو نظير في واقعنا هل نظرت مثلا إلى :
الخبازين والطباخين فعملهم عجين الطحين وتشكيله ثم إنضاجه باالحرارة ، أليس هذا موجود فينا فا المعدة تمسك الطعام وتهضمه وتنضجه بالحرارة الغزيرة ، وكذلك صنع الزراعين والغراسين ففي الجسم ظهور الشعر على الجلد يشابهاها وهناك الكثير من العجائب والغرائب فسبحان المصور الذي أحسن كل شي .