ففي ثنايا هذا التوافق تكمن محاولاتنا العديدة لأن نبدو أو نتظاهر بوجه مبتسم حتى وإن كانت تعترينا الآلام عديدة ثابتة لا تزول , ومشكلات حياتية منها اجتماعية أو اقتصادية أو مهنية أو أسرية نحاول حلها بطريقة مناسبة وحكيمة .. تعيد إلينا شيئا من الاستقرار الداخلي والتوازن النفسي لكي نبدو سعداء أمام الآخرين .
إن أسعد البشر وأكثرهم توافقا مع أعمالهم أو مع أسرهم أو حتى ميسوري الحال يشعرون بالاحباطات المتعددة.. فخيبة الأمل والصراعات المؤلمة وعوامل الضغوط اليومية المستمرة ومتطلبات نحو الأفضل تعرضنا إلى الإحباط وهي سنة الحياة وديدنها , يستوجب علينا أن نواجه الإحباط وحجمه ومداه , فالإحباط Frustration هو أي دافع نفسي أو نشاط لدى الإنسان ينشط ويلح في طلب الإشباع وزيادة الرغبة في الطموح , سواء أكان هذا الدافع فطريا أو مكتسبا من البيئة التي نعيش بها , شعوريا كان أو لا شعوريا , فأن الموازنة الداخلية لأي منا يجب أن تلبي هذا الدافع وتحاول إشباعه , وعندما لا يستطيع أي منا إشباع الدافع إشباعا مباشرا فإنه ينتج عنه إحباطا . فالإحباط إذن .. هي الحالة التي يوجد فيها الإنسان ولديه دافع أو عدة دوافع وطموحات مستثارة يصعب عليه إشباعها فتتحول حالة الشخص من مشاعر المسرة إلى مشاعر الضيق والاستياء وتؤدي به إلى البحث عن مخرج من هذه الحالة أو على الأقل التخفيف منها , وعندما يفشل يبحث الإنسان مع مكونات الداخلية النفسية التي تحاول االمحافظة على التوازن عن بدائل تسمى في التحليل النفسي بحيل التوافق ( الدفاع – ميكانيزمات الدفاع ) وتسعى هذه إلى تخفيف حالة التوتر والشد والإحباط إلى بديلها إن استطاع الإنسان وهي أيضا تحاول إبعاد الضغوط النفسية الناجمة الإحباط ومن تلك الحيل ( الميكانيزمات ) الكبت والإسقاط والإزاحة والتبرير والتوحد … حتى يستطيع الإنسان أن يحل الصراع الذي يدور بين الدافع الذي يلح في طلب الإشباع والقوى التي تقف حائلا دون الإشباع أو إمكانية تحقيق الواقع الذي يتمنى الإنسان تحقيقه وهذه الميكانيزمات تتسم بالمرونة والخديعة والالتواء في التعامل الداخلي للإنسان حتى ترضي الرغبات المتعارضة .
أما إذا لم ينجح الإنسان في إزاحة هذه الاحباطات وحالة الشد النفسي والأزمة إن وجدت , فسوف تتحول حتما إلى تكوين ضغوط نفسية ذات طابع مثير ومؤثر على سلوك الإنسان , ويبدو هذا الإنسان في حالة عدم اتزان أمام الناس الآخرين وعندما تأخذ الضغوط النفسية الناجمة من الإحباط مديات أعمق لدى الإنسان نفسه , فلابد من إيجاد منفذ للخلاص منها .
إن الإنسان في حالة حذب وطرد تجاه موقف أو عند طلب حاجة يريدها ويصعب تحقيقها مثل البحث عن عمل يناسب إمكاناته وقدراته أو دراسة يعتقد أنها تناسب إمكانيته وطموحه مع الدخل المناسب الذي يكفي متطلباته ومتطلبات أسرته ولكنه يجهد نفسه ولم يجد هذا العمل حينئذ يكون بصدد مواجهة صراع بين متطلبات الحياة المعيشية الاقتصادية والوضع الراهن المفروض عليه الذي لا يستجيب لرغباته وقدراته , فتزداد الحالة النفسية سوءا ومعها تزداد الاحباطات ويكون للضغوط النفسية دورا كبيرا ملازما لهذه الاحباطات وربما كان من نتائجها . ومن نتائج هذه الاحباطات هو بروز القلق والتوتر بشكل واضح وازدياد حالات الغضب لدى الإنسان وهذا يدفع به أحيانا لأن يفقد السيطرة على أعصابه وعلى سلوكه العام , لذا وضع علماء النفس المتخصصون أساليب عدة للتعامل مع الإحباط والضغوط النفسية ومن تلك الأساليب هو الاستخدام الأمثل لحل المشكلة عبر استخدام المرونة في السلوك إزاء الإحباط أو الضغوط النفسية الناجمة عنها , فالتحديات الجديدة الناجمة عن الإحباط تتطلب حلولا جديدة ومنها وأهمها تجاهل الموقف الضاغط تجاهلا تاما ثم الإنكار التام لكل الصعوبات التي تتضخم أحيانا حتى لتبدو مشكلة كبيرة وصعبة غير قابلة للحل , فضلا عن استخدام وسيلة تجنب الشعور بالمشكلة بأي شكل ممكن دون إعارة الإهتمام لها مهما بلغت من الشدة أو القوة وعدم الأخذ بالحسبان النتائج المترتبة عليها مهما كانت فحالة الإنسان المحبط تغلق عليه رؤية الحلول الصحيحة وتضيع مفاتيح الحلول مهما كانت المشكلة بسيطة أو أكثر من ذلك بالتعقيد . لذلك فإن علماء النفس قالوا بأن الأشخاص الذين يواجهون بعض التهديدات الحياتية المتعلقة بالشؤون الاقتصادية أو المعاشية أو المتعلقة بالعمل والتي لا يمكن التحكم بها تكون استجابتهم للموقف التالية بمثابة الانسحاب والاستسلام أو الشعور بالاكتئاب . إن أفضل الحلول المناسبة لمواجهة مشكلات الحياة الصعبة هو تأجيل التفكير بها أثناء مداهمتها لكي تتحول إلى إحباطات ومن ثم فإن إرجاء الحصول على الوضع الأفضل إلى فترة ربما يؤدي إلى مراجعة الأساليب في التعامل فضلا عن إيجاد حلول أخرى بديلة . وهكذا فإن الإحباط ينتج من داخل أنفسنا أولا ويتحدد الفشل في مدى حجم وسعة وكبر وقدرة الإنسان على التصدي لمواجهته , فالطموحات الواسعة تحتاج إلى قدرات عالية وإن تحققت فإنها ستتحقق بالتدريج خطوة بعد خطوة والإرجاء الناجح والهدف المنشود المرسوم والمخطط له.
تقبلى مروري…