قال الشاعر :
قَدْ يَنْفَعُ الأَدَبُ الأَحْدَاثَ في مَهَلٍ … وَلَيْسَ يَنْفَعُ بَعْدَ الكَبْرَةِ الأَدَبُ
إِنَّ الغُصُونَ إِذا قَوَّمْتَهَا اعْتَدَلَتْ … وَلَنْ تَلِينَ إِذَا قَوَّمْتَها الَخشُبُ
وقال عبد الملك بن مروان لاعب ولدك سبعاً وأدبه سبعاً واستصحبه سبعاً فإن أفلح فألق حبله على غاربه ولا عبرة بقول من قال:
قولاً لمن ينصح ابناً له … يردّد القول لتهذيبه
ضيع الوقت بلا طائل … فيكثر القول ويهزي به
له إلى اللّه وتدبيره … ثم إلى الدهر وتجريبه
فإنما الأقدار لا بدّ أن … تأتي بما خط وتجري به
غرر الخصائص الواضحة ،للوطواط 45.
فهناك أخطاء كثيرة يقع فيها الآباء في تربية الأبناء ومنها:
1- انعدام الاتصال بين الآباء والأبناء :
كثير من الآباء لا يدركون أهمية التواصل والحوار مع الأبناء ، بل وينظرون إلى هذا الحوار وذاك التواصل على إنه ليس ذو قيمة ، متناسين أن ذلك قد يؤدي إلى تفكك العلاقات بين الأسرة الواحدة ، بل وإلى انتشار البغض والحقد بين أفرادها ، وقد يؤدي كذلك إلى انعدام الثقة بين أفراد الأسرة وانقطاع صلة الرحم في الكبر.
وإن عدم وجود الإذن الصاغية للطفل في المنزل ، تجعل منه فريسة سهلة لرفاق السوء لبحثه عن من يستمع له ويعبر عن قيمته وذاته ، والتنفيس عما بداخله .
والاتصال هنا يحتاج إلى وعي وإدراك ، فالحوار مع الكبير غير الحوار مع الصغير ، والحوار مع الولد غير الحوار مع البنت ، فهناك بعض الآباء يفرضون آراءهم بالقوة والقسر على أبنائهم ، متناسين أن لكل جيل ثقافته وفكره واحتياجاته ، وما أجمل قول الإمام علي في ذلك :" لا تقصروا أولادكم على آدابكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم" . لباب الآداب ، لأسامة بن منقذ 70 .
2- عدم مراعاة الفروق الفردية:
اقتضت حكمة الله تعالى أن يخلق الناس مختلفين في الميول والاتجاهات والأمزجة ، قال تعالى : وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) سورة : هود.
ومن هنا فقد حث الإسلام على مخاطبة الناس على قدر عقولهم وعلى مقدار ما يستوعبون ويفهمون ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : " ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة " . رواه مسلم ( 1 / 9 ) .
فلإسلام قد أقر بالفروق الفردية بين الأشخاص والأفراد ، وإن كان هذا الكلام ينطبق على المجتمع المسلم كله فهو كذلك ينطبق على الأسرة المسلمة ، فعلى الوالدين أن يعلما أن هناك فروقاً فردية بين الأبناء ، فمنهم سريع الاستجابة ومنهم بطيء الاستجابة , ومنهم الهادئ ومنهم كثير الحركة , فلا يعامل الأبناء كلهم معاملة واحدة ولا يخاطبون بأسلوب واحد
قيل لأحد الحكماء : أي الأولاد أحب إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر والمريض حتى يشفى والمسافر حتى يعود . محاضرات الأدباء , للحموي 1/ 165.
3- عدم مراعاة المرحلة السنية للطفل:
على الوالدين أن يراعيا المراحل التي يمر بها ولدهما فلا يعاملان ولدهما معاملة واحدة منذ أن كان في مهد الطفولة حتى يتخرج من الجامعة، بل يعاملانه في كل مرحلة بما يصلح له. ويترتب على هذه المراحل: تقدير العقاب الذي يصلح للولد إذا أخطأ.
فالضرب مثلاً يصلح مع الصغير ويؤدبه، وقد يؤدب أحياناً بمجرد رفع الصوت عليه ونهره وتهديده. أما المراهق فمن أكثر ما يؤدبه الكلام العاطفي، كأن يقول له الأب أو الأم: يا ولدي أنت قد كبرت، أو أنا قد كبرت سني وأريدك أن تكون رجلاً لأزوجك وأرى أولادك قبل أن أموت. ونحو ذلك. أما الكبير فقد يفيد معه الهجر أحيانًا والغضب منه.
ومن هنا فقد جعل الإسلام الضرب للصغير إذا تهاون في الصلاة ، عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعِ سِنِينَ ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ، وَإِذَا أَنْكَحَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ , أَوْ أَجِيرَهُ , فَلا يَنْظُرَنَّ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَوْرَتِهِ ، فَإِنَّ مَا أَسْفَلَ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ , مِنْ عَوْرَتِهِ .أخرجه أحمد 2/180(6689) و"أبو داود" 495 .
4- المقارنة بالغير :
من الأخطاء التي يقع فيها بعض الآباء في تربية الأولاد المقارنة بين الابن وبين غيره من الأولاد سواء من إخوته أو من غيرهم , فلا ننس أن لكل طفل قدرات ومهارات تختلف عن غيره ومقارنته بغيره قد تؤدى إلى إحباط الطفل, والى شعوره بالدونية , مما يخلق لديه نوعا من العنف لإثبات الذات ، بل إن مقارنته دائما بالآخرين قد يجعله يفقد الثقة بنفسه , مما يؤثر على تكوينه ويجعل منه إمعة لا يحسن إلا تقليد الآخرين في كل شيء .
فنفسية الطفل كذلك مثل نفسية الكبير يغضب ويتوتر حين تقارنه بأخيه الأسرع منه .
أو الأذكى منه أو الأهدأ منه ، إن مثل هذه المقارنة تخلق عند الطفل اضطراباً في نفسيته وضعفا في شخصيته لأنه قد يكون عاجزاً أو غير قادر على القيام بنفس ما يقوم به أخوه ولكنه بالتأكيد يستطيع القيام بشيء لا يستطيع أخوه القيام به لأنه لم يخلق نسخة عن أخيه فهو شخصية مستقلة ومن الخطأ مقارنته مع الآخرين.
قد هيَّأوكَ لأمرٍ لو فطنت له فاربأ بنفسِك أن ترعى مع الهَمَلِ
5- عدم العدل بين الأبناء:
عدم العدل بين الأولاد يؤدي إلى الغيرة ويوجد روح العداء بينهم ويكون سبباً للعقوق ، وسبب لكراهية بعضهم لبعض ، وكم من المآسي والأحزان التي تعج بها بعض البيوت نتيجة للظلم والتمييز ، والتفريق بين الأبناء ، وعدم العدل بينهم.
قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) سورة النحل.
وقال: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) سورة الأنعام.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، أن أمه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهوبة من ماله لابنها فالتوى بها سنة ، ثم بدا له ، فقالت : لا أرضى حتى تُشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وهبت لابني ، فأخذ أبي بيدي ، وأنا غلام فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله إن أم هذا ، بنت رواحة أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بشير ألك ولد سوى هذا ؟ قال : نعم ، فقال : " أكلهم وهبت له مثل هذا ؟ قال : لا ، قال : " فلا تشهدني إذاً ، فإني لا أشهد على جور " [ أخرجه مسلم ] .
وعند البخاري والنسائي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فكل بنيك نحلت مثل الذي نحلت النعمان ؟ قال : لا ، قال : فأشهد على هذا غيري ، قال : " أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء ؟ قال : بلى ، قال فلا إذاً " .
وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أشهد ، إني لا أشهد إلا على حق " . وفي رواية عند البخاري : " اعدلوا بين أولادكم في العطية " ، وفي رواية أخرى أيضاً عند البخاري : " أعطيت سائر ولدك مثل هذا ؟ قال : لا ، قال : " فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم " قال : فرجع فرد عطيته .
وروى ابن أبي الدنيا بسنده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اعدلوا بين أولادكم في النحل ، كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف " [ حديث صحيح 1 172 ] .
و قال صلى الله عليه وسلم : " اعدلوا بين أبنائكم ، اعدلوا بين أبنائكم " [ أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم بسند صحيح ، وصححه الألباني ] .
وقد يكون الظلم للبنت أكثر , بسبب رواسب الجاهلية عند البعض , فيحرم ابنته ن الميراث ويفاضل الذكور من أبنائه عليها ، وينسى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها ـ يعني الذكر ـ أدخله الله الجنة " [ أخرجه أبو داود والحاكم وقال صحيح الإسناد ].
وروي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله ضم ابناً له ، وكان يحبه ، فقال : يا فلان ، والله إني لأحبك ، وما أستطيع أن أوثرك على أخيك بلقمة .
يقول يزيد بن معاوية : أرسل أبي إلى الأحنف بن قيس ، فلما وصل إليه قال له : يا أبا بحر ، ما تقول في الولد : قال يا أمير المؤمنين : ثمار قلوبنا ، وعماد ظهورنا ، ونحن لهم أرض ذليلة ، وسماء ظليلة ، وبهم نصول على كل جليلة ، فإن طلبوا فأعطهم ، وإن غضبوا فأرضهم ، يمنحوك ودهم ، ويحبونك جهدهم ، ولا تكن عليهم ثقلاً ثقيلاً ، فيملوا حياتك ، ويودوا وفاتك ، ويكرهوا قربك ، فقال له معاوية : لله أنت يا أحنف ، لقد دخلت علي وأنا مملوء غضباً وغيظاً على يزيد ، فلما خرج الأحنف من عنده ، رضي عن يزيد وبعث إلى يزيد بمائتي ألف درهم ، ومائتي ثوب . [ إحياء علوم الدين 2/295 ] .
6- عدم تحمل الأبناء المسؤولية:
ومن الأخطاء في تربية الأولاد والتعامل معهم تربية الأولاد على عدم تحمل المسئولية فالأب هو المسئول عن كل شيء فهو الذي يسدد الفواتير، وهو الذي يشتري المواد الغذائية للمنزل، مع أن الولد قد كبر ويمكن الاعتماد عليه , لكنه خوفاً لا يريد أن يجعله يتحمل مسؤولية أي شيء ، ولا يدرك أنه بذلك يضعف شخصيته ولا يجعله يشعر بقيمته ورجولته.
ولقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تربية الأولاد على الرجولة وتحمل المسؤولية ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ:ُكنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَسَلَّمَ (قَالَ يَزِيدُ فِي حَدِيثِهِ : عَلَيْنَا)، وَأَخَذَ بِيَدِي ، فَبَعَثَنِي فِي حَاجَةٍ ، وَقَعَدَ فِي ظِلِّ حَائِطٍ ، أَوْ جِدَارٍ ، حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِ ، فَبَلَّغْتُ الرِّسَالَةَ الَّتِي بَعَثَنِي فِيهَا ، فَلَمَّا أَتَيْتُ أُمَّ سُلَيْمٍ ، قَالَتْ : مَا حَبَسَكَ ؟ قُلْتُ : بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ لَهُ ، قَالَتْ : وَمَا هِيَ ؟ قُلْتُ : سِرٌّ ، قَالَتْ : احْفَظْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سِرَّهُ . قَالَ : فَمَا حَدَّثْتُ بِهِ أَحَدًا بَعْدُ.
– لفظ مُحَمد بن عَبْد الله الأَنْصَارِي : انْتَهَى إِلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، وَأَنَا فِي غِلْمَانٍ ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَرْسَلَنِي فِي رِسَالَةٍ ، وَقَعَدَ فِي ظِلِّ جِدَارٍ ، أَوْ فِي جِدَارٍ ، حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا أَتَيْتُ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ : مَا حَبَسَكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِرِسَالَةٍ ، قَالَتْ : وَمَا هِيَ ؟ قُلْتُ : إِنَّهَا سِرٌّ ، قَالَتْ : احْفَظْ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَمَا أَخْبَرْتُ بِهِ بَعْدُ أَحَدًا قَطُّ.
أخرجه ابن أَبي شَيْبَة 8/385(25521) و"أحمد" 3/109(12083) و"البُخَارِي" ، في (الأدب المفرد) 1139 و"أبو داود" 5203 و"ابن ماجة" 3700 .
7- التدليل الزائد:
التدليل الزائد والتعلق المفرط بالولد وخاصة من الأم يؤدي إلى نتائج خطيرة على نفس الولد وتصرفاته وقد يكون من آثاره زيادة الخجل والانطواء وكثرة الخوف وضعف الثقة بالنفس والاتجاه نحو الميوعة والتخلف عن ا لأقران.
ولقد أوضح العلماء أن الطفل المدلل هو طفل قلق بطبعه يستعجل الأمور، ويحكم على المواقف بسرعة دون تفهم وعلى مستو شخصي وليس المستوى الموضوعي المطلوب .
و تسيطر على الطفل المدلل الأنانية وحب السيطرة على إخوته والعنف في تصرفاته معهم لإحساسه بالتميز عنهم .
يروي لنا التاريخ أن عمر بن عبد العزيز كان قد أرسله أبوه وهو شاب صغير إلى المدينة المنورة ليتعلم فيها الفقه وعلوم الدين، وكان صالح بن كيسان مؤدبه والقائم على أمر ملازمته وتوجيهه وإرشاده، وفي ذات يوم انتبه هذا المؤدب أن عمر بن عبد العزيز لم يحضر صلاة الجماعة وتخلف عنها، فذهب إليه ليستطلع الأمر فسأله قائلاً: ما أخرك عن صلاة الجماعة؟ فأجاب عمر: كانت مرجلتي تسكن شعري، فأجابه صالح متعجباً: وبلغ من تسكين شعرك أنه يؤخرك عن الصلاة!! وكتب بذلك إلى أبيه عبد العزيز بن مروان، فما كان من أبيه إلا أن أمر بحلق رأسه تأديباً له وتربية وتعليماً حتى لا يعود لمثلها.( سير أعلام النبلاء 9/133).
وكان لشريح ابن يدع الكتاب ويهارش الكلاب قال فدعا بقرطاس ودواه فكتب إلى مؤدبه:
تَركَ الصلاةَ لأكْلُبٍ يَسعى بها طلب الهِرَاش مع الغِوَاةِ الرُّجس
فإذا خَلَوْتَ فَعَضّه بمَلاَمَةٍ وِعظَتْهُ وَعْظَكَ للأرِيب الكَيس
وإذا همَمْتَ بضَرْبِه فبدرَةٍ وإذا بلغتَ بها ثلاثاً فاحْبِس
واعْلَمْ بأنك ما فعلتَ فنفسُه مع ما يُجَرعُني أعَز الأنْفُس
انظر : حلية الأولياء :أبو نعيم الأصبهاني 4/137، وأخبار القضاة لوكيع 207.
8- القسوة المفرطة:
كما أن التدليل المفرط له آثاره السيئة والسلبية على الطفل، فإن القسوة المفرطة أيضا لها آثارها وعواقبها السيئة عليه ، فالقسوة المفرطة تبلد الإحساس لدى الطفل وتجعله جبانًا مهيناً فلا يستطيع القيام بحق أو نصرة مظلوم وتولد عنده العناد والانتقام في بعض الأحيان.
إن القسوة المفرطة ليست حلا ولا هي الطريق لإصلاح الأبناء. لقد بلغت القسوة عند بعض الناس حدا حتى أصبحت الحيوانات أرحم منه.
فليعلم الآباء أن الشدة والقسوة كالدواء يحتاج إليها في حالات معينة قد سبقها محاولات أخرى باللين متعددة الطرق والوسائل، عندها يحتاج المربي إلى القسوة وهو آخر العلاج والدواء, وكما قيل:
فقسا ليزدجروا ومن يك حازما…فليقسُ أحيانا على من يرحم
وفي صحيح مسلم من حديث جرير قال: سمعت رسول الله يقول: ((من يحرم الرفق يحرم الخير))، وفيه كذلك عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: ((يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه))، وفيه أيضا من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي أنه قال: ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)).
وتأمل معي هذه القصة الواقعية التي قرأتها في بعض المنتديات والتي تبين عاقبة القسوة المفرطة على الأولاد.
كان أحد الأطفال كان يلعب في داخل المنزل وأثناء اللعب كسر زجاج النافذة جاء أبوه إليه بعد أن سمع صوت تكسر الزجاج وسأل: من كسر النافذة؟ قيل له ولدك. فلم يتمالك الوالد أعصابه فتناول عصا غليظة من الأرض وأقبل على ولده يشبعه ضربا…أخذ الطفل يبكي ويصرخ وبعد أن توقف الأب عن الضرب جرّ الولد قدميه إلى فراشه وهو يشكو الإعياء والألم فأمضى ليله فزعا.
أصبح الصباح وجاءت الأم لتوقظ ولدها, فرأت يداه مخضرّتان فصاحت في الحال وهبّ الأب إلى حيث الصوت وعلى ملامحه أكثر من دهشة! وقد رأى ما رأته الأم…فقام بنقله إلى المستشفى وبعد الفحص قرر الطبيب أن اليدين متسممتان وتبين أن العصا التي ضرب بها الطفل كانت فيها مسامير قديمة أصابها الصدأ, لم يكن الأب ليلتفت إليها لشدة ما كان فيه من فورة الغضب, مما أدى ذلك إلى أن تغرز المسامير في يدي الولد وتسرّب السمّ إلى جسمه فقرر الطبيب أن لا بدّ من قطع يدي الطفل حتى لا يسري السم إلى سائر جسمه فوقف الأب حائرا لا يدري ما يصنع وماذا يقول؟؟؟.
قال الطبيب: لا بدّ من ذلك والأمر لا يحتمل التأخير فاليوم قد تقطع الكف وغدا ربما تقطع الذراع وإذا تأخّرنا ربما اضطررنا أن نقطع اليد إلى المرفق ثم من الكتف, وكلما تأخّرنا أكثر تسرب السم إلى جسمه وربما مات.
لم يجد الأب حيلة إلا أن يوقّع على إجراء العملية فقطعت كفي الطفل وبعد أن أفاق من أثر التخدير نظر وإذا يداه مقطوعتان فتطلّع إلى أبيه بنظرة متوسلة وصار يحلف أنه لن يكسر أو يتلف شيئا بعد اليوم شرط أن يعيد إليه يديه, لم يتحمل الأب الصدمة وضاقت به السُبُل فلم يجد وسيلة للخلاص والهروب إلا أن ينتحر, فرمى بنفسه من أعلى المستشفى وكان في ذلك نهايته.
فجاء الشاعر عدنان عبد القادر أبو المكارم ليصوغ قصته في قالب شعري فقال :
كسر الغلام زجاج نافـذة البنا من غير قصد شأنه شأن البشر
فأتاه والده وفي يـده عصـا غضبان كالليث الجسور إذا زأر
مسك الغلامَ يدق أعظم كفه لم يبق شيئاً في عصـاه ولـم يذر
والطفل يرقص كالذبيح ودمعـه يجري كجري السيل أو دفق المطر
نام الغلام وفي الصباح أتت له الأم الرؤوم فأيقظـته على حذر
وإذا بكفيه كغصـن أخضـر صرخت فجاء الزوج عاين فانبهـر
وبلمحة نحو الطبيب سعى بـه والقلب يرجف والفؤاد قـد انفطر
قال الطبيب وفي يديـه وريقـة عجّـلْ ووقّـعْ هاهنا وخذ العبر
كف الغـلام تسممت إذ بالعصا صـدأ قـديم في جوانبها انتشـر
في الحال تقطع كفـه من قبل أن تسري السموم به ويزداد الخطر
نادى الأب المسكين واأسفـي على ولـدي ووقّـعَ باكـيا ثم استتـر
قطع الطبيب يديــه ثم أتى بـه نحو الأب المنهـار في كف القدر
قـال الغـلام أبي وحـق أمـي لا لن أعود فـرُدََّ مــا مني انبتـر
شُــدِهَ الأب الجاني وألقى نفسـه مـن سطح مستشفىً رفيـعٍ فانتحر
فكن متوازناً وحكيماً في تربية أولادك وفي معاملتهم, حتى لا تفقدهم قبل أن يفقدوك.
اللهم اعصمنا من شر الفتن وعافنا من جميع البلايا والمحن وأصلح منا ما ظهر وما بطن. اللهم طهر ألسنتنا من الكذب وقول الزور، وأعيننا من الخيانة والفجور، وقلوبنا من الشك والشرك والنفاق، اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
منقول للفائدة وجزا الله كاتبه كل خير