مرض السكري .. وعلاقته بأمراض شرايين القلب
لدى غالبية المُصابين بمرض السكري، تسير أمراض القلب والأوعية الدموية يدا بيد، مع تطور وطول أمد الإصابة به.
وتُجمع المصادر الطبية المعنية بصحة القلب وباضطرابات الغدد الصماء في الجسم، على أن الاحتمالات ترتفع لدى المرضى المُصابين بالسكري للإصابة أيضا بنوبة الجلطة القلبية وبالسكتة الدماغية وبارتفاع ضغط الدم.
وأن الاحتمالات ترتفع كذلك للإصابة بأمراض شرايين مناطق أخرى من الجسم، أي غير القلب والدماغ.
ولذا فإن التضيّق في المجرى، وبالتالي تدني تدفق الدم، يطال الشرايين المغذية للأطراف العلوية والسفلية، والشرايين المغذية للأمعاء والكلى.
وعليه، فإن مرضى السكري مُعرضون لاحتمالات المعاناة من آلام الذبحة المعوية، أي آلام نقص تروية الأمعاء بالدم الكافي بُعيد تناول وجبات الطعام، وكذلك مُعرضون للقروح في القدمين، نتيجة نقص التروية الدموية لهما.
والإشكالية في شأن السكري وأمراض الشرايين، أيا كان موقعها بالجسم، لا يقتصر على ارتفاع احتمالات حصولها، بل أيضا في أن حصولها يبدأ في وقت مبّكر نسبيا، مقارنة مع بقية الناس، وأن هذه المضاعفات والتداعيات الشريانية غالبا ما تحصل بشكل صامت، بخلاف ما يجري لدى بقية الناس السليمين من الإصابة بمرض السكري.
وهذه الحقائق الطبية، بالرغم من قسوتها، يجب أن تكون واضحة جدا لدى المُصابين بمرض السكري.
ولا فرق في هذا بين منْ يعتقدون أن إصابتهم بالسكري «طفيفة»، نتيجة عدم احتياجهم إلى تلقي العلاج بحقن هرمون الأنسولين، أو بين منْ تتطلب معالجتهم، وضبط الارتفاعات في نسبة سكر الدم، تلقي تلك الحقن الهرمونية.
وكانت رابطة القلب الأميركية قد أضافت في عام 1999، وبعد تواتر الأدلة العلمية، مرض السكري إلى قائمة عوامل الخطورة الرئيسية ذات الصفة التي يُمكن التقليل من تأثيرها، للإصابة بأمراض شرايين القلب وشرايين الدماغ.
وهذا الاعتراف الطبي الرسمي بالتأثيرات المحتملة لمرض السكري على شرايين القلب والدماغ، وإن جاء متأخرا، إلا أنه تطلّب تواتر الأدلة العلمية للجزم بصحته.
أمراض قلبية صامتة
تشير إصدرات رابطة القلب الأميركية إلى أن أمراضا على درجة عالية من الأهمية قد تطال شرايين المُصابين بمرض السكري وهم صغار في السن، أي قبل بلوغ سن الثلاثين من العمر.
ومن المعلوم أن هناك نوعين من مرض السكري، أحدهما يُدعى بالنوع الأول، والأخر يُدعى بالنوع الثاني.
والنوع الأول هو الذي يُعالج من البداية بأخذ حُقن هرمون الأنسولين بشكل متكرر في اليوم الواحد.
وتحصل الإصابة بهذا المرض نتيجة لنشوء عمليات مناعية تُؤدي إلى إتلاف خلايا معينة في البنكرياس مهمتها إنتاج الأنسولين.
وبالنتيجة، يظهر اضطراب جلي في تعامل الجسم مع سكر الغلوكوز، نظرا لعدم إنتاج البنكرياس لأي كمية من هرمون الأنسولين بالجسم، ما يتطلب بالتالي المعالجة بأخذ حُقن الأنسولين.
وهو النوع الذي يُصاب به عادة صغار السن من الأطفال والمراهقين.
أما النوع الثاني فيتميز بأن إنتاج البنكرياس، من هرمون الأنسولين، لا يفي بالكمية التي يحتاجها الجسم.
وأهم أسباب ظهور النوع هذا هو زيادة وزن الجسم، وتحديدا زيادة كمية الأنسجة الشحمية بالجسم.
وتتطلب المعالجة في البداية العمل على ضبط مقدار وزن الجسم ضمن المعدلات الطبيعية له، وتناول كميات معتدلة من الطعام اليومي، وتوزيع وجبات الطعام على عدة أوقات من اليوم، وتناول أدوية تُقلل من إنتاج الكبد للسكريات وتقلل من امتصاص الأمعاء لها، وأدوية تُحفز البنكرياس على إنتاج هرمون الأنسولين، وربما يضطر الطبيب، لمعالجة هذا النوع من السكري، إلى وصف أخذ حُقن الأنسولين.
ووفق ما تُشير إليه الرابطة الأميركية لمرض السكري، في إصداراتها الحديثة، فإن تضرر وتأذي الشرايين القلبية لدى المصابين بالنوع الأول من السكري، يحصل بشكل صامت ودون ضجيج بنسبة تتراوح ما بين ضعفين إلى أربعة أضعاف، وذلك بالمقارنة مع حصول نفس الأضرار والأذى الشرياني لدى عامة الناس السليمين من الإصابة بمرض السكري.
ومعلوم أن حصول مرض في الشرايين القلبية يؤدي بالعادة إلى شكوى المريض من آلام في منطقة الصدر وغيرها من الأعراض التي تقول للمريض وطبيبه بصوت واضح إن «ثمة شيء ما غير طبيعي» في شرايين القلب.
ولأن المصابين بمرض السكري قد تتأثر أيضا لديهم قدرات الجهاز العصبي، فإن حصول حالة من نقص تروية وتزويد عضلة القلب بالدم، حال وجود أمراض في شرايين القلب، قد لا يصحبها حصول الإحساس بالذبحة الصدرية، وبالتالي تكون الأمراض في الشرايين القلبية صامتة.
ولذا، تُؤكد الرابطة الأميركية لمرض السكري، على ضرورة الاهتمام بالتشخيص المبكر لوجود أمراض شرايين القلب، لدى هؤلاء المصابين بالسكري. وبضرورة البدء المبكر في المعالجة وللضبط المبكر لأي انفلات في أحد عوامل خطورة الإصابة بأمراض شرايين القلب لديهم.
ومعلوم أن العوامل تلك تشمل ارتفاع نسبة كولسترول الدم وارتفاع ضغط الدم وزيادة وزن الجسم وارتفاع نسبة الدهون الثلاثية في الدم والخمول البدني عن ممارسة الرياضة والتدخين وغيرها.
كما تشير الرابطة الأميركية لمرض السكري صراحة إلى أن هناك العديد من الدراسات الطبية التي توصلت إلى نتيجة حقيقية مفادها أن المصابين بالنوع الثاني من السكري هم كذلك أكثر عُرضة للإصابة بأمراض الشرايين القلبية في هيئتها الصامتة.
وذكرت في الحقيقة أن ثمة إحدى الدراسات العلمية القوية التي توصلت إلى أن وجود مرض السكري من النوع الثاني لدى إنسان ليس لديه أي أعراض لوجود مرض في شرايين القلب، يجعله في حالة طبية مساوية لشخص آخر سليم من مرض السكري وأُصيب في السابق بنوبة قلبية واحدة نتيجة لمرض في الشرايين القلبية.
بمعنى أن وجود مرض السكري يجب أن يُؤخذ بجدية لجهة ارتفاع احتمالات وجود مرض صامت في شرايين القلب.
آلية وأعراض
وما يجعل المصابين بمرض السكري أكثر عُرضة للإصابة بأمراض شرايين القلب، هو أن مضاعفات وتداعيات تلك الاضطرابات في نسبة سكر الدم، وما يتبعها من اضطرابات في الأنظمة الكيميائية الحيوية، تُؤدي إلى حصول أضرار وتلف في البنية الطبيعية والنقية لجدران وعمل الشرايين القلبية.
وتحديدا، تغدو بطانة جدران الشرايين القلبية أكثر سُمكا، مما يُعيق تدفق وجريان الدم من خلالها لتغذية أجزاء عضلة حجرات القلب النابضة.
وحينما يتأثر التدفق الطبيعي لجريان الدم من خلال الشرايين، في القلب أو في الدماغ، فإن من الممكن جدا حصول مشاكل ومضاعفات صحية من نوع نوبة الجلطة القلبية أو السكتة الدماغية.
وهذه النوعية من التضرر والتلف لا تقتصر على شرايين القلب أو الدماغ، بل شرايين طبقة الشبكية في العين، وشرايين تغذية الكلى، والشرايين التي تُغذي الأطراف وعضلاتها، هي الأخرى عُرضة لنفس النوعية من المشاكل، مما يُؤدي إلى ظهور أعراض بحسب العضو المُتأثر.
أي تدني قدرات الإبصار حال تضرر الأوعية الدموية في شبكية العين، وارتفاع ضغط الدم والفشل الكلوي حال تضرر الأوعية الدموية في الكلى، وآلام العضلات حال بذل المجهود البدني والقروح حال تضرر الشرايين المغذية للأطراف، السفلية خصوصا، أي الساقين والقدمين.
وبالرغم من إشارة مصادر طبّ القلب إلى أن المُصابين بأمراض شرايين القلب يتفاوتون في نوعية ومقدار الأعراض التي قد يشكون منها، فإن الأعراض القلبية الأكثر شهرة وانتشارا هي إما واحد مما يلي:
– ألم في أي منطقة من الصدر، أي في ما بين الفك السفلي إلى منطقة السرة من البطن.
– أو ضيق وصعوبة ملحوظة في التنفس. ومعلوم أن الإنسان الطبيعي يتكرر لديه القيام بعملية التنفس دون أن يشعر بذلك.
وتبدأ الصعوبات في التنفس عادة عند بذل الجهد البدني، بشكل لم يسبق للشخص أن شكا منه، أو حال الاستلقاء على الظهر للنوم أو للراحة.
– أو الشعور باضطرابات في نبض القلب، كالزيادة أو اختفاء بعض النبضات أو اختلال نظمها الطبيعي المتكرر.
ومعلوم أيضا أن الإنسان الطبيعي لا يشعر بقلبه وهو ينبض كل مرة يضخ القلب فيها الدم للجسم، وربما يشعر بتلك النبضات حال بذل المجهود البدني أو حال التعرض لمواقف تُثير الجوانب العاطفية لديه، كالخوف أو التهيّب أو الإثارة.
– أو ظهور تورّم وانتفاخ في القدمين، بشكل لم يسبق للمرء أن لاحظه على نفسه، أو بشكل لا يزال بُعيد الراحة من طول الوقوف أو السفر بالطائرة.
وهذه الأعراض قد يشكو من بعضها أو من كلها ذلك الشخص المُصاب بمرض الشرايين القلبية.
ولأن هذه الأعراض قد لا تكون بالضرورة ناجمة عن وجود مرض في شرايين القلب، بل هناك عدة أسباب غير قلبية لألم الصدر أو ضيق التنفس أو اضطرابات نبض القلب أو تورّم القدمين، فإن من الضروري مراجعة الطبيب لدى الشكوى من أي منها.
الوقاية والمعالجة
دون أي إفراط في التفاؤل، تشير الحقائق الطبية إلى أن حتى القيام بالاهتمام الطبي اللازم بمرض السكري لا يُعتبر ضمانة لمنع حصول تضرر الشرايين القلبية، وبالتالي الإصابة بأمراض الشرايين القلبية.
ولذا فإن الطبيب المتابع لمعالجة الحالة الصحية لمريض السكري يلجأ دوما إلى تطبيق مجموعة من العناصر العلاجية والوقائية من أمراض الشرايين تلك.
وهناك عدة عوامل تتحكم في مثل هذه القرارات الطبية المتعلقة بصحة وسلامة قلب الشخص المُصاب بمرض السكري.
ومن أهم العناصر هذه: مقدار العمر، والمستوى العام لصحة الشخص، والتاريخ الماضي لحالة الشخص الصحية، إضافة إلى التاريخ العائلي للشخص.
وهذه العناصر هي الأساس. ثم يأتي ويُضاف إليها، النظر إلى مدى تغلغل مرض السكري لدي الشخص، ومدة الإصابة به. ومن ثم يأتي عنصر مدى تحمّل جسم الشخص، ومستواه الصحي، لأي من تلك العناصر الوقائية أو العلاجية لضمان عدم حصول تداعيات للإصابات الشريانية لدى مريض السكري.
وهذه العناصر الوقائية أو العلاجية قد تكون أدوية يتناولها الشخص أو نوعية من الفحوصات الطبية أو العمليات العلاجية التي يقوم الشخص بالخضوع لها.
وبالإضافة إلى الرأي الطبي، هناك رأي المريض نفسه وتفضيله لأمر دون أخر من تلك الوسائل الوقائية والعلاجية.
وهنا من المهم للطبيب أن يكون واضحا وشفّافا في حديثه مع المريض المصاب بالسكري حول العلاقة بين هذا المرض واحتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب وتداعياتها الصحية المهمة.
وبمناسبة ذكر «الحديث» بين الطبيب والمريض، فإن مرض السكري أحد أهم الأمراض التي يجب أن يكون في المتابعة الطبية لها نوع مختلف من التواصل بين الطبيب والمريض.
والسبب أن معالجة مرض السكري، والعمل على منع حصول تداعياته ومضاعفاته على الأعضاء الكثيرة في الجسم، يفرض الحديث عن المرض نفسه وكيفية تسببه بأذى العديد من أعضاء الجسم، ونوعية الأكل الذي يتناوله الشخص، والاهتمام بالنشاط البدني ونوعيته المطلوبة، والوقاية من الأمراض العامة الأخرى، وغيرها من الجوانب التي تشمل غالبية مساحة أنشطة المرء اليومية.
وحينما تتجه الجهود، التي يبذلها الطبيب ويبذلها المريض، نحو ضبط اضطرابات نسبة سكر الدم وضبط أي انفلات في عوامل خطورة الإصابة بأمراض الشرايين القلبية، المتقدمة الذكر، فإن المعالجة الطبية لمرض السكري تكون في الاتجاه الصحيح نحو الوقاية من الإصابة بأمراض شرايين القلب ونحو المعالجة المبكرة لأي ظهور لها.
ويُمكن تلخيص العناصر، التي بمقدور المُصاب بالسكري اتباعها، فيما يلي:
– الانتظام في مراجعة الطبيب بصفة دورية ووفق ما يطلبه الطبيب، مع الحرص على إجراء الفحوصات والتحاليل التي يُوصي الطبيب بإجرائها قُبيل الحضور للمراجعة الطبية في العيادة.
– إجراء رسم تخطيط القلب، الذي يرصد نوعية النشاط الكهربائي الساري في حجرات القلب حال نبضه، وإجراء تحليل كولسترول الدم والدهون الثلاثية، وقياس ضغط الدم، وفحص نبض الشرايين المغذية للقدمين والساقين.
– التنبه لأي أعراض تظهر على المصاب بشكل لم يسبق له ملاحظته أو ملاحظة الزيادة فيها.
– العمل بشكل جاد للوصول إلى ضبط نسبة سكر الدم ضمن المعدّلات الطبيعية له.
– ضبط مقدار ضغط الدم ضمن المعدّلات الطبيعية، بالوسائل الدوائية، إن لزم الأمر، وبالوسائل غير الدوائية، كخفض وزن الجسم وممارسة الرياضة البدنية وتناول الفواكه والخضار الطازجة وتقليل تناول الصوديوم في ملح الطعام وغيره.
– الاهتمام الجاد بخفض نسبة الكولسترول الخفيف، الضار، لمستوى أدنى من 100 مليغرام لكل ديسيلتر.
– تناول وجبات صحية متوازنة في محتواها من الطاقة وشاملة لتناول الخضار والفواكه الطازجة.
– الامتناع عن التدخين وعن تناول المشروبات الكحولية.
– تناول الأسبرين وفق ما ينصح به الطبيب، حينما لا تكون ثمة موانع من ذلك.