الصرع Epilepsy
الصرع معروف منذ القدم و تسميتة قديمة و لها معاني و إيحاءات تعكس التفاسير القديمة لأسباب الصرع , فهو معروف
باللغة اليونانية Epilepsia بالايبيليبسيا و تعني "يستولي على".
باللغة الانجليزية "سيزر" Seizure .
و باللغة العربية "الصرع".
و جميع هذه المصطلحات توحي بخضوع الجسم تحت سيطرة شئ ما , فكان المعتقد أن المصاب قد مسته روح شريرة لذلك كانت طرق العلاج آنذاك تهدف إلى اخراج تلك الأرواح.
مثل إحداث ثقب بالدماغ لكي تفر منه الأرواح الشريرة أو بالضرب أو الكي بالنار أو التقيد بالسلاسل و التغطية بالقماش الأسود أو إقامة الزار و طرق أخرى متعددة و مختلفة الأشكال بإختلاف تقاليد و ثقافة كل مجتمع.
الاصابة بالصرع :
مرض الصرع من الأمراض الشائعة نسبيا
و تتراوح نسبة الانتشار في المجتمع ما بين (5-7) حالة في كل 1000 فرد.
و هو قد يصيب الانسان في أي مرحلة من مراحل العمر من الولادة و حتى الشيخوخة.
النظرة الاجتماعية لمريض الصرع :
بسبب الجهل بطبيعة الدماغ و الفهم الخاطئ لحالة الصرع و الأسباب المؤدية له يعاني الأشخاص المصابون بالصرع من العزلة الاجتماعية.
فالمجتمع ينظر إلى مرضى القلب و الربو و الأمراض المزمنة الآخرى بالرأفة و العطف و الاستعداد للمساعدة و لكنه ينظر للمصابين بالصرع بالريبة و الشك و الخوف فيتجنبهم و يجعلهم في عزلة عنه.
و نتيجة لذلك يضطر المصاب بالصرع أو أقاربه الابقاء على حالته سرا و في طي الكتمان قدر الامكان تجنبا لتلك النظرة الاجتماعية الخاطئة. هذا بالاضافة إلى انتشار الفكرة الخاطئة عن الصرع بأنه شديد الأثر على المصاب , إلا أن واقع الأمر أن الصرع مثله مثل باقي الأمراض الجسدية الأخرى فمنه الخفيف و المتوسط و القليل منه الشديد.
و مع تطور الطب بدأ العلماء التعرف على جوانب كانت مجهولة في وظائف الدماغ و كيفية حدوث الصرع و ما زالت هناك جوانب أخرى يجهلها الانسان.
ماذا تعني كلمة الصرع كمصطلح طبي :
الصرع يعني (فقط) القابلية عند الفرد لتكرار حدوث النوبة الصرعية .
و النوبة الصرعية Epileptic Seizure الواحدة تعني حدوث إضطراب مؤقت في وظيفة من وظائف الدماغ (أو عدة وظائف مجتمعة). و هذا الاضطراب يحدث بغتة و عادة لفترة زمنية محدودة (تستمر لدقائق) ثم ينتهي فجأة أي أن البداية و النهاية لهما حدود واضحة.
و عندما تت تلك النوبات الصرعية عند الفرد مرتين أو أكثر ( و بدون وجود أمراض أخرى محفزة مثل التهاب السحايا أو هبوط السكر المفاجئ ) تسمى تلك الحالة بحالة الصرع (Epilepsy) .
إذن الصرع كتشخيص طبي ليس مرضا نفسيا و لا يعني خلل في السلوك أو اصابة الفرد بدرجة أو آخرى من التخلف العقلي.
كيفية حدوث النوبة الصرعية :
بسبب الطبيعة الكهربائية للخلاي العصبية فأنه قد يحدث أن تكون هناك خلايا عصبية متصلة فيما بينها تصدر إشارات كهربائية زائدة و غير منتظمة في أحد مراكز المخ , مما ينتج عنه نشاط غير طبيعي ينعكس كإضطراب مؤقت في وظيفة ذلك المركز من المخ و هذا ما يسمى بالنوبة الصرعية (Epileptic Seizure) .
أشكال النوبة الصرعية :
تنوع أشكال النوبات الصرعية بحسب المركز المتأثر أو "المراكز" بالنشاط الصرعي فمثلا
1- نوبة صرعية في أحد مراكز الإحساس :
ينتج عنها إحساس غير واقعي كشم رائحة غريبة أو رؤية أضواء و ألوان غير حقيقية أو الإحساس بالألم أو التنميل في جزء من الجسم.
2- نوبة صرعية في أحد مراكز الحركة :
و ينتج عنها ما يسمى بالتشنج (Convulsion) حيث تكون حركة الأطراف عنيفة و قد يصاحب ذلك فقدان الوعي و السقوط على الأرض.
3- نوبة صرعية في أحد مراكز السلوك :
ينتج عنها سلوك غير مبرر كالضحك من غير سبب أو الشعور بالخوف أو الألفة أو القيام بالركض من غير هدف أو عمل حركات باليد مشابهة لحركات الكتابة أو فتح العلب و الأزرار.
أنواع النوبات الصرعية :
تنقسم إلى نوعين رئيسين حسب حدوث فقدان الوعي من عدمه.
1- النوبات الصرعية العامة Generalized Seizures :
و هي التي ينتشر فيها النشاط الصرعي ليشمل المخ كل و فيها يفقد المصاب وعيه بالكامل و قد يصاحبها حدوث تبول لا إرادي مع زيادة إفرازات اللعاب (رغاوي الفم).
2- النوبات الصرعية الجزئية Partial Seizures :
و هي التي يبقى فيها النشاط الصرعي محدودا بمركز أو أكثر من مراكز المخ دون أن يشمل المخ كل و هي بذلك تكون غير مصاحبة بفقدان الوعي.
العوامل التي تؤدي إلى حالة الصرع :
1- عوامل ذاتية :
أن الغالبية من المصابين بالصرع لا يوجد عندهم أي مرض بالجهاز العصبي.
و تكون الفحوصات الجسدية و المختبرية سليمة و يسمى بالصرع الذاتي (Idiopathic Epilepsy) , و هي تشكل نسبة 75% من حالات الصرع.
و في هذه الحالات تكون طبيعة بعض خلايا المخ ذات قابلية أو إستعداد صرعي أكبر من المعدل الطبيعي دون وجود سبب مباشر. و هذا مشابه تماما للمصابين بالحساسية و الربو, حيث تكون أجسامهم لديها قابلية للحساية أكثر من غيرهام دون وجود أسباب مر ضية واضحة و محددة.
2- عوامل مكتسبة (Acquired):
و هي التي تؤدي إلى تلف بعض خلايا المخ مسببة تليفها (Scaring) و تصل نسبة الإصابة إلى 25% من حالات الصرع.
و من هذه العوامل
نقص الأوكسجين و الإختناق خصوصا عند المواليد أثناء الولادة.
إصابات الدماغ من الحوادث المختلفة (حوادث الطرق).
حدوث نزف في المخ أو تجلط في الأوعية الدموية في المخ.
التهابات المخ (Encephalitis).
التهابات السحايا (Meningitis).
التشوهات الخلقية في أنسجة المخ .
أما أورام المخ ( Brain Tumors) فنادرا ما تكون سببا لحالة الصرع.
كيفية تشخيص حالات الصرع :
يعتمد الطبيب المعالج في التشخيص أساسا على
1- الوصف التفصيلي للنوبات الصرعية :
من قبل الأقرباء أو الأصدقاء الذين شاهدوا حدوث النوبة الصرعية (خصوصا عند صغار السن).
المصاب البالغ نفسه إن لم تكن النوبة الصرعية قد سببت فقدان الوعي.
2- إجراء تخطيط موجات المخ الكهربائية :
و الذي بذاته لا يشخص أو ينفي حالة الصرع . و لكنه ذو فائدة في تحديد نوع النوبات الصرعية و قد يساهم في تحديد نوع العلاج.
3- فحوصات مختبرية :
عادة يتم إجراء بعض الفحوصات المختبرية (دم … بول) لتقييم الوضع الصحي للحالة قبل بدء العلاج.
4- فحص المخ بالأشعة :
كالأشعة المقطعية (C.T.Scan) أو أشعة الرنين المغناطيسي (MRI) و قد يستعين بها الطبيب المعالج لتقييم حالة المريض للتأكد من عدم وجود مرض مسبب للصرع إن كان هناك شك في ذلك.
كيفية التعامل مع مريض الصرع :
المعرفة من أهم وسائل التعامل الصحيح مع مرضى الصرع. فهو من الحالات المرضية مثل باقي الأمراض الأخرى فيمكن السيطرة على المرض بالأدوية المتعددة و كثيرا منهم من يتشافون بعد فترة من العلاج المناسب.
و الصرع لا ينتقل إلى الأخرين ! فهو ليس من الأمراض المعدية "فلا ينبغي أن تكون هناك نظرة تشاؤمية مبالغ فيها حيال مرضى الصرع, حيث أن الغالبية منهم يتمتعون بنسبة ذكاء طبيعي" و يمكنهم الإنخراط في المدارس و الجامعات و الحصول على المؤهلات العليا. و ليس ذلك فحسب بل يمكنهم ممارسة الأنشطة اليومية العادية و الرياضة و السفر .
و لكن يجب مراعاة بعض الأحتياطات التالية
1- في البيت :
معاملة المصاب بالصرع كبقية أفراد الأسرة من حيث الحقوق و الواجبات.
تربية الوالدين له سوف تنعكس عليه عند الكبر فلا ينبغي التدليل المفرط أو التسامح الزائد.
غرس الثقة في نفس المريض بالصرع.
عدم المبالغة في حماية مريض الصرع حتى لا تقيد حريته و لا تتأثر سلامة نموه النفسي.
لا تجعله يخفي حالتة و كأنها عيب فيه.
إعلام أصدقائه عن حالتة حتى إن حدثت له النوبة أمامهم لا يفاجئوا بها.
عند دخو ل الحمام ينبغي عدم قفل الباب و كذلك عدم ملء البانيو بالماء.
2- في المدرسة :
ينبغي إحاطة إدارة المدرسة و المدرسين و الممرضة بحالة الطالب المصاب بالصرع و نوع العلاج حتى لا يفاجئوا بحدوث الحالة.
تشجيع الطالب على المشاركة في الأنشطة المدرسية و زرع الثقة فيه.
هناك نوع من النوبات الصرعية تحدث على شكل سرحان و قد يتكرر حدوثها في الحص المدرسية و هنا ينبغي عدم لوم الطالب أو تأنيبه لأنه عمل غير إرادي , و هذه النوبات يجب إعلام الوالدين بها حتى يبلغوا الطبيب المعالج لإتخاذ الإجراء المناسب.
3- إرشادات عامة :
عند مزاولة الرياضة يجب أخذ الإحتياطات التالية
عند ركوب الدراجات الهوائية يستلزم لبس الخوذة لحماية الرأس.
عند السباحة يجب أن يتواجد شخص بالغ (منقذ) على علم بحالة المريض.
ينبغي تجنب رياضة التسلق لتفادي السقوط في حالة حدوث النوبة.
لا ينصح بقيادة السيارة أو الدراجة الآلية إلا بعد السيطرة التامة على النوبات الصرعية و موافقة الطبيب المعالج.
ينصح بتجنب الأعمال الحرفية التي تتطلب التواجد في الأماكن العالية و الغير محمية أو الوقوف أمام المكائن الكهربائية الثقيلة.
ماذا تفعل عند حدوث نوبة صرعية لشخص أمامك؟؟
عند حدوث نوبة التشنج (الصرعي) العام
لا تحاول منع الحركات العضلية حتى و إن كانت عنيفة.
لا تحاول وضع أجسام في فم الشخص المصاب أو بين أسنانه.
لا داعي لنقل الشخص المصاب من مكانه إلا في حالات الخوف من إصابته بالضر مثل (قربه من النار أو طريق مرور السيارات أو وجوده في المياه "حمام سباحة أو البحر" أو على حافة سطح عالي".
عند توقف نوبة التشنج
وضع الشخص المصاب على أحد جنبيه (الشكل).
لا تعطيه أي نوع من الشراب.
فك الأحزمة و الأزرار الضاغطة.
إبق مع المريض حتى يستعيد وعيه بالكامل.
في حالة إستمرار نوبة التشنج لمدة 5 دقائق أو أكثر ينبغي طلب الإسعاف لنقله إلى أقرب مركز صحي.
نصائح عامة للمصابين بالنوبات الصرعية :
لا تخجل من تعريف الآخرين بمشكلتك و لا تت في شرح طبيعة الحالة قدر الإمكان.
تناول الدواء بإنتظام و حسب إرشادات الطبيب.
عدم التوقف عن أخذ الدواء لأي سبب كان إلا بمعرفة الطبيب المعالج
تسجيل الملاحظات عند حدوث النوبات الصرعية (عددها ..توقيتها.. كيفيتها) قدر الإمكان.
تجنب العوامل التي تساعد على حدوث النوبات الصرعية "إن عرفت" كالقرب من التلفزيون … الإبهار النفسي" الإرهاق الجسدي و إرتفاع درجة حرارة الجسم لفترة طويلة.
المصدر:
دكتور يوسف قاسم حبيب – استشاري أمراض الجهاز العصبي – الكويت++++
الله يعطيكى العافيه