آخر كذبات الكبار
في وسط الظلمة ورائحة البخور أسمع صوتا ذا لكنة كليسية
هل لمست جسمك بكلتا يديك؟
نعم أيها الأب.
متى يا ابنتي؟
كل يوم…
كل يوم! هذه خطيئة خطيرة في وجه الله، الطهارة هي الفضيلة الكبرى التي تميز طفلة ما، عليك الوعد بعدم الاستمرار في فعل ذلك!
وعدت،..، بالرغم من أني لا أعرف كيف أغسل وجهي أو أن أنظف أسناني دون أن ألمس جسمي بكلتا يدي.
"إيزابيل اليندي"
كم كان علي أن أخبئ حلمي البكر حين كانت يداي الصغيرة تغرف من اشتهاءات الحلم حد حدود الرعشة المبهمة التي لم يكن ليستصيغها وعي الصغير آنذاك !
كانت اختلاجات السرير القابع على جانب الغرفة التي تضمني وإخوتي الثلاث بمعية والدّي، يثير في مخيلة الطفلة المثير من التساؤلات
لماذا يتهامسان وهما من يعلو صراخهما في وضح النهار حد الشتيمة ؟
لم يكن عصيا على عقلي المشغول بمساحات العب والشغب أن يقرأ ملامح ذلك العراك الذي كنت أحسه ليلا على سرير والدّي، فيما هي تشعل جبروت ذلك الرجل ليستحيل الى همهمات شيقة كانت تأنس لها تلك الانثى التي كانت تدعى أمي !!
في ساعات الفجر، كنت أرتقب ساعات انبلاج الصباح كي أميط الثام عن هواجس اليل، لأكتشف بريقا مغسولاً بندى الخجل في عينيها، أرقبها فيما هي تحمل الماء الى الحمام لتغيب مطولاً وتخرج مبتلة تتناثر خصلات شعرها الكستنائي على كتفيها الرقيقين.
كأنما كانت تحس بفضول الطفلة بي، فتعمد الى عدم الالتفات إليّ، تتناول بضعة قروش من جيب سترة والدي المعلقة على مسمار خلف الباب، وترسل أخي الى البقالة لشراء الخبز لتبدأ بتحضير وجبة الفطور، وتصر فيما هي توزع قطع الخبز علينا ان تتحاشى النظر إليّ أو هكذا كان يخيل لي !
في الزقاق الضيق الواقع بمحاذاة بيتنا الطيني، بدأت أرى الاشياء من حولي أكثر ألفة، ولم تتوان دخيلتي الشريرة من الاقتراب من "هاني" فيما هو يقتعد "كرتونة" وقد أطل رأسه الأشعث من بين طياتها اتقاء لوهج شمس آب التي تبعث على كآبة كانت تقتحم ايام العظلة المدرسية فنلقاها بروح متحدية ونواصل مغامراتنا في الجري والسرقات الصغيرة !!
وعلى غير اتفاق، حمل هاني كرتونته ومضينا معا الى آخر الزقاق المغلق الذي ينتهي بمساحة مربعة تطل عليها نوافذ بعض بيوت الحي، فيما تسربت رائحة الأطعمة لاكثر من صنف، لتشكل في مجموعها مائدة مغرية تشبه ما بدأته للتو مع هاني !
لم يقتعدا الكرتونة ابدا، فقد استلقت الطفلة بعبث طفولي على المساحة الكرتونية التي فردا جنباتها فبدت أكبر حجما، ودون سؤال تمد الصغير الى جانب رفيقته ، تحدثا عن "الحنش" الكبير الذي رأته أم علي يدخل هذا الزقاق، وتساءلا عن حقيقة هذه الرواية، واتفقا بأنها احدى كذبات الكبار ليس إلا لمنع أطفال الحي من الدخول الى الزقاق.
لبرهة ، أحست الطفل الرجل الى جانبها ، مالت الصغيرة نحو رفيقها، مكتفية بالالتصاق ولا شيء غيره، الى ان عمدت الى اصدار "وشوشة" لرفيقها أن كفى !!
في المساء، وقبل ان يطفئ والدها النور، صمّت أذنيها وأصرّت عينيها، رافضة ان تسمع او ترى، لا تريد ان تستذكر شيئا، حتى هاني الذي تراءى لها فيما هي توقف حواسها عن العمل، بدى لها شبيها بذلك "الحنش" .. أحد كذبات الكبار !!!