"تتناقص نسبة الرضاعة الطبيعية في السعودية بعد الساعات الأولى من الولادة من 90 في المائة إلى 60 في المائة قبل نهاية الشهر الأول من الولادة بسبب اعتماد الأمهات فيه على التغذية الصناعية".
هذا ما ذكرته الدراسات والأبحاث التي أفادت بها البندري أبو نيان المشرفة على برنامج الرضاعة الطبيعية في وزارة الصحة، ليس هذا فحسب، بل إن دراسة أخرى نفذتها سحر الدوسري استشارية طب أطفال في المنطقة الشرقية لاحظت فيها تراجع نسبة المرضعات إلى 50 في المائة في 2022 بعد وصولها إلى 70 في المائة في 2022م.
الدراسة التي قامت بها سحر الدوسري رئيسة قسم الأطفال في مستشفى خاص في المنطقة الشرقية، شملت أكثر من ثلاثة آلاف امرأة تلد سنويا, لاحظت فيها تراجع الرضاعة الطبيعية من 70 في المائة إلى 50 في المائة، موضحة تراوح نسبة السعوديات المرضعات خلال الأعوام الثمانية الماضية نتيجة الحملات المكثفة والبرامج التوعوية بأهمية الرضاعة ومدى قدرتها في إقناع الأمهات، حيث وصلت إلى 76 في المائة، بعدما كانت فقط 2 في المائة خلال الأعوام ما بين 2022 و2004م.
واعتبرت الدوسري أن أغلب مشكلات الأطفال الصحية ناتجة من تغذيتهم الصناعية، إضافة لحرمانهم من عاطفة حنان الأمومة، مشيرة إلى أن عملية الخلط ما بين "الطبيعي والصناعي" تجعل الطفل يستسهل الحليب الصناعي بسبب الأداة المستخدمة "الحلمة الصناعية"، وركزت الدوسري على أهمية أن تبذل والدة الطفل الذي يرقد في العناية المركزة أو الحضانة مجهودا أكبر بضخ الحليب والاحتفاظ به له بعد خروجه.
وعلى الرغم من معرفة النساء بالدور الكبير الذي يعمله الرضاع كحماية من أمراض السرطانات وخاصة سرطان الثدي وشفاءه لحالات كانت مصابة به وتعزيزه لمناعة الأطفال وإكسابهم للذكاء، إلا أن كثيرا من الأمهات يُعرضن عنه بحسب ما أفادت زهرة البصري استشارية الرضاعة من مستشفى الملك عبد العزيز في الحرس الوطني في الأحساء، منوهة إلى أن طالبتين فقط من بين 200 طالبة في إحدى مدارس المرحلة الثانوية في الأحساء ذكرتا لها أنهما شاهدتا نساء يرضعن أطفالهن، وذلك خلال زيارتها التثقيفية العام الماضي.
وتقول البصري إن أغلبية الأمهات يعتقدن أن كمية اللباء في الأيام الأولى الثلاثة إلى الخمسة بعد الولادة لا تكفي المولود، مؤكدة أن هذا خلاف الحقيقة؛ لأن كمية اللباء تتراوح بين 10 و 15 ميلي لتر في ثدي المرأة، بينما يصل حجم معدة الطفل واتساعها ما بين 4 و7 ميلي لتر فقط، أي بما يزيد على حاجته، متأسفة عما يصدر من بعض الأطباء إرشادهم للأمهات باستخدام الحليب الصناعي لأبسط المشاكل الصحية التي تعترض الصغار.
من جهة أخرى، يشدد الدكتور محمد حبال استشاري باطنية من مستشفى الملك فهد في الدمام على ضرورة الرضاعة الطبيعية، ويقول "من المفترض عدم إعطاء الأطفال الرضع حليبا صناعيا؛ لأنه يدمر الخلايا الجذعية في الجسم ويؤثر في النشاط العقلي خاصة أن الحليب البقري المستورد من دول أوروبية باتت تعطي علفا حيوانيا بدلا من العلف النباتي لأبقارها، محذرا من إمكانية إصابة الأطفال بمرض جنون البقر الذي لا يظهر إلا بعد 20 إلى 30 سنة لتناولهم حليبا مجففا من بقر مصاب بذات المرض".
ويدعو حبال وسائل الإعلام بمختلف أشكالها، إضافة إلى أئمة المساجد، إلى الإسهام مع الطاقم الطبي في نشر ثقافة الرضاعة الطبيعية كونها المصدر الأول في تأسيس وبنيان وتقويم سلوك الإنسان وتحديد شخصيته.
وفي هذا الإطار، يذكر الدكتور محمد النجيمي عضو مجمع الفقه الإسلامي في مسألة الرضاعة الطبيعية قولين: أحدهما الاستحباب، وهو الرأي الأرجح والأكثر اتفاقا بين العلماء، والآخر الوجوب في حال لم يلق الرضيع سوى صدر أمه أو لم يقبل إلا الرضاع من ثدييها، فهنا يتأكد في حق الأم الرضاعة.
ويقول النجيمي: "إذا ثبت علميا في الطب مضار الحليب الصناعي وفساده، وعلم الوالدان بالضرر يتوجب على الأم إرضاع وليدها، وتعد آثمة والأب آثما إذا أعطياه اللبن الصناعي، وإن تسبب ذلك في مرضه وموته فعليهما هنا كفارة القتل الخطأ"، مؤكدا عدم جواز شراء الأب لعلب الحليب وحُرمة ذلك عليه إن علم بضرره