ورد ذكر القصة في سورة اﻷعراف اﻵيات 148- 154، قال الله تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْﻼً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيﻼً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ، وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ، وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى اﻷَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ، قَالَ ابن أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَﻼ تُشْمِتْ بِي الْأَعْدَاءَ وَﻻ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَﻷَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ اﻷَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}.
وقال تعالى: في سورة طه اﻵيات83-98، {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى، قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى، قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمْ السَّامِرِيُّ، فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمْ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي، قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ، فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْﻼً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ، أَفَﻼ يَرَوْنَ أَﻻَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْﻻً وَﻻ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَﻻ نَفْعاً، وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمْ الرَّحْمَانُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي، قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى،قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَﻻَّ تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي، قَالَ يَبْنَؤُمَّ ﻻ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَﻻ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي، قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ، قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي، قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ ﻻ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً، إِنَّمَا إِلَهُكُمْ اللَّهُ الَّذِي ﻻ إِلَهَ إِﻻَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً}.
*قصة عبادتهم العجل في غيبة كليم الله (سيدنا موسى عليه السﻼم) عنهم:*يذكر تعالى ما كان من أمر بني إسرائيل، حين ذهب موسى عليه السﻼم إلى ميقات ربه فمكث على الطور يناجيه ربه ويسأله موسى عليه السﻼم عن أشياء كثيرة وهو تعالى يجيبه عنها.
فعمد رجل منهم يقال له هارونالسامري، فأخذ ما كانوا استعاروه من الحلي، فصاغ منه عجﻼً وألقى فيه قبضة من التراب، كان أخذها من أثر فرس جبريل، حين رآه يوم أغرق الله فرعون على يديه. فلما ألقاها فيه خار كما يخور العجل الحقيقي. ويقال إنه استحال عجﻼً جسداً أي لحماً ودماً حياً يخور، قال قتادة وغيره. وقيل بل كانت الريح إذا دخلت من دبره خرجت من فمه فيخور كمن تخور البقرة، فيرقصون حوله ويفرحون.
{فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ}. أي فنسي موسى ربه عندنا، وذهب يتطلبه وهو هاهنا! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، وتقدست أسماؤه وصفاته، وتضاعفت آﻻؤه وهباته.
قال الله تعالى مبيناً بطﻼن ما ذهبوا إليه، وما عولوا عليه من إلهية هذا الذي قصاراه أن يكون حيواناً بهيماً أو شيطاناً رجيماً: {أَفَﻼ يَرَوْنَ أَﻻَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْﻻً وَﻻ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَﻻ نَفْعاً}. وقال: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ ﻻ يُكَلِّمُهُمْ وَﻻ يَهْدِيهِمْ سَبِيﻼً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ}.
فذكر أن هذا الحيوان ﻻ يتكلم وﻻ يرد جواباً، وﻻ يملك ضراً وﻻ نفعاً، وﻻ يهدي إلى رشد، اتخذوه وهم ظالمون ﻷنفسهم، عالمون في أنفسهم بطﻼن ما هم عليه من الجهل والضﻼل.
{وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ}. أي ندموا على ما صنعوا {وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ}.
ولما رجع موسى عليه السﻼم إليهم، ورأى ما هم عليه من عبادة العجل، ومعه اﻷلواح المتضمنة التوراة، ألقاها، فيقال إنه كسرها. وهكذا هو عند أهل الكتاب، وإن الله أبدله غيرها، وليس في اللفظ القرآني ما يدل على ذلك، إﻻ أنه ألقاها حين عاين ما عاين.
وعند أهل الكتاب: أنهما كانا لوحين، وظاهر القرآن أنها ألواح متعددة. ولم يتأثر بمجرد الخبر من الله تعالى عن عبادة العجل، فأمره بمعاينة ذلك.
ولهذا جاء في الحديث الذي رواه اﻹمام أحمد وابن حبان عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس الخبر كالمعاينة". ثم أقبل عليهم فعنفهم ووبخهم وهجنهم في صنيعهم هذا القبيح فاعتذروا إليه، بما ليس بصحيح، قالوا إنا {حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ}. تحرجوا من تملك حلي آل فرعون وهم أهل حرب، وقد أمرهم الله بأخذه وأباحه لهم، ولم يتحرجوا بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم من عبادة العجل الجسد الذي له خوار، مع الواحد اﻷحد الفرد الصمد القهار!.
ثم أقبل على أخيه هارون عليه السﻼم قائﻼً له {يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَﻻَّ تَتَّبِعَنِي}. أي هﻼ لما رأيت ما صنعوا اتبعتني فأعلمتني بما فعلوا، فقال: {إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسرائِيلَ}. أي تركتهم وجئتني وأنت قد استخلفتني فيهم.
{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَﻷَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}. وقد كان هارون عليه السﻼم نهاهم عن هذا الصنيع الفظيع أشد النهي، وزجرهم عنه أتم الزجر.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ}. أي إنما قدر الله أمر هذا العجل وجعله يخور فتنة واختباراً لكم، {وَإِنَّ رَبَّكُمْ الرَّحْمَانُ}. أي ﻻ هذا {فَاتَّبِعُونِي}. أي فيما أقول لكم {وَأَطِيعُوا أَمْرِي، قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى}. يشهد الله لهارون عليه السﻼم {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً}. أنه نهاهم وزجرهم عن ذلك فلم يطيعوه ولم يتبعوه.
ثم أقبل موسى علىالسامري{قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ}. أي ما حملك على ما صنعت {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ}. أي رأيت جبرائيل وهو راكب فرساً {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ}. أي من أثر فرس جبريل. وقد ذكر بعضهم أنه رآه، وكلما وطئت بحوافرها على موضع اخضّر وأعشب، فأخذ من أثر حافرها، فلما ألقاه في هذا العجل المصنوع من الذهب كان من أمره ما كان.
ولهذا قال: {فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي، قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ ﻻ مِسَاسَ}. وهذا دعاء عليه بأن ﻻ يمس أحداً، معاقبة له على مسه ما لم يكن له مسه، هذا معاقبة له في الدنيا، ثم توعده في اﻷخرى فقال: {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ} – وقرئ {لَنْ تُخْلَفَهُ} {وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً}. قال: فعمد موسى عليه السﻼم إلى هذا العجل، فحرقه قيل بالنار، كما قاله قتادة وغيره. وقيل بالمبارد، كما قاله عليّ وابن عباس وغيرهما، وهو نص أهل الكتاب، ثم ذراه في البحر، وأمر بني إسرائيل فشربوا، فمن كان من عابديه علق على شفاههم من ذلك الرماد ما يدل عليه، وقيل بل اصفرت ألوانهم.
ثم قال تعالى إخباراً عن موسى أنه قال لهم: {إِنَّمَا إِلَهُكُمْ اللَّهُ الَّذِي ﻻ إِلَهَ إِﻻَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً}.
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}
وهكذا وقع. وقد قال بعض السلف: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} مسجلة لكل صاحب بدعة إلى يوم القيامة!
ثم أخبر تعالى عن حلمه ورحمته بخلقه، وإحسانه على عبيده في قبوله توبة من تاب إليه، بتوبته عليه، فقال: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}.
لكن لم يقبل الله توبة عابدي العجل إﻻ بالقتل، كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} فيقال إنهم أصبحوا يوماً وقد أخذ من لم يعبد العجل في أيديهم السيوف، وألقى الله عليهم ضباباً حتى ﻻ يعرف القريب قريبه وﻻ النسيب نسيبه، ثم مالوا على عابديه فقتلوهم وحصدوهم فيقال إنهم قتلوا في صبيحة واحدة سبعين ألفاً!
ثم قال تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ اﻷَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}. استدل بعضهم بقوله: {وَفِي نُسْخَتِهَا}. على أنها تكسرت، وفي هذا اﻻستدﻻل نظر، وليس في اللفظ ما يدل على أنها تكسرت، والله أعلم.
ذكر ابن عباس في حديث الفتون كما سيأتي: أن عبادتهم… على أثر خروجهم من البحر. وما هو ببعيد، ﻷنهم حين خرجوا {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}. وهكذا عند أهل الكتاب، فإن عبادتهم العجل كانت قبل مجيئهم بﻼد بيت المقدس. وذلك أنهم لما أمروا بقتل من عبد العجل، قتلوا في أول يوم ثﻼثة آﻻف، ثم ذهب موسى يستغفر لهم، فغفر لهم بشرط أن يدخلوا اﻷرض المقدسة.
قال تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُﻼً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِﻻَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ، وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي اﻵخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ اﻷُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَاﻹِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَاﻷَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}.
ذكر السدي وابن عباس وغيرهما أن هؤﻻء السبعين كانوا علماء بني إسرائيل، ومعهم موسى وهارون ويوشع وناذاب وأبيهو، ذهبوا مع موسى عليه السﻼم ليعتذروا عن بني إسرائيل في عبادة من عبد منهم العجل. وكانوا قد أمروا أن يتطيبوا ويتطهروا ويغتسلوا، فلما ذهبوا معه واقتربوا من الجبل وعليه الغمام وعمود النور ساطع صعد موسى الجبل.
فذكر بنو إسرائيل أنهم سمعوا كﻼم الله. وهذا قد وافقهم عليه طائفة من المفسرين، وحملوا عليه قوله تعالى: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَﻼمَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
وليس هذا بﻼزم، لقوله تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَﻼمَ اللَّهِ}. أي مبلغاً، وهكذا هؤﻻء سمعوه مبلغاً من موسى عليه السﻼم.
وزعموا أيضاً أن السبعين رأوا الله، وهذا غلط منهم، ﻷنهم لما سألوا الرؤية أخذتهم الرجفة، كما قال تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ، ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. وقال هاهنا {فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ}.
قال محمد بن إسحاق: اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجﻼً: الخير فالخير، وقال انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه بما صنعتم وسلوه التوبة على ما تركتم وراءكم من قومكم، صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم.
فخرج بهم إلى طور سيناء، لميقات وقَّته له ربه، وكان ﻻ يأتيه إﻻ بإذن منه وعلم. فطلب منه السبعون أن يسمعوا كﻼم الله، فقال: أفعل.
فلما دنا موسى من الجبل، وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله، ودنا موسى فدخل في الغمام، وقال للقوم: ادنوا. وكان موسى إذا كلمه الله، وقع على جبهته نور ساطع ﻻ يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه. فضرب دونه الحجاب، ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجوداً، فسمعوه وهو يكلم موسى، يأمره وينهاه: افعل وﻻ تفعل. فلما فرغ الله من أمره وانكشف عن موسى الغمام أقبل إليهم فقالوا: {يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}. فأخذتهم الرجفة، وهي الصاعقة فأتلفت أرواحهم فماتوا جميعاً. فقام موسى يناشد ربه ويدعوه، ويرغب إليه ويقول: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} أي ﻻ تؤاخذنا بما فعل السفهاء الذين عبدوا العجل منا فإنا براء مما عملوا.
وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جريج: إنما أخذتهم الرجفة ﻷنهم لم ينهوا قومهم عن عبادة العجل. وقوله: {إِنْ هِيَ إِﻻَّ فِتْنَتُكَ}. أي اختبارك وابتﻼؤك وامتحانك. قاله ابن عباس وسعيد بن جبير وأبو العالية والربيع بن أنس، وغير واحد من علماء السلف والخلف، يعني أنت الذي قدّرت هذا، وخلقت ما كان من أمر العجل اختباراً تختبرهم به كما: {قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ}. أي اختبرتم.
ولهذا قال: {تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ}. أي من شئت أظللته باختبارك إياه، ومن شئت هديته، لك الحكم والمشيئة وﻻ مانع وﻻ راد لما حكمت وقضيت.
قال الله تعالى: {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ، وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي اﻵخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}. أي تبنا إليك ورجعنا وأنبنا. قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو العالية وإبراهيم التيمي والضحاك والسدي وقتادة وغير واحد. وهو كذلك في اللغة. {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}. أي أنا أعذب من شئت بما أشاء من اﻷمور التي أخلقها وأقدرها.
{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}. كما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله لما فرغ من خلق السماوات واﻷرض كتب كتاباً فهو موضوع عنده فوق العرش: (إن رحمتي تغلب غضبي) {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}. أي فسأوجبها حتماً لمن يتصف بهذه الصفات: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ اﻷُمِّيَّ} اﻵية.
وهذا فيه تنويه بذكر محمد صلى الله عليه وسلم وأمته من الله لموسى عليه السﻼم، في جملة ما ناجاه به وأعلمه وأطلعه عليه. وقد تكلمنا على هذه اﻵية وما بعدها في التفسير بما فيه كفاية ومقنع، ولله الحمد والمنة.
وقال قتادة: قال موسى: يا رب إني أجد في اﻷلواح أمة هي خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب إني أجد في اﻷلواح أمة هم اﻵخرون في الخلق، السابقون في دخول الجنة، رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب إني أجد في اﻷلواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرؤونها، وكان من قبلهم يقرؤون كتابهم نظراً، حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئاً ولم يعرفوه، وإن الله أعطاهم من الحفظ شيئاً لم يعطه أحداً من اﻷمم، قال: رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب إني أجد في اﻷلواح أمة يؤمنون بالكتاب اﻷول وبالكتاب اﻵخر، ويقاتلون فضول الضﻼلة حتى يقاتلوا اﻷعور الكذاب، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب إني أجد في اﻷلواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم ويؤجرون عليها. وكان من قبلهم من اﻷمم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه بعث الله عليها ناراً فأكلتها، وإن ردت عليه تركت فتأكلها السباع والطير، وإن الله أخذ صدقاتهم من غنيهم لفقيرهم، قال: رب فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب فإني أجد في اﻷلواح أمة إذا هَمَّ أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف. قال: رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب إني أجد في اﻷلواح أمة هم المشفعون المشفوع لهم، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال قتادة: فذكر لنا أن موسى عليه السﻼم نبذ اﻷلواح، وقال: اللهم اجعلني من أمة أحمد.
وقد ذكر كثير من الناس ما كان من مناجاة موسى عليه السﻼم، وأوردوا أشياء كثيرة ﻻ أصل لها ونحن نذكر ما تيسر ذكره من اﻷحاديث واﻵثار بعون الله وتوفيقه، وحسن هدايته ومعونته وتأييده.
قال الحافظ أبو حاتم محمد بن حاتم بن حبان في صحيحه: (ذكر سؤال كليم الله ربه عز وجل عن أدنى أهل الجنة وأرفعهم منزلة): أخبرنا عمر بن سعيد الطائي ببلخ، حدثنا حامد بن يحيى البلخي، حدثنا سفيان، حدثنا مطرف بن طريف وعبد الملك بن أبجر شيخان صالحان، قاﻻ: سمعنا الشعبي يقول: سمعت المغيرة بن شعبة يقول على المنبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن موسى عليه السﻼم سأل ربه عز وجل: أي أهل الجنة أدنى منزلة؟ فقال: رجل يجيء بعدما يدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: أدخل الجنة، فيقول: كيف أدخل الجنة وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا إخاذاتهم؟ فيقال له: ترضى أن يكون لك من الجنة مثل ما كان لملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: نعم أي رب، فيقال: لك هذا ومثله معه، فيقول: أي رب رضيت؛ فيقال له: لك مع هذا ما اشتهت نفسك، ولذت عينك. وسأل ربه: (أي أهل الجنة أرفع منزلة؟ قال: سأحدثك عنهم، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فﻼ عين رأت وﻻ أذن سمعت وﻻ خطر على قلب بشر).
ومصداق ذلك في كتاب الله عز وجل: {فَﻼ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
وهكذا رواه مسلم والترمذي كﻼهما عن ابن أبي عمر، عن سفيان وهو ابن عيينه به. ولفظ مسلم: "فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلك مَلك من ملوك الدنيا؟ فيقال رضيت رب. فيقال له: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله، فيقول في الخامسة: رضيت رب. فيقال: هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك، فيقول: رضيت رب (قال رب فأعﻼهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت غرس كرامتهم بيدي وختمت عليها، فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر).
قال: ومصداقه من كتاب الله: {فَﻼ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
وقال الترمذي حسن صحيح: قال: ورواه بعضهم عن الشعبي عن المغيره فلم يرفعه، والمرفوع أصح.
وقال ابن حبان: (ذكر سؤال الكليم ربه عن خصال سبع): حدثنا عبد الله بن محمد بن مسلم ببيت المقدس، حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب. أخبرني عمرو بن الحارث، أن أبا السمح حدثه عن حجيرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سأل موسى ربه عز وجل عن ست خصال كان يظن أنها له خالصة، والسابعة لم يكن موسى يحبها: قال: يا رب أي عبادك أتقى؟ قال: الذي يذكر وﻻ ينسى. قال: فأي عبادك أهدى؟ قال: الذي يتبع الهدى. قال: فأي عبادك أحكم؟ قال: الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه. قال: فأي عبادك أعلم؟ قال: عالم ﻻ يشبع من العلم. يجمع علم الناس إلى علمه. قال: فأي عبادك أعزّ؟ قال: الذي إذا قدر غفر. قال: فأي عبادك أغنى؟ قال: الذي يرضى بما يؤتى. قال: فأي عبادك أفقر؟ قال: صاحب منقوص).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الغنى عن ظهر، إنما الغنى غنى النفس، وإذا أراد الله بعبد خيراً جعل غناه في نفسه وتقاه في قلبه، وإذا أراد الله بعبد شراً جعل فقره بين عينيه).
قال ابن حبان: قوله (صاحب منقوص) يريد به منقوص حالته، يستقل ما أوتي ويطلب الفضل.
وقد رواه ابن جرير في تاريخه عن ابن حميد، عن يعقوب التميمي، عن هارون بن هبيرة، عن أبيه، عن ابن عباس قال: سأل موسى ربه عز وجل فذكر نحوه. وفيه "قال: أي رب فأي عبادك أعلم؟ قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علمه، عسى أن يجد كلمة تهديه إلى هدى أو ترده عن ردى. قال: أي رب فهل في اﻷرض أحد أعلم مني؟ قال: نعم الخضر فسأل السبيل إلى لقيه، فكان ما سنذكره بعد إن شاء الله، وبه الثقة.
ذكر حديث آخر بمعنى ما ذكره ابن حبان قال اﻹمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لهيعة، عن درّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن موسى قال: أي رب عبدك المؤمن مقتر عليه في الدنيا! قال: ففتح له باب من الجنة فنظر إليها، قال: يا موسى هذا ما أعددت له. فقال: يا رب وعزتك وجﻼلك لو كان مقطَّع اليدين والرجلين يسحب على وجهه منذ يوم خلقته إلى يوم القيامة، وكان هذا مصيره لم ير بؤساً قط. قال: ثم قال: أي رب، عبدك الكافر موسع عليه في الدنيا، قال: ففتح له باب إلى النار فقال: يا موسى هذا ما أعددت له. فقال موسى: أي رب وعزتك وجﻼلك لو كانت له الدنيا منذ يوم خلقته إلى يوم القيامة وكان هذا مصيره لم ير خيراً قط).
تفرد به أحمد من هذا الوجه، وفي صحته نظر. والله أعلم.
وقال ابن حبان: (ذكر سؤال كليم الله ربه جل وعﻼ أن يعلمه شيئاً يذكره به): حدثنا ابن سلمة، حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث أن درَّاجاً حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قال موسى: يا رب علمني شيئاً أذكرك به وأدعوك به. قال: قل يا موسى ﻻ إله إﻻ الله. قال: يا رب كل عبادك يقول هذا، قال: قل ﻻ إله إﻻ الله، قال: إنما أريد شيئاً تخصني به. قال: يا موسى لو أن أهل السماوات السبع واﻷرضيين السبع في كفة وﻻ إله إﻻ الله في كفة مالت بهم ﻻ إله إﻻ الله).
ويشهد لهذا الحديث حديث البطاقة، وأقرب شيء إلى معناه الحديث المروي في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفضل الدعاء دعاء عرفة. وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: ﻻ إله إﻻ الله وحده ﻻ شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
وقال ابن أبي حاتم: عند تفسير آية الكرسي: حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدسكي، حدثني أبي عن أبيه، حدثنا أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن بني إسرائيل قالوا لموسى: هل ينام ربك؟ قال: اتقوا الله! فناداه ربه عز وجل: يا موسى هل ينام ربك، فخذ زجاجتين في يديك فقم الليل، ففعل موسى. فلما ذهب من الليل ثلثه نعس فوقع لركبتيه، ثم انتعش فضبطهما، حتى إذا كان آخر الليل نعس فسقطت الزجاجتان فانكسرتا، فقال: يا موسى لو كنت أنام لسقطت السماوات واﻷرض فهلكن كما هلكت الزجاجتان في يديك قال: وأنزل الله على رسوله آية الكرسي.
وقال ابن جرير: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا هشام بن يوسف، عن أمية بن شبل عن الحكم بن أُبان، عن عكرمة، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن موسى عليه السﻼم على المنبر قال: (وقع في نفس موسى عليه السﻼم هل ينام الله عز وجل؟ فأرسل الله إليه ملكاً فأَرقَّه ثﻼثاً، ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما. قال: فجعل ينام وكادت يداه تلتقيان، فيسقط فيحبس إحداهما على اﻷخرى، حتى نام نومة فاصطفقت يداه فانكسرت القارورتان، قال: ضرب الله له مثﻼً: أن لو كان ينام لم تستمسك السماء واﻷرض).
وهذا حديث غريب رفعه. واﻷشبه أن يكون موقوفاً، وأن يكون أصله إسرائيلياً.
وقال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمْ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْﻻ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ}. وقال تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
قال ابن عباس وغير واحد من السلف: لما جاءهم موسى باﻷلواح فيها التوراة أمرهم بقبولها واﻷخذ بها بقوة وعزم. فقالوا: انشرها علينا فإن كانت أوامرها ونواهيها سهلة قبلناها. فقال: بل اقبلوها بما فيها، فراجعوه مراراً، فأمر الله المﻼئكة فرفعوا الجبل على رؤوسهم حتى صار كأنه ظله، أي غمامة، على رؤوسهم. وقيل لهم إن لم تقبلوها بما فيها وإﻻ سقط هذا الجبل عليكم فقبلوا ذلك وأمروا بالسجود فسجدوا فجعلوا ينظرون إلى الجبل بشق وجوههم، فصارت سُنة لليهود إلى اليوم، يقولون ﻻ سجدة أعظم من سجدة رفعت عنا العذاب.
وقال سنيد بن داود عن حجاج بن محمد، عن أبي بكر بن عبد الله قال: فلما نشرها لم يبق على وجه اﻷرض جبل وﻻ شجر وﻻ حجر إﻻ اهتز، فليس على وجه اﻷرض يهودي صغير وﻻ كبير تقرأ عليه التوراة إﻻ اهتز ونفض لها رأسه.
قال الله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}. أي ثم بعد مشاهدة هذا الميثاق العظيم واﻷمر الجسيم نكثتم عهودكم ومواثيقكم {فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ}. بأن تدارككم باﻹرسال إليكم وإنزال الكتب عليكم. {لَكُنتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ}.
مشكوره ياعسل و تسلم الايادي
يسيلمووووو حبيبتي أبدعت
اسعدني تواجدكم وردكم
تسلم يددددددك روووووووووعه