لعمليات
التجميلية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ..
أما بعد ،،
فقد كثر الحديث في الآنة الأخيرة عن عمليات التجميل في ظل الإعلام الهابط الذي يعلي من قيمة الجسد، ويجعله المصدر الوحيد للجمال، فأورث الناس سخطاً على أجسادهم، فمنهم من يرى في أنفه طولاً، ومنهم من يرى في عينه ضيقاً، والكل خلق الله عز وجل، فيذهب صوب جراح التجميل يبغي لشكله تحسيناً، فيتكلف في سبيل ذلك من الآلام والأموال ما لا يمكن تحمله، ولو قنع كل شخص بما قسم الله له من حسن وجمال لما انتشرت هذه الظاهرة والتي سنتناول الحديث عنها في عدة نقاط:
أقسام جراحات التجميل
القسم الأول: (ضروري) وهي العمليات التي تجرى في حالة وجود تشوهات، وتنقسم تلك التشوهات إلى قسمين:
1- تشوهات خِلقية يولد بها الإنسان كالحنك المفلوج، والأذن الناتئة والمفقودة، أو عيب ناشئ من مرض يصاب به الإنسان، مثل تغيير شكل الأذن نتيجة تآكل غضروف صيوانها بسبب مرض الجذام والزهري والسرطان، ومثل الصلع في بعض حالاته.
2- عيوب مكتسبة وطارئة وهي مثل التشوهات الحادثة بعد الحروب أو الحوادث مثل حوادث السيارات والحرائق.
وهذا النوع من الجراحة التجميلية بقسميه تدل الدلائل على جوازه وإن كان يتضمن معنى التجميل والتحسين وهذه الدلائل منها :
اشتمال هذه العيوب على ضر حسي وضر معنوي وهما موجبان للإذن بالجراحة لأنهما حاجة وهي تنزل منزلة الضرورة.
هذه الجراحة لا تدخل في الأعمال التي تعد تغييراً لخلق الله لأمور منها:
• وجود الحاجة الموجبة للت، فيستثنى من نصوص التحريم.
قال النوري-رحمه الله- أثناء حديثه عن التفلج: ( لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس به ) والمحرم هو الزيادة الحسن.
• هذا النوع لا تشتمل على تغيير الخِلقة قصداً، إذا أن مقصوده هو إزالة الضر، وجاء التجميل والتحسين تبعاً.
• هذا النوع من الجراحة ليس تغييراً لخلقة الله، بل إن العملية تجرى للعودة بالعضو إلى خلقة الله سبحانه وتعالى.
• إن إزالة التشوهات الناتجة عن الحروق والحوادث تندرج تحت الأصل المجيز لمعالجتها،
فالشخص مثلاً: إذا احترق أُذن له في العلاج والتداوي وذلك بإزالة الضر ((الحرق)) وأثره، ولم يرد نص يستثني الأثر من الحكم الموجب لجواز مداواة تلك الحروق، ويستصحب التداوي إلى الآثار ويؤذن له بإزالتها.
القسم الثاني: (إختاري لدى الأطباء).
وهو مايقصد منه : تغيير الملامح التي لا يرضى عنها صاحبها وهي غير مضمونة النتايج، وينصح أهل الخبرة في الطب بترك المبالغة في التنبؤ بنتائجها، وينصحون كذلك بالتفكير العميق قبل إجرائها.
أنواع الجراحة التجميلية التحسينية
توجد أنواع كثيرة من الجراحة منها:
• تجميل الجفون وإزالة بعض تجاعيد الجلد وتصحيح تهدل الجفن .
رفع الجبهة وذلك لإخفاء التجاعيد في هذه المنطقة، إما عن طريق الجراحة أو عن طريق الحقن.
• جراحة الأنف التجميلة، وذلك إما بتصغير الأنف أو تكبيره أو إزالة أية نتوءات ظاهرة بالأنف.
• جراحة الأذن التجميلية، تهدف إلى تصحيح بعض العيوب مثل الأذن البارزة.
• شد الوجه : تهدف إلى إزالة التجاعيد، وكذلك إزالة القشرة الخارجية لجلد الوجه لإزالة عيوب حادثة فيه أو ليبدو أكثر نضارة.
• عمليات الصدر التجميلية، تهدف إلى تحسين شكله أو تغيير حجمه.
• عمليات شد البطن، تهدف إلى إزالة الجلد المترها مع الدهون المتراكمة في منطقة الوسط، وشد عضلات البطن لتقويته والحد من بروزه.
• جراحة الأرداف والفخذين، تهدف إلى تحسين محيط شكل الأرداف ومنطقة الفخذين.
• حقن وتحسين الجلد، حقن الدهون والكولاجين والبوتوكس. حيث تحقن الدهون ليتم تعويض ضمور الأنسجة، وبالتالي تساعد على إخفاء التجاعيد، كما أنها تستخدم لإعطاء الشفتين والوجنتين إمتلاءً طبيعياً.
• شفط الدهون، تهدف هذه العملية إلى تعديل القوام، وإحداث توازن في توزيع الدهون.
الحكم الفقهي للعمليات التجميلية التحسينية
العمليات التجميلية التحسينية السابق ذكرها كلها محرمة شرعاً، لأنها لاتشتمل على دوافع ضرورية أو حاجية، بل هي تغيير لخلق الله تعالى، وطلب للحسن، والصورة الأجمل، وتجديد الشباب، وقد أفتى أهل العلم بحرمتها مثل الشيخ بن العثيمين- رحمه الله – وغيره من العلماء وذلك للأمور التالية:
• قال الله تعالى ( ولأمرنهم فليغيرن خلق الله ) النساء 119 ، وجه الدلالة أن تغيير خلق الله من المحرمات التي يسولها الشيطان للعصاة من بني آدم، وجراحة التجميل تشتمل على تغيير خلقة الله، والعبث فيها حسب الأهواء والرغبات.
• ما رواه الشيخان من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن المتنمصات والمتفلجات للحسن اللاتي يغيرون خلق الله )) وجه الدلالة أن الحديث لعن النامصات أي اللاتي يزلن شعر الحاجبين لترقيقهما أو تسويتهما، والمتفلجات اللاتي يفرجن بين أسنانهن المتلاصقة لتصيرٍ متفلجة فتبدو أصغر سناً، حيث أن الصغيرة غالباً ماتكون أسنانها مفلجة جديدة السن، وعلل ذلك العن بتغيير الخلقة وفي رواية: المغيرات خلق اله.
• إن هذه العمليات لا تتم غالبً إلا بفعل محظورات شرعية كثيرة من أهمها:
1- الغش والتدليس:
إن هذه العمليات تتضمن في عدد من صورها الغش والتدليس، فيها إعادة صورة الشباب للكهل والمسن في وجهه وجسده، وذلك مفض للوقع في المحظور من غش الأزواج من قبل النساء اللاتي يفعلن ذلك، وغش الزوجات من قبل الأزواج الذين يفعلون ذلك، والغش محرم شرعاً، الدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (( من غشنا فليس منا )) رواه مسلم
2- التخذير:
إن هذه العمليات الجراحية لا تتم غالبً إلا بفعل بعض المحظورات الشرعية مثل التخدير، ومعلوم أن التخدير في الأصل محرم إلا لضرورة، وهذه العمليات لا ضرورة لقيامها، ولذا تعتبر هذه محرمة لاشتمالها على محرم (( التخدير )) ولا اضطرار للجوء إليه.
3- إنكشاف العورات:
من المحظورات أيضاً قيام الرجال ((الأطباء)) بمهمة الجراحة للنساء الأجنبيات والعكس، وحينئذٍ ترتكب محظورات عديدة كالمس، والنظر للعورة، والخلوة بالأجنبية، وكشف العورة في بعضها كما في جراحة تجميل الأرداف، وهذه محظورات لم يثبت الترخيص فيها من قبل الشرع في هذا النوع من الجراحة.
4- الأضرار والمخاطر الجسدية:
إن هذه الجراحة لا تخلو من الأضرار والمضاعفات التي تنشأ عنها حيث أن التدخل الجراحي يعني قطع الأوعية الدموية، والأعصاب، والجلد وغيرها من الأنسجة بواسطة أدوات العمل الجراحي، ونتيجة ذلك يصاب عدد كبير من الخلايا بالأذى وبأضرار ومخاطر جسدية مختلفة قد لا يستطيع الطبيب أن يعالجها بعد العملية،
ومن أهم هذه الأخطار:
• الإصابة بالجلطات، أو إتلاف الأعصاب، أو تجمع الدم تحت الجلد، أو إصابة الجسم بالإلتهابات نتيجة قلة الرعاية الصحية.
• أخطار عمليات الانف التجميلية، قد تحدث إلتهابات بعد إجراء العملية أو نزف شديد خلال العشرة أيام الأولى من العملية، وقد يصاب المريض بضيق في التنفس وصعوبة في استنشاق الهواء من الأنف بعد العملية.
• أخطار عمليات شد الوجه، تكمن في حدوث نزف شديد من الشرايين المرضوضة الأمر الذي يستدعى إجراء تصريف خارجي للدم، كما قد يتأثر العصب الوجهي، ولكن في حالات نادرة، وهذا يؤدي إلى شل في عضلات الوجه، وحدوث الخدر وعدم الحس، ومن أخطارها في بعض الأحيان موت الخلايا الجلدية نتيجة تأذي الشرايين الدموية، أو سحب الجلد بشكل عنيف، وإذا ما شُفيت فقد تخلف ندبة جلدية مكان المنطقة الميتة.
• أخطار عمليات شفط الدهون، قد يحدث تجرثم للدم، والتهابات جلدية، بالإضافة إلى عدم توازن المنطقة الجلدية بعد العملية.
حكم القيام بعملية التجميل
قد تقول إحداهن إن سبب قيامها بهذه العمليات التجميلية حرصاً على التجمل للزوج، خاصة بعد أن كبرت في العمر لتعيد الشباب إلى مظهرها، وتعين زوجها على غض بصره، أو أن الزوج هو الذي طلب منها القيام بمثل هذه العمليات، والجواب عن ذلك أن يقال: إن قيام الزوجة بعملية التجميل لتحسين مظهرها، وتغيير خلق الله لا تجوز ولو كانت للتجميل للزوج أو بموافقته، وإنما يجوز ذلك في حالة خروج ذلك عن حد العادة خروجاً مشوهاً للخلقة تشويهاً واضحاً.
[center]ماذا يريدون من عمليات التجميل؟!![/center]
وقد تعتذر طائفة من الناس بالناحية النفسية لتسويغ هذا النوع من العمليات التحسينية، وإن عدم بلوغهم لأهدافهم المنشودة في الحياة بسبب عدم إكتمال جمالهم، والحق أن هذه وساوس وأوهام، وعلاجها يكون بغرس الإيمان في القلوب، وزرع الرضا عن الله تعالى فيما قسمه من الجمال والصورة، والمظاهر ليست هي الوسيلة لبلوغ الأهداف والغايات النبيلة، وإنما يدرك ذلك بتوفيق الله تعالى ثم بإلتزام شرعه والتخلق بالآداب ومكارم الأخلاق وعلو الهمة وبذل الجهد للوصل إلى الهدف الذي يسعى عليه الإنسان.
وقد وصف استشاري التجميل الدكتور محمد الحامد في أحد المواقع الإلكترونية(( إن الشباب الذين يقبلون على مثل هذه العمليات شباب لاهث ثقتهم بأنفسهم مهزوزة، وهذا يجعلهم يتقمصون شخصيات المشاهير والفنانين لدرجة أن البعض قد يجري أكثر من عملية في نفس العضو )) .
وقد ورد في الموسوعة الطبية الحديثة ما نصه : ومع تحسن المنظر بعد عمليات التجميل، وما يتبع ذلك من تحسن حالة المريض المعنوية، فعمليات التجميل لا تغير من شخصيته تغييراً ملحوظاً، وأن العجز عن بلوغ هدف معين في الحياة لايتوقف كثيراً على مظهر الشخص، فالمشكلة في ذلك أعمق كثيراً مما يبدو من ظواهر هذه الأمور.
والسؤال: هل يجوز للنساء الذهاب لهؤلاء الأطباء بغير ضرورة؟ وهل يجوز فعل هذه الأمور؟ وهل يعد تصغير وتكبير الشفاه ورفع الحاجب من تغيير خلق الله؟ وهل يجوز الدعاية لمثل هؤلاء الأطباء؟ نرجو منكو الإجابة وفقكم الله.
ج/ التجميل المذكور أعلاه محرم لما فيه من تغيير خلق الله وهو يشبه النمص، والوشم، وشر الأسنان لتفليجها، وفي الصحيحين عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : ( أنه لعن الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله وقال : مالي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ).
فليحذر الطبيب أن يقوم بمثل هذا التجميل من شد الوجه ورفع الحاجب وتصغير الشفاه وتكبيرها، ورفع الصدر، وتكبيره وتصغيره وليتق الله ربه وليعدل إلى ممارسة العمليات الحلال فقليل من حلال خير من كثير حرام.
ولا تجوز الدعاية لمثل هذا العمل، لأنه من باب التعاونعلى الإثم والعدوان، وقد نهى الله تعالى عن ذلك، يحرم على النساء أن يقمن بمثل هذه العمليات، وعليهن أن يتقين الله تعالى في أنفسهن وفي بنات جنسهن.
ولا يحل لأولياء النساء من آبائهن وأزواجهن وغيرهم ممن له ولاية عليهن أن يمكنوهن من هذا العمل، قال تعالى ( يأيها الذين ءامنوا قو أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكةٌ غلاظٌ شِدادٌ لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) التحريم 6.