حقيقة المرض النفسي
حينما يصاب أي إنسان بمرض فإنه يلجأ دائما للبحث عن العلاج المناسب لحالته . أما في المرض النفس فأن الأمر يختلف اختلافا كبيرا حيث يعتقد الكثير من الناس أن المرض النفسي يحدث أولا نتيجة لضعف الإيمان لدي الإنسان …وإنه لكي يتغلب علي هذا المرض يحتاج للتوبة عن الكثير من المعاصي التي ارتكبها في حياته وأن يتقرب إلي الله وأن يكثر من العبادات حتي تستطيع التغلب علي معاناته النفسية . ويعزو البعض الآخر خوفه من العلاج النفسي هو بسبب الخوف من أن يوصم أمام المجتمع بأنه مجنون حيث يشعر أن كل من يلجأ للطبيب النفسي يصفه المجتمع بالجنون . والبعض الآخر يفكر أن المرض النفسي يكون مرادفا لمس الشيطان أو الجن… ويحتار كيف يجد طريقة للعلاج من هذه المشكلة . ولذلك فأن علي الطبيب النفسي مسئولية هامة أمام المرضي وأسرهم … بل أمام المجتمع ككل من أجل أن يضع الصورة الحقيقية عن المرض النفسي … والرد علي الكثير من المفاهيم الخاطئة عن الأمراض النفسية عامة .
هناك اعتقاد شائع بين الناس أن المرض النفسى يحدث بسبب لبس الجن00فما هى الحقيقة فى ذلك؟
للإجابة على هذا السؤال يجب أولا أن نتعرف على أسباب حدوث الأمراض النفسية اولا… ولدراسة هذه الأسباب يجب أن نتعرف على المخ البشرى – لمعجزة الإلهية – حيث يتكون المخ البشري من آلاف الملاين من الخلايا وهناك مراكز في المخ لكافة الوظائف النفسية والبيولوجية للإنسان ، فهناك مركز للحركة ومركز للتنفس وكذلك هناك مركز للذاكرة والسلوك والمزاج والوجدان.. ويرتبط المخ بالحبل الشوكى الذى يقع داخل العمود الفقرى وهو يحتوى على عدد ضخم من الخلايا العصبية وبذلك يتمكن من نقل كل أنواع المعلومات من و إلى المخ. وتتصل الخلايا العصبية بعضها ببعض بواسطة تشابكات عصبية ، وهذه التشابكات أو المسافات الرقيقة بالرغم من إنها تفصل ما بين الخلايا لكنها في الواقع تربط بينها كيميائيا .. أن الرسائل تنتقل بين خلية وأخرى بواسطة مواد كيميائية تسمى الناقلات العصبية ، وزيادة أو نقص الناقلات العصبية في المخ "مثل السيروتونين ، دوبامين ،ادرينالين ..الخ" يؤدى إلى اضطراب الوظائف النفسية للإنسان فقد وجد مثلا أن اختلاف نسبة السيروتونين يؤدى إلى اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب .ومن هنا جاءت فكرة كيفية ضبط تركيز الناقلات العصبية وإيجاد توازن بينهما مستخدما العقاقير التى تؤثر على الناقلات العصبية و إعادتها إلى وضعها السليم.إذا فالمرض النفسى يحدث بسبب اختلال فى نسبة الناقلات العصبية فى الجهاز العصبى للإنسان وذلك نتيجة عدة عوامل منها تأثير الوراثة والبيئة والتربية وعوامل عديدة أخرى جارى البحث عنها ، والمرض النفسى مثله فى ذلك مثل الأمراض العضوية الأخرى له أساس عضوى ولا يحدث بسبب الجن .
ولكن البعض يدعى أن مرض الصرع يحدث بسبب لبس الجن
للرد على هذا الادعاء يجب أن نعرف أولا ما هو مرض الصرع ، وما هى أسبابه ..فالصرع هو حالة عصبية تُحدث من وقت لآخر اختلال وقتي في النشاط الكهربائي الطبيعي للمخ . وينشأ النشاط الكهربائي الطبيعي للمخ من مرور ملايين الشحنات الكهربائية البسيطة من بين الخلايا العصبية في المخ وأثناء انتشارها إلى جميع أجزاء الجسم ، وهذا النمط الطبيعي من النشاط أقوى من تأثير الشحنات العادية . ويكون لهذه الشحنات تأثير على وعى الإنسان وحركة جسمه وأحاسيسه لمدة قصيرة من الزمن وهذه التغيرات الفيزيائية تسمى تشنجات صرعية ولذلك يسمى الصرع أحيانا "بالاضطراب التشنجي" . وقد تحدث نوبات من النشاط الكهربائي غير الطبيعي في منطقة محددة من المخ وتسمى النوبة حينئذ بالنوبة الصرعية الجزئية أو النوبة الصرعية النوعية .وأحيانا يحدث اختلال كهربائي بجميع خلايا المخ وهنا يحدث ما يسمى بالنوبة الصرعية العامة أو الكبرى . ولا يرجع النشاط الطبيعي للمخ إلا بعد استقرار النشاط الكهربائي الطبيعي . ومن الممكن أن تكون العوامل التي تؤدى إلى مرض الصرع موجودة منذ الولادة ، أو قد تحدث في سن متأخر بسبب حدوث إصابات أو عدوى أو حدوث تركيبات غير طبيعية في المخ أو التعرض لبعض المواد السامة أو لأسباب أخرى غير معروفة حالياً . وهناك العديد من الأمراض أو الإصابات الشديدة التي تؤثر على المخ لدرجة إحداث نوبة تشنجيه واحدة . وعندما تستمر نوبات التشنج بدون وجود سبب عضوي ظاهر أو عندما يكون تأثير المرض الذي أدى إلى التشنج لا يمكن إصلاحه فهنا نطلق على المرض اسم الصرع .
إذا فالصرع لا يختلف عن الأمراض العضوية الأخرى.فهو يحدث لأنه يوجد سبب ما في الدماغ يسبب حالة التشنج لفترة قصيرة.إن أسبابه عضوية مثل الأمراض الأخرى ونستطيع التوصل إلى بعض أسباب المرض باستخدام التحاليل المعملية وأجهزة الفحص الحديثة مثل رسم المخ والأشعة المقطعية والرنين المغناطيسى وهناك بعض الأسباب التى لم نهتد إليها حاليا وسوف نتوصل إليها فى المستقبل بإذن الله ، فالصرع مرض مثل الأمراض العضوية الأخرى .
ويجب أن نتذكر قصة المرأة التى جاءت للنبى صلى الله عليه وسلم وكانت تشتكى بأنها تصرع ، وطلبت من النبى صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها حتى تبرأ من المرض … فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم اصبرى ولك الجنة . أى أن الرسول صلى الله عليه وسلم اقر بوجود المرض وانه ابتلاء من الله وان من يصبر على المرض ينال اجر الصابرين قال تعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ).
ما هو دور العلاج بالقرآن في علاج الأمراض النفسية ؟
عن رأى الطب النفسي في موضوع العلاج الروحاني بالاستشفاء بالقرآن الكريم وخصوصاً بعد ظهور كتب تطالب بترك العلاج بالعقاقير والدواء والأطباء والاستعانة بكتاب الله للعلاج فقد رد كثير من العلماء المسلمين على هذه الدعايات المغرضة التي تدعو إلى تخلف المسلمين عن ركب التقدم والحضارة والعلم ، ونعرض هنا بعض الإجابات عن تلك الأسئلة :
هل القرآن هو وسيلة للتداوى بالنسبة للأمراض العضوية ؟
يقول د . محمد عمارة المفكر والكاتب الإسلامي : في هذه الدعوة خلط نابع من الجهل الذي يقع فيه أولئك الذين يزعمون أن القرآن هو وسيلة للتداوى المادي بالنسبة للأمراض العضوية . وهذا الخلط النابع من الجهل مصدره عدم التمييز بين الاستخدام المجازى للمصطلحات في القرآن الكريم ، ففي حديث القرآن عن الشفاء نجده يستخدم الشفاء بالمعنى المادي ويؤكد ذلك أنه جعل الشفاء بعسل النحل لكل الناس الذين يتناولونه سواء أكانوا مؤمنين ، أم غير ذلك فهو يقول " يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس " أى لكل الناس . أما عندما يتحدث عن القرآن الكريم فإنه يجعله شفاء وهدى ورحمة للمؤمنين فهو شفاء هنا بالمعنى المجازى وليس بالمعنى العضوي أي أنه هداية فليس دواءا ماديا كالذي يصفه الطبيب للمريض فيقول سبحانه وتعالى " قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين " . وهناك فارق بين العلاج المادي الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نسلك إليه السبل التي هي أسباب مادية تؤدى إلى النتائج المادية في العلاج وبين العلاج النفسي الذي هو ثمرة لاعتقاد الإنسان في أمر من الأمور. فإذا أعتقد أي الإنسان أن قراءة القرآن أو حمل القرآن سيسبب له الشفاء فان الشفاء هنا والتداوى ليس بالمعنى المادي بسبب الآيات القرآنية وإنما هو ثمرة نفسية لاعتقاد نفسي بل أن هذا الاعتقاد من الممكن أن يصبح للتداوى والعلاج النفسي .
ولكن هل عالج الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الحالات بالقرآن
يقول الباحث والكاتب الإسلامي محمد أحمد بدوي : ليس من مهام القرآن الكريم أن يتخذ منه علاج نوعى لأي مرض ولم يداوى الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرآن مرضاً من الأمراض ولم يصف شيئاً منه لعلاج شئ منها . أما حديث الرقية بفاتحة الكتاب للسعة العقرب فهي واقعة حال وليس قاعدة قابلة للتوسع فيها ولا لقياس عليها وقد داوى النبي صلى الله عليه وسلم جراحه برماد الحصير المحروق وهو طاهر مطهر وأمر بإطفاء الحمى بالماء ، وتداوى بالحجامة (تشريط الرأس بالموس لعلاج الضغط ) وداوى بها وبالعسل وبالكحل. وعلى المستوى الفردي فإن الحالة المعنوية التي
تبثها قراءة القرآن الكريم في نفس المؤمن الذي يحسن تدبره تساعد في الشفاء من الأمراض كما تعين على مقاومة الأمراض العضوية بمقدار ما تبثه من الرجاء في الشفاء ومعاونة الطبيب في العلاج وإتباع نصائحه باهتمام إلا أن هذا لا يعنى أن القرآن الكريم وحده يشفى من الأمراض النفسية والعصبية ، فقد أهتدي الطب مؤخراً إلى استعمال الأدوية في هذه الأمراض وحصل على نتائج مشجعة فلا يجب أبدا أن نكتفي بقراءة القرآن بل نتبع ما أهتدي إليه الطب وهو من فضل الله .
*****
ولكن هناك بعض الحالات التى تتحسن بالعلاج الروحاني!
يجيب على ذلك فضيلة الدكتور محمود حمدي زقزوق بأن الحياة كلها تسير طبقاً لقوانين لا تختلف إلا إذا أراد الله إظهار معجزة على يد نبي من الأنبياء وهذا أمر لم يعد قائما بعد ختم النبوات والمسلمون مطالبون بالتعرف على هذه القوانين وهذا هو طريق العلم والإسلام إذ يحض على ذلك فإنه يريد أن يغلق بذلك جميع المنافذ التي تدخل منها الخرافات والمشعوذات التي يمكن أن تنتشر بين الناس تحت ظل الجهل والتخلف ، فإذا جئنا إلى موضوع الأمراض التي تصيب الإنسان فإن الطريق الصحيح إلى علاجها يكون بالتشخيص الصحيح لهذه الأمراض سواء كانت جسمية أو نفسية لمعرفة الأسباب التي تؤدى إليها حتى يمكن تلافيها والقضاء عليها وحماية الناس منها وهذا هو طريق العلم وهو أيضاً الطريق الذي يحض عليه الإسلام ، فالله لم يخلق داء إلا وخلق له الدواء وهو سبحانه الذي يهيئ الأسباب فهو الذي يشفى عن طريق الأسباب التي يهدى الناس إليها وهذا كله يعنى ضرورة لجوء المؤمن إلى طلب العلاج الطبي أما أن تقتصر على التداوي بالقرآن فهذا أمر لا يحث عليه القرآن أبدا .
أما عن تحسن بعض الحالات بالعلاج الروحاني فهو أمر وارد خصوصاً في بعض الحالات النفسية مثل الأمراض الهستيرية حيث يكون المريض ذو شخصية هستيرية قابلة للإيحاء وهنا ينفع العلاج الإيحائي النفسي أو بقراءة بعض آيات القرآن الكريم ولكن الشفاء هنا في هذه الحالة يكون ثمرة نفسية لاعتقاد نفسي وليس لأمر مادي ويكون هذا التأثير مؤقت ويحتاج لاستمرار العلاج الطبي النفسي بعدها لإزالة سبب هذا المرض .
هل اللجوء لبعض الأولياء من اجل الرقية بغرض الشفاء جائز ؟
يقول الدكتور رمضان عبد البر مدرس الطب النفسى بجامعة الزقازيق : القرآن الكريم كله رقية خصوصا أم الكتاب وهى الفاتحة و السبع المثانى و اعظم سورة فى كتاب الله ، و أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم وادعيته فى الرقية كثيرة…وهذه الرقية الشرعية لا يشترط فيها شيخ أو رجل بعينه وإنما الأولى أن يرقى الإنسان نفسه فان لم يستطع فيرقيه اقرب الناس إلية أبوه ..أخوه..زوجه.
ولا ينبغى الذهاب أبدا إلى السحرة والدجالين لأن هذه معصية وذنب عظيم حذر منه خير الأنام عليه الصلاة والسلام. وهذه الرقية الشرعية كذلك لا تنفى استخدام الأدوية والعلاجات النفسية وذلك لأن الدراسات الحديثة أثبتت أن معظم الأمراض النفسية تكون نتيجة لاضطراب فى كيمياء الدماغ وتأتى هذه العقاقير النفسية لكى تعيد هذه الكيمياء إلى طبيعتها .وقد أمرنا النبى صلى الله عليه وسلم بالتداوى في قولة "تداووا عباد الله فأن الذى خلق الداء خلق الدواء". فالأفضل والأولى أن تعالج الأمراض النفسية بمعرفة الطبيب المختص وبالطريقة العلمية الدقيقة . ويمكن للمريض مع هذا أن يستعين كذلك بالرقية الشرعية من القرآن ومن السنة الصحيحة،عند ذلك تكون رحمة الله عز وجل بإنزال الشفاء أقرب وأولى والله أعلم.
ولكن البعض يدعى أن الأمراض النفسية تصيب ضعاف الإيمان!
ويبدو أن هذا الاعتقاد إنما جاء من أمرين
الأول : عدم إدراك الناس لمعنى المرض النفسي
الثاني : نظرة الناس للأمراض النفسية على أنها مركب نقص
ولبحث هذا الأمر علينا ابتداء أنْ نفرّق بين العوارض النفسية والأمراض النفسية
فالعوارض النفسية هي تلك التفاعلات النفسية التي تطرأ على الفرد نتيجة تفاعله مع ظروف الحياة اليومية ، وتستمر لفترات قصيرة ، وقد لا يلاحظها الآخرون ، ولا تؤثر عادة على كفاءة الفرد وإنتاجيته في الحياة ، كما لا تؤثر على عقله وقدرته في الحكم على الأمور . وتعد هذه العوارض النفسية جزءاً من طبيعة الإنسان التي خلقه الله بها ، فيبدو عليه الحزن عند حدوث أمر محزن ، ويدخل في نفسه السرور والبهجة عند حدوث أمر سار .
أما الأمراض النفسية فأمرها مختلف ، وهي لا تقتصر على ما يسميه الناس بالجنون ، بل إن معنى المرض النفسي معنى واسع يمتد في أبسط أشكاله من اضطراب التوافق البسيط إلى أشد أشكاله تقريباً متمثلاً في فصام الشخصية شديد الاضطراب . كما أنه ليس شرطاً أنْ تُستخدم العقاقير في علاج ما يسميه الأطباء النفسيين بالأمراض النفسية ، بل إن منها ما لا يحتاج إلى علاج دوائي فهي تزول تلقائياً ، وربما لا يحتاج معها المريض سوى طمأنته كما يحدث عادة في اضطرابات التوافق البسيطة .
ولتبسيط الموضوع فإننا نقسم الأمراض النفسية إجمالاً إلى نوعين:
الأول : تلك الأمراض التي تؤثر على عقل الفرد فيفقد استبصاره بما حوله ، وتضعف كفاءته وإنتاجيته وقدرته في الحكم على الأمور ، ويحدث فيها أعراض غريبة لم تعهد عن ذلك الفرد ولم تعرف عنه كالاعتقادات والأفكار الغريبة الخاطئة التي لا يقبل معها نقاش ، أو أنْ تتأثر أحد حواسه أو بعضها بما هو غير مألوف له كسماعه لبعض الأصوات التي لا وجود لها حقيقة ، أو وصفه لنفسه بأنه يرى بعض الأجسام دون أنْ يكون لها أي وجود على أرض الواقع . ويمكن أنْ يصيب هذا النوع من الأمراض أي فرد من الناس سواء كانوا من الصالحين أو الطالحين إذا توفر ما يدعو لحدوثها من أقدار الله
الثاني : تلك الأمراض التي لا تؤثر على عقل الفرد ولا يفقد معها استبصاره أو قدرته في الحكم على الأمور لكنها تُنقص نشاطه بعض الشيء ، كالحزن الشديد المستمر لفترات طويلة وعدم قدرة البعض على التوافق مع بعض مستجدات الحياة (اضطراب التوافق ) وغيرها كثير . ولعلي أعجب من البعض الذين يربطون درجة التقوى والإيمان بامتناع الإصابة بالأمراض النفسية دون العضوية !! فلقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " . وهذا البيان النبوي شامل لجميع الهموم والغموم صغيرها وكبيرها ، وأياً كان نوعها . وفي الأصل أن الأمراض
النفسية مثل غيرها من الأمراض ولا شك ، وهي نوع من الهم والابتلاء ، ولذلك فإنها قد تصيب المسلم مهما بلغ صلاحه
ولكن هل الوساوس القهرية التى تصيب بعض المرضى هى من وساوس الشيطان ؟.
يقول د. طارق بن علي الحبيب استشاري وأستاذ الطب النفسي المساعد أن الكثير من الأطباء النفسانيين يرى أنه لا علاقة للشيطان بمرض الوسواس القهري ، في حين يرى بعض رجال الدين أن الشيطان هو مصدر جميع أنواع الوسواس .
ولتوضيح مصدر اللبس في شأن مرض الوسواس القهري يمكن أن نصنف الوساوس بشكل عام إلى ثلاثة أنواع :
النوع الأول : تلك الوساوس التي تدعو الإنسان عادة أن ينظر أو يستمع أو يفعل أمراً محرماً . ويعد هذا النوع من الوساوس من طبيعة النفس البشرية ( أي ليس مرضاً ) ، ويعتري كل فرد من بني آدم. وتختلف هذه الوساوس عن غيرها من الوساوس بأنها تدعو الإنسان إلى محبوبات النفس المحرمة شرعاً. كما أنه إذا لبى الإنسان بشيء من جوارحه نداء هذا النوع من الوساوس فإنه يكون قد عرض نفسه للحساب والجزاء من رب العالمين.
ويُعد مصدر هذا النوع من الوساوس عادة أحد ثلاثة أمور :
النفس : وهي النفس الأمارة بالسوء . قال تعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) .
شياطين الجن : ودليل ذلك قوله تعالى : ( من شر الوسواس الخناس ) .
شياطين الإنس : ودليل ذلك قوله تعالى : ( من الجنة والناس ) .
النوع الثاني : تلك الوساوس العابرة ( غير المرضية ) التي تعرض للإنسان في صلاته وطهارته وعبادته ومعتقداته ، وكذلك في شؤون حياته الدنيوية . وهذا النوع من الوساوس يلهي العبد عن عبادته فينسى كم ركعة صلى ؟ أو هل غسل ذلك العضو من جسمه ؟ وغير ذلك من الوساوس في أمور الدين والدنيا .
وقد يزول هذا النوع من الوساوس عند الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، كما قد تخف شدته أحياناً بالتركيز أكثر في العبادة . ولذلك فإن الإنسان يؤجر من صلاته ما عقل منها لأن بيده مقاومة هذا النوع من الوساوس مستعيذاً بالله من الشيطان الرجيم.
النوع الثالث : الوساوس القهرية المرضية ( مرض الوسواس القهري ) ، وهي علة مرضية تصيب بعض الناس كما تصيبهم أية أمراض أخرى . وهي أفكار أو حركات أو خواطر أو نزعات متكررة ذات طابع بغيض يرفضها الفرد عادة ويسعى في مقاومتها ، كما يدرك أيضاً بأنها خاطئة ولا معنى لها ، لكن هناك ما يدفعه إليها دفعاً ويفشل في أغلب الأحيان في مقاومتها .وتختلف شدة هذه الوساوس حتى إنها لتبدو – لغير المتخصصين – عند زيادة شدتها وكأن المريض مقتنع بها تماماً .ويعتري هذا النوع من الوساوس الإنسان أيضاً في عباداته وكذلك في شؤون حياته الدنيوية .
مثال ذلك ( في العبادات ) : تكرار المصلي لتكبيرة الإحرام أو قراءة الفاتحة عدة مرات أو تكرار غسل عضو من الأعضاء أثناء الوضوء أو تكرار الوضوء كاملاً أو إعادة التطهر من النجاسة عدة مرات رغم إدراكه أنه مخطئ في فعله ذلك ، لكن هناك ما يدفعه جبراً عنه إلى إعادة ذلك الفعل مرات عديدة احتياطاً منه أنه ربما قد نسي أنه لم يفعل ذلك .
مثال آخر ( في غير العبادات ) : تكرار غسل اليدين مرات كثيرة بعد لمس جسم ما رغم عدم وجود حاجة لغسل اليدين أو كان يكفيه غسلهما مرة واحدة لكن هناك ما يدفعه لذلك الفعل بسبب الأفكار التي تهيمن على عقله أنه ربما تلوثت يداه بسبب ذلك الفعل ، ولذلك فإنه يعيد غسلهما عدة مرات .
مثال ثالث : تكرار فكرة أو هاجس ما ، مثل إحساس أحدهم بأن زوجته تعد طالقاً منه إذا باع تلك البضاعة من متجره . ورغم إدراكه بأن ذلك غير صحيح ، إلا أن تكرار تلك الفكرة وعدم قدرته على دفعها يثير القلق في نفسه.
مثال رابع : تكرار الفرد في خاطره لكلمات يسب فيها الدين أو الخالق – تعالي الله عن ذلك ، ولعل توافق اسم هذا المرض (الوسواس القهري ) لفظاً مع كلمة وسواس التي تنسب عادة إلى الشيطان جعل بعض الناس يربطون هذا المرض دائماً بالشيطان .