يبدو أن اختيار الطريق الصحيح لا يضمن وحده بلوغ الهدف، فغالباً ما نواجه أثناء سيرنا على الطريق شراكاً ومطبات تعوق تقدمنا، إلاّ أن تبديد هذه العقبات يكون سهلاً نسبياً عندما نتمكن من رؤيتها ولمسها، لكنه يصبح صعباً عندما تكون ذات طبيعة نفسية أو انفعالية يصعب التعرف إليها. وهنا يبرز دور المتخصين في قضايا تخفيف الوزن وعلاقتها بحالتنا النفسية. فهم يؤكدون أن نجاح جهود التخلص من الوزن الزائد ترتبط إلى حد كبير، بسلوكنا وانفعالاتنا وعاداتنا وخوفنا وقلقنا. ونورد في ما يلي أبرز ما يمكن أن يؤثر سلباً في نجاحنا، والسبيل إلى تلافيه.
1 – الصبر
إذا كانت هناك مهارة أو ميزة يمكنها أن تعزز قدرتنا على التخلص من الكيلوغرامات الزائدة، فهي الصبر. وقد تم التأكد من ذلك فعلياً عن طريق التحقيقات والمقابلات والاستبيانات، مثل ذلك الأخير الذي أجرته مجلة «الياقة» الأميركية مع قرائها على شبكة الإنترنت، حول الصعوبات التي يواجهونها عند تخفيف أوزانهم. فقد أقر أكثر من 39 % منهم بأنهم يتخلون عن أي حمية غذائية جديدة، أو عن أي خطة أو برنامج لممارسة الرياضة، وأنهم لم يلحظوا نتائج أكيدة وملموسة في مقاسات أجسامهم، وفي الأرقام التي يُظهرها الميزان، في غضون أسبوعين من بداية تطبيقهم أيّاً من برنامجي التغذية والرياضة، أو كليهما. وتعلق البروفيسورة ستايسي روزنفيلد، المتخصة الأميركية في علم النفس العيادي في جامعة كولومبيا، أن الناس يريدون الرضا الفوري، وأن يتخلصوا من 10 كيلوغرامات زائدة في 6 أسابيع. ولكن حتى لو كان تحقيق هذا الهدف ممكناً، فإن السعادة التي يجلبها لنا هي من النوع سريع الزوال، وذلك لأنه من الصعب المواظبة على تطبيق القواعد والإجراءات التي ساعدتنا على بلوغ هذا الهدف. فهذه الإجراءات غالباً ما تكون صارمة ويؤدي تطبيقها إلى الإحساس بالحرمان وبالتعاسة. فمن المستحيل التخلص من ذلك القدر من الوزن الزائد، في تلك الفترة القصيرة، من دون اتخاذ تدابير صارمة جداً. وعندما نفشل في تحقيق هدفنا المبالغ فيه وتُثبّط همتنا، ترانا نلجأ بشكل طبيعي إلى التمرد. والأرجح أننا سنترجم هذا التمرد على شكل انكباب على تناول طبق ضخم من الآيس كريم أو أي طعام دسم آخر. ويمكن أن تؤدي مبالغتنا في رسم الأهداف، وفي تعجل لمس النتائج المرغوبة قبل أوانها، إلى دخول حلقة مفرغة من الحرمان والإفراط في الأكل. والافت أن هذا التمرد ليس حكراً على البشر، فقد أظهرت دراسة أجريت في جامعة كولورادو الأميركية، أنه عندما يُسمح للحيوانت التي تكون قد أُخضعت لنظام غذائي قاسٍ وفقير في الوحدات الحرارية، بتناول الطعام بحرية، فإنها تقوم بالتهام كميات كبيرة منه لأيام عدة على التوالي.
الحل: الجميع يرغبون في نتائج فورية، غير أن التخلص من الوزن الزائد على المدى البعيد يتطلب التزاماً طويل الأمد، وتغييراً في طريقة التفكير وفي مقاربة الأمور. وتؤكد البروفيسورة صوفيا رايدن غراي، أستاذة علم النفس العيادي في مركز ديوك للحمية والياقة البدنية، في دورهام في ولاية نورث كارولينا الأميركية، أن علينا مقاربة مسألة التخلص من الوزن الزائد على اعتبارها محصّلة ونتيجة، ونتوقف عن النظر إليها وكأنها هدف في حد ذاتها. كذلك علينا أن نجعل من إدخال أنواع السلوك الصحية نمط حياتنا المعتاد، تحدياً لأنفسنا. فنبدأ مثلاً في ممارسة الأنشطة البدينة لمدة ساعة يومياً، وتناول رقائق الحبوب الكاملة في وجبة الصباح، وبتجنُّب المأكولات المقلية. وتؤكد أن تحويل طاقتنا عن النتيجة النهائية، وتوجيهها عوضاً عن ذلك نحو العملية نفسها، يمنحاننا إحساساً إيجابياً بالإنجاز وبالرضا، كلما اتخذنا قراراً جيداً من هذا النوع وطبقناه.
2 – الخوف من الفشل
ربما يكون قد سبق لنا في الماضي أن خسرنا 10 أو 15 كيلوغراماً زائداً استعداداً لمناسبة مهمة في حياتنا، كالزواج أو التخرج في الجامعة، ثم ما لبثنا أن استعدناها في فترة قصيرة، أو نكون قد قطعنا وعداً لأنفسنا بأن نتخلص من ترهل بطننا قبل حلول إجازة الصيف، لنجد أننا لانزال نخفي ذلك الترهل تحت قميص طويل فضفاض في شهر أغسطس. ومن الطبيعي في هذه الحالة أن نبادر إلى التساؤل: لماذا نقدم على فشل آخر عندما يُطرح موضوع مكافحة ترهل جسمنا من جديد؟ وحول هذا الموضوع يعلق المتخص الأميركي لويس بارث فيقول إنه إذا سبق لنا أن فشلنا في التخلص من الوزن الزائد في الماضي، فإن الخشية من الفشل مجدداً تلازمنا نفسياً وذهنياً. وتجدر الإشارة هنا إلى أن 40 % من النساء الواتي شاركن في الاستبيان يعترفن بأنهن يتخوفن من استعادة الوزن المفقود. والواقع أن الخطر الفعلي يكمن في إمكانية تحوُّل هذا التخوف إلى أمر واقع. فالتركيز على المشاعر السلبية التي ارتبطت في الماضي بمسألة الفشل السابق، يجعلنا نستدعي ونستجلب، بشكل لا واعٍ، السلوك نفسه الذي تسبب في ذلك الفشل في المقام الأول. وسرعان ما نجد أنفسنا نقع في الشرك الماضي.
الحل: عوضاً عن التركيز على المشاعر السلبية، يمكن للتفكير الإيجابي أن يضمن حصولنا على النتائج المرجوة. وتنصحنا غراي بأن نقول لأنفسنا إن الفشل، كأمر قائم في حد ذاته، لا وجود له. فما يحدث في الواقع عندما نفشل، هو مجرد نتيجة لاختيارنا استراتيجيات غير ملائمة عوضاً عن تلك التي كان علينا انتقاؤها. وفي هذا الإطار، لا يمكن اعتبار الفشل في تخفيف الوزن ضربة موجهة إلى شخصيتنا، بل هو مجرد إشارة إلى ضرورة تغيير السلوك أو الاستراتيجية التي اتبعناها. بعبارة أخرى، علينا أن نتوقف عن توبيخ أنفسنا لأننا ضعفنا وتناولنا كيساً من رقائق البطاطا مساء أمس، بل علينا أن نطرح الاسئلة، ونتعرف إلى العامل الذي أطلق لدينا هذا السلوك، المتمثل في تناول مثل هذه المأكولات غير الصحية. فحصر المسألة في التركيز على السبب الذي أدى إلى تناول رقائق البطاطا مثلاً، هو سلوك بناء أكثر بكثير من التركيز على ما نعتبره تقصيراً شخصياً وضعفاً وتخاذلاً. وما إن نتعرف إلى العوامل التي أدت إلى تناول الأطعمة غير المناسبة، يمكننا إيجاد طرق بديلة للتعامل مع وضعيات مشابهة في المستقبل. فإذا أدركنا مثلاً أننا أقدمنا على تناول البطاطا في ذلك المساء، لأننا كنا نشعر بالوحدة وبالاكتئاب، يمكننا تفادي سيطرة هذه المشاعر علينا باتخاذ خطوات عملية بسيطة. في المرة الثانية التي نشعر بأننا غير قادرين على تحمل وحدتنا، يمكننا الاتصال بأفراد العائلة والأصدقاء ودعوتهم إلى زيارتنا، أو نتوجه إلى زيارتهم. وفي حال تعذر ذلك يمكننا الخروج لمشاهدة فيلم سينمائي، أو مسرحية أو حفل غنائي يبد عنا الإحساس بالوحدة، ويرفع معنوياتنا، فلا نلجأ إلى الطعام بحثاً عن الراحة.
3 – الحذر من التغيير
تبين في الاستبيان المذكور أن 44 % من النساء يشعرن بالتوتر وبالقلق، حيال قدرتهن على الالتزام باتباع حمية جديدة أو برنامج رياضي جديد. والحقيقة أن هذا الأمر ليس بالمستغرب، فالإنسان بطبيعته يحب عاداته ويتمسك بها، حتى ولو كانت عادات سلبية. والواحد منا يفضل الحفاظ على الروتين، أو على غياب الروتين، عن تجريب أمور جديدة. وتعلق روزنفيلد فتقول إنه من الممكن أن نعتاد على أمر سيئ لدرجة لا نعود نرغب في التخلي عنه. وفي نهاية الأمر، فإن قبول تسمية أو صفة «ذو وزن زائد» أو «غير لائق بدنياً» يمكن أن تصبح بمثابة هامش أمان يسهم في التخفيف من توقعاتنا وتطلعاتنا الشخصية، ومن تصوراتنا بشأن الإنجازات التي تتمكن أجسامنا من تحقيقها.
الحل: إن تغيير أجسامنا نحو الأفضل يعني الخروج من «حيز الراحة» الذي نقبع فيه، ويتطلب بعض المخاطرة واتخاذ خطوات جريئة. ولتخفيف من القلق الذي قد ينتابنا بشأن ذلك، من المفيد وضع برنامج زمني محد. فنقول مثلاً إننا سنلتزم بالبرنامج الجديد لمدة ثلاثة أسابيع، أي أنه يمكننا دائماً العودة إلى طريقتنا القديمة بعد ذلك. لكن المتخصين يؤكدون أننا ما إن نبدأ في رؤية النتائج الإيجابية على قامتنا، حتى تتراجع رغبتنا في العودة إلى عاداتنا القديمة. وهم يقدمون نصيحة أخرى تتمثل في تركيز الانتباه على الصورة الكبيرة. في أذهاننا يجب أن تكون نتائج المخاطر التي نتخذها تستحق الجهد المبذول. وإذا كنا نرغب في تخفيف أوزاننا، علينا أن نتبنى توجهاً جديداً، لأن طريقة عيشنا القديمة لم تكن ناجحة. ومن الضروري أن نضع أنفسنا في مقدمة لائحة أولوياتنا، ونجد تمارين وأنشطة بدنية تستهوينا ونستمتع بها، وعلينا أن نحب أجسامنا كما هي في الوقت الحالي، فمن شأن ذلك أن يزيد من تقديرنا واحترامنا لها.
4 – القلق الذي يسببه النجاح
صحيح أننا جميعاً نريد قامة خالية من الترهلات ومن السيلوليت والتراكمات الدهنية، غير أن فكرة التمتع بجسم «مثالي» قد ثير القلق في أعماقنا. لماذا؟ لأننا غالباً ما نميل إلى إلحاق نتائج إضافية بمسألة تخفيف الوزن، بمعنى أننا نربط بين قامتنا الرشيقة المستقبلية والحصول على عمل جديد مهم، أو مقابلة أشخاص مهمين، أو الزواج بشخص معين، أو غير ذلك من المشروعات التي نحلم بها، ونعتقد أن سمنتنا الحالية هي التي تحول دون تحقيقها. ومن البديهي أن يكون التوتر الذي ينتابنا نابعاً من قلقنا بشأن قدرتنا الفعلية على الحصول على كل ما نرغب فيه، ما إن نبلغ الوزن المنشود. والحقيقة هي أننا لن ندخل عالماً جديداً بالكامل، لمجرد أننا أصبحنا أكثر رشاقة. فضلاً عن ذلك، فإننا إذا كنا نحاول التخلص من الوزن الزائد لفترة طويلة، فإن بلوغ الوزن المنشود أخيراً قد يكون غير ملائم أو محبطاً لنا. وتعلق روزنفيلد فتقول إن الناس يسعون دائماً نحو هدف، فإذا بلغوه، قد يفقدون حماستهم واهتمامهم، وتساءل: ماذا بعد؟
الحل: يجب أن نكون واقعين كما يقول بارث، إذ إن التخلص من الوزن الزائد لا يعطي نتائج سحرية. فنحن لن نزداد ثراء، ولا ذكاء مثلاً عندما نصبح رشيقين. لكننا يمكن أن نصبح أكثر نشاطاً وحيوية وتصبح خطواتنا رشيقة، فنتمكن من المشاركة في سباق وبلوغ خط النهاية، في نصف الوقت الذي كنا نحتاج إليه في الماضي. وهو ينصح بإبقاء توقعاتنا في حدود المعقول، والاستمتاع بالنتائج الإيجابية التي نحصل عليها، مهما تكن.
5 – عدم القدرة
على مواجهة حقيقة المشاعر
التخلص من الوزن الزائد صعب، لكن الأكثر صعوبة هو التعامل مع السبب الذي أدى إلى تراكم الكيلوغرامات الزائدة في المقام الأول. والواقع أن 25 % من النساء يؤكدن أن التركيز على مشاكل الوزن يلهيهن عن المسائل السلبية الأخرى في حياتهن، مثل سوء العلاقة الزوجية، أو إحباطات الوظيفة، أو تراكم الديون أو غير ذلك من المسائل الشائكة. فمقارنة بالتعامل مع علاقة زوجية تعيسة، قد يبدو التخلص من 5 كيلوغرامات زائدة أمراً متعاً فعلاً. أما الصعوبة فتكمن في أننا بعد أن نتخلص من الوزن الزائد، سندرك رغماً عنا أن حجم جسمنا لم يكن أبداً هو مصدر تعاستنا الفعلية. وبغياب الحل الفعلي لمشكلتنا سرعان ما تعود الكيلوغرامات إلى التراكم لدينا.
الحل: يقول بارث إننا إذا كنا نفرط في تناول الطعام، كطريقة للتعامل مع وظيفة نكرهها، أو مع زوج (أو زوجة) غير متعاطف معنا، فإن هذه المشاعر ستلازمنا حتى بعد أن نصبح أخف وزناً وأكثر رشاقة. وما نحتاج إليه في الواقع هو طريقة أخرى (غير الطعام) لتصريف هذه الانفعالات والمشاعر. وتُعتبر ممارسة الرياضة الحل الأمثل هنا، فهي ترفع مستويات الأندورفينات (الهورمونات التي تساعد على إحساسنا بالارتياح وبالرضا) وتخف من مستويات التوتر والإجهاد النفسي، كما أنها تسهم في تحسين مظهرنا العام، وتخف الترهل الذي يثقل قامتنا. وهناك أنواع كثيرة من التمارين الرياضية التي تعتبر مثالية، للتخفي من التأثيرات السلبية التي تخلّفها لدينا كل مشكلة من تلك التي نواجهها في حياتنا. فإذا ما ادعى مثلاً، زميل لنا في العمل أن الفكرة التي خرجنا بها هي فكرته، يمكننا بعد الدوام التوجه إلى النادي الرياضي وممارسة تمارين الملاكمة التي تنفّس عن غضبنا. وإذا وجهت إلينا عائلة الزوج (أو الزوجة) انتقادات لاذعة، يمكننا التخفيف من توترنا عن طريق الاستغراق في وضعية من وضعيات اليوغا، مثل وضعية الطفل المريحة. أما إذا كنا نعاني الوحدة، فيمكننا الالتحاق بفريق رياضي يمارس نوعاً من الرياضات التي نحبها، مثل كرة السلة أو السباحة أو حتى المشي السريع. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن ممارسة الرياضة، مثلها مثل الجوء إلى الطعام، لن ترم ما هو محطم في حياتنا، لكنها تساعدنا على الأقل في السير في طريق صحي أثناء البحث عن حلول فعلية لمشاكلنا.