نقرأ أحيانا عن حالات مأساوية من جرائم لا يتقبلها العقل ولا الإنسانية، حين يصل الأبناء لمرحلة من الكراهية لوالديهم تدفع بهم إلى قتل الأب أو الأم أو كليهما، إنها حقا قضية غاية في الخطورة لأن الطفل لم يصل إلى مرحلة من النضج الفكري أو الديني ليعلم أن ما يفعله هذا جريمة لا تغتفر، وقد لا تفرض عليه عقوبة لصغر سنه، المشكلة أكبر من ذلك فكيف يتغير وضع الوالدين من المصدر الرئيسي للحنان والشعور بالأمان بالنسبة لأبنائهم إلى عدو يكنون له حقداً يؤدي إلى القتل، إنها عجيبة من عجائب الزمن الذي نعيش به وبحاجة إلى نظرة متأملة من الآباء والأمهات نحو الأسباب كاملة سواء كانت نفسية، اجتماعية أو مادية لاتخاذ كل الاحتياطات اللازمة لتجنب هذه الكارثة.
وهنا بعض الأسئلة الهامة:
– أي نوع من الأطفال القادر على ارتكاب هذه الفظائع ضد أحد والديه؟
– ما نوع الموقف الذي يؤدي إلى هذه النهاية العنيفة؟
بالبحث وراء العديد من مثل هذه الجرائم الاجتماعية وجدوا أن أكثر المشاكل التي تثير القلق حول هذه القضية ما يلي:
نوعية الأطفال المهملة والذين يسيء الوالدان معاملتهم ولا يكون لديهم إلا خيارات محدودة ولا يجدون وسيلة أخرى للتعبير عن حنقهم إلا بذلك.
ماهي السمات الشخصية للأطفال الذين يقتلون والديهم؟
– من يظهر عليهم علامات العنف الأسري.
– حاولوا الحصول على المساعدة، لكن محاولاتهم باءت بالفشل.
– قاموا بمحاولات للهرب أو الانتحار.
– منعزلون عن أقرانهم.
– يشعرون بقلة الحيلة وعدم القدرة على تغيير أحوالهم المنزلية.
– غير قادرين على التواؤم مع يحدث لهم.
– ليس لهم سجلات إجرامية.
– هناك سلاح متوفر بالمنزل لديهم.
– يصابون بالنسيان أو فقدان الذاكرة بعد ارتكابهم جريمة القتل.
– ينظرون لجريمة القتل على أنها حل مريح لجميع الأطراف المعنية.
نظرة نحو الأبناء في مرحلة المراهقة:
في كل الحالات تقريبا يكون القتلة من الأبناء في مرحلة المراهقة، لكن لماذا هذه المرحلة بالذات؟
– هذا لأن الصغار قبل سن المراهقة والذين تقل أعمارهم عن 11 عاما، لا يكون لديهم إدراك واضح عن مفهوم الموت، كما يجدون صعوبة كبيرة في قبول أن أفعالهم قد تؤدي إلى نتيجة لا رجعة فيها.
– كما أنهم هم الأكثر عرضة لارتكاب جريمة القتل بسبب ما يعايشونه من اضطراب طبيعي في مرحلة المراهقة يميل إلى تخطي وكسر أو عصيان كل التقاليد والقيود الطبيعية التي يتعلمونها من المجتمع والأهل، وبذلك يصبح لديهم بدائل محدودة.
– وعلى عكس الكبار الذين يقتلون آبائهم .. يختلف الأمر لدى المراهقين الذين يتحولون إلى جناة عندما تكون الأحوال الأسرية بالبيت لا تطاق ولا يمكنهم احتمالها والبدائل أمامهم تكون محدودة ومن أكثرها شيوعا هو القتل.
– كما أن المراهقين لا يمكنهم مغادرة المنزل والاستقلال بأنفسهم في معيشة أخرى إذا ما طفح الكيل بالبيت، ولأن القانون يجرم في بعض الدول هروب الأبناء الذين لم يبلغوا السن القانونية لذلك يكون القتل أحد الحلول للتخلص من مشكلاتهم.
– وغالبا نجد أن الأحداث الذين يرتكبون جريمة قتل أحد الوالدين لا يفكرون عادة في الهروب لأن أغلبهم ليس لديهم مكان يمكنهم اللجوء إليه، كما أن البعض الذين يتمكنون من الهروب يتم القبض عليهم وإعادتهم إلى المنزل مرة أخرى؛ فالعيش بالشوارع ليس بالحل الواقعي أو المنطقي بالنسبة لهم وخاصة الشباب الذين لا يملكون مصادر مالية أو محدودى التعليم وقليل من المهارات.
– تمر فترة المراهقة بأوقات عاصفة تحتاج من الوالدين نوعاً من الدعم ومنح الأبناء حيزاً للنمو ومواجهة القضايا الصعبة، فإذا قام الأبناء بقتل أحد الوالدين ندرك أنهم لم يجدوا من يساندهم.
– وهناك من الأبناء من تضعهم الظروف الصعبة لتحمل مسؤوليات الكبار في أسرهم، وقد يبدو الأمر مثاليا في شكله السطحي حيث يظهر الأبناء كنوع يمكنه الاعتماد على نفسه ورعاية أحد الوالدين أو إدارة شؤون الأسرة بكاملها مما يضع على عاتقهم عبئاً أكبر يقودهم في نهاية الأمر إلى محاولة التخلص من مصدر هذا العبء.
من الذين يقتلون والديهم؟
يوجد ثلاثة أنواع من الأشخاص الذين يرتكبون هذا الجرم:
– الطفل الذي يتعرض للمعاملة شديدة السوء تتخطى كل الحدود من جانب والديه.
– من يعانون من اضطرابات عقلية حادة.
– الطفل المدلل الشهير الذي يعاني من اتجاهات معادية للمجتمع.
وحتى الآن يعتبر الأطفال الذين تعرضوا لانتهاكات شديدة هم أكثر الأنواع الذين يقتلون والديهم، وتكون مبرراتهم الأساسية أنهم لم يستطيعوا التكيف مع ظروفهم الصعبة التي تشمل:
– والدان يؤذيانهم إيذاء جسدياً.
– والدان يضعانهم تحت ظروف نفسية مهينة.
– التعرض من جانب والديهم للإيذاء الجنسي.
– حتى الإساءة اللفظية.
– انحراف أحد الوالدين أو كليهما؛ فهناك من يتعاطى الكحوليات أو المخدرات أو حتى يعمل في أعمال غير مشروعة، وتكون النتيجة إما إساءة في معاملة الأبناء أو احتقار الأبناء لما يفعلونه، وكلا الجانبين يؤدي إلى نفس النتيجة وهي إما الهروب أو المواجهة وغالبا تكون بالقتل.
– الأسر المنعزلة اجتماعيا بسبب ما تعانيه من مشكلات منزلية تشيع بها مثل هذه الجرائم، حيث يتوقع الأبناء من والديهم توفير كافة الاحتياجات الأساسية لهم مثل الطعام، الملبس والتعليم والترفيه وإذا لم يجدوا ما يحتاجون إليه ينظرون إلى والديهم بأنهم عديمو الفائدة مما يقودهم للتخلص منهم.
– يلقي بعض الآباء والأمهات على أطفالهم أعباء منزلية مثل الطهي، التنظيف، والاعتناء بإخوانهم الصغار، مما يفقدهم الفرصة للاستمتاع بأوقاتهم وممارسة الهوايات والأنشطة التي يمارسها أصدقاؤهم، حتى قد يمنعهم الوالدان من إحضار أصدقائهم المقربين إلى المنزل وهذا يثير بداخلهم دافع القتل.
– يحاول الأبناء أحيانا طلب المساعدة من بعض الأقارب في العائلة أوالمعلمين بالمدرسة لتعلم كيف يتخطون مثل هذه المشكلات الأسرية ولا يجدون من يمد لهم يد العون أو النصيحة ويجدون تجاهلا تاما من كافة الأطراف ذات الدور التوجيهي، لذلك ينفذون ما تمليه عليهم أفكارهم الغير ناضجة أو الواعية وتحدث المأساة.
– العيش مع زوج الأم أو زوجة الأب الذي يسيء معاملاتهم ويحرمهم من الكثير حيث يلاحظون التفرقة بينهم وبين الغير بالإضافة للشعور بالتفكك الأسري والحرمان العاطفي وهذا أحد الأسباب التي تقود إلى الجريمة.
إنهم ليسوا مؤهلين للجريمة:
أوضحت التحقيقات التي جرت حول قضايا قتل الأبناء لوالديهم أن هؤلاء الصغار ليس لديهم خبرة أو ميول جنائية بالفطرة، لكن القتل يمثل لهم عملاً قائماً نتيجة لحالة من اليأس وكان السبيل الوحيد للخروج من وضع عائلي لم يعودوا قادرين على تحمله.
كما أن الطفل الذي يعاني من اضطراب عقلي شديد قد يقتل بالصدفة عندما يحدث له انفصال عن الواقع وغالبا ما نجد أن التقارير الطبية عن حالته تكون مستقرة.
وقليل من الأطفال الذين يقتلون بدون أن يشعروا بأي ندم أو تأنيب للضمير كما، أن والديهم أحيانا يكونون أشخاصاً لطفاء يحبونهم كثيرا، وتكمن المشكلة هنا في الجانب العدائي للمجتمع لأن الطفل الغير اجتماعي نوع خطير جدا يعاني من اضطراب سلوكي قد يستمر إلى أكثر من 6 أشهر.
وهؤلاء هم الأطفال الذين يقتلون والديهم تقريبا عندما يكونون بحاجة إلى الاقتراض أو الشعور بالأنانية.
ما الذي يحتاج إليه المجتمع لتجنب وقوع الأبناء في جريمة قتل الوالدين؟
– نحن بحاجة ملحة لتعليم الوالدين مهارات تربية الأبناء ودعمهم.
– يجب إخضاع الوالدين لدورات تدريبية يتعلمون من خلالها كيف يتعاملون مع الضغوط الحياتية التي تواجههم وكيفية تنشئة الأبناء بالشكل الصحيح.
– توفير الطرق المناسبة للتعامل مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
– قيام علماء النفس والاجتماع بالبحث المكثف لتقديم المعلومات الضرورية حول إدارة البيت، الأسرة وتربية الأبناء.
– على الوالدين تحسين مهارات التواصل المجتمعي وتقوية الروابط العاطفية الصحية، فكلما قوي الارتباط العاطفي بين الأبناء ووالديهم كلما قلت مستويات الجريمة أو الانحرافات الاجتماعية.
– دعم الأطفال في كل المراحل العمرية عن طريق الدورات المدرسية التي تحفزهم على فتح قلوبهم والشكوى إذا تعرضوا لأي إساءة حتى يمكنهم الحصول على المساعدة المطلوبة.
– توفير دورات عن تقوية الثقة بالنفس والبحث عن الحلول المناسبة للمشكلات حتى يتمكن الأبناء من حماية أنفسهم بطرق قانونية سليمة.
– كمجتمع يجب علينا النظر بعين العطف نحو الجناة الصغار، فليس لديهم وعي كافٍ عن جريمتهم فهم بحاجة إلى المساعدة.
– التوعية الدينية المكثفة منذ أن يبدأ الطفل في الاستقبال يعلمونه خلالها عن قيمة الوالدين وأهمية الطاعة والاحترام المتبادل حتى نربي داخل أبنائنا عقيدة وأساس ديني قوي لا يمكن التأثير عليه وكذلك الحال بالنسبة للوالدين أنفسهم.