في تعبيرات الطب والفسيولوجيا يقولون : الجسم تصرّف ، الجسم تكيَّف ، الجسم يعوّض … الخ ، بينما هو في الحقيقة سلوك من الشعور ، فالجسم مادة ولا يمكن أن يقوم بكل هذه العمليات من نفسه , وإلا لماذا لا يتصرف جسم الميت ؟ فجسم الميت كجسم الحي ، وكلاهما مادة !
ومن أدلة تصرّف الشعور على الجسم تجربة الدواء المزيّف ، فقد قدّم مجموعة من الأطباء دواء مزيفاً لمجموعتين من المرضى مصابين بنفس المرض ، وقدّموا للمجموعة الأولى الدواء المزيف دون أن يخبروهم بأنه مزيف ، ولكن قالوا لهم ، بأن هذا الدواء له تأثيرات سلبية في نواحي أخرى على الصحة . وقُدّم نفس الدواء إلى المجموعة الأخرى ، بدون أن يذكر الأطباء ذلك التنبيه الذي قالوه للمجموعة الأولى . وبعد فترة ، كانت النتيجة أن المجموعة الأولى أصبحت تتأثر بما قيل لها عن ذلك الدواء وأصبحوا مستائين ومكتئبين وقلقين ، وازداد مرضهم عن السابق ، بينما المجموعة الأخرى لم تصب بأي شيء .
وأكثر الأمراض والتعب مصدرها هو الشعور ، وأكثر الشفاء كذلك مصدره الشعور .
الجسم ليس مبرمجاً ، ولو كان كذلك فلماذا يتكيّف ويتغير تبعاً للظروف ؟ هناك ما يحرِّك الجسم وهو الشعور , وإلا لماذا يجوع الإنسان تارة ، وتارة أخرى يذهب عنه الجوع ولا يشتهي الطعام بسبب خبر سيء سمعه ؟ لو كان الإنسان مادة مبرمجة لما تغيّرت هذه البرمجة ! فلماذا تظهر أعراض الجوع وتزداد إذا كان الطعام قريباً ومن الممكن الوصول له ؟ كالجالس الذي تزداد عليه آثار الجوع عندما يشم رائحة الشواء والطعام أو يراه مثلاً .
الشعور هو المرض وهو الطب , فإنسان مريض وجسمه متعب ثم يغير خطّه الفكري على نحو أفضل وبشكلٍ يقرّبه للفطرة فتزول هذه الأمراض ويستعيد الجسم صحته ونشاطه , فما علاقة المادة هنا ؟ و أين البرمجة ؟
منذ القِدَم والكلام يدور كثيراً عن التغذية وعلاقتها بالصحة والطاقة والنشاط والجمال ، ولا تُشاهَد آثار بارزة وواضحة لها ، بل الُمشاهَد هو آثار قلة الطعام (الجوع) ، لكن آثار سوء التغذية لا تُشَاهد بوضوح طالما الإنسان يأكل. فالأعراض التي تظهر على مجاعات أفريقيا مثلاً ، هي بسبب نقص التغذية أكثر من كونه سوء التغذية .
وكل بيئة لها غذاؤها ، فشرق آسيا والهند أكثر غذائهم على الأرز والسمك ، والبادية على الحليب والتمر . ولا توجد فروق في الصحة بين الناس رغم اختلاف التوصيات الغذائية على مر الأزمنة ..
ولا يوجد هذا التنوع الغذائي المطلوب في البيئة والطبيعة أصلاً ، فكيف يمكن لسكان الصحراء أن يأكلوا الأناناس أو الموز أو السمك ؟ وكيف لسكان المناطق الاستوائية أن يأكلوا التفاح أو الكرز ؟ لماذا يطلب الطب تنوعا غذائياً وهو غير متوفر في البيئة المحيطة ؟
لو كان هذا الأمر صحيحاً لكانت صحة الأغنياء هي الأفضل ، لأن موائدهم عامرة بكل ما لذ وطاب من ثمار بلدان العالم..!
ولا يتناسب ذلك مع العدل الإلهي ، لأن موائد الفقراء لا تستطيع أن تجمع أنواعاً مختلفة ومتكاملة من الأغذية على الدوام .
أكثر الأدوية التي يصرفها الأطباء هي عبارة عن أغذية ، كالفيتامينات و المعادن والأملاح على شكل أقراص .
يقول الشرق : "قل لي ماذا تأكل أقل لك من أنت" . وهذا القول نوع من المادية ، حيث يعتقد هؤلاء أن المادة تؤثر في الجسم أكثر من الشعور، بالرغم من أن النتائج محدودة بسبب تأثير المادة المحدود على الإنسان ؛ ولهذا فالمريض دائماً ما يُحَسِّس زُوّاره بأنه لم يُشفَ الشفاء التام ، وذلك بسبب تقديم الجزء المادي من العلاج دون الجزء المعنوي ، ومهما صُرف عليه من أدوية فإنه لا يزال يتشكّى .
كان البدو لا يأكلون إلا أنواعاً قليلة من الأطعمة ومع ذلك كانوا أصحاء بشكل عام ، مع أن غذائهم يكاد يكون مقتصراً على الحليب والتمر وأحياناً اللحوم ، وربما بعضهم الحليب فقط . أي أن المشكلة ليست في الغذاء ، فالتأكيد على الربط بين التغذية والصحة مبالغ فيه ، لوجود عامل الشعور الأهم والمُهْمَل في نفس الوقت .
لماذا الطفل يعتمد على الحليب فقط في بدايات حياته بالرغم من أنه ضعيف الجسم ؟؟ لو كانت فكرة التنوع الغذائي لوحدها صحيحة فمن الأولى أن يتنوع غذاء الطفل ولا يستمر على الحليب فقط !
وجود الطعام و الامتناع عنه هي المشكلة ، وليست المشكلة في التنوع الغذائي ذاته ، فالأهم أن يأكل الإنسان مما يتوفر لديه من طعام ، مثلما يفعل أهل البادية في الربيع ، يأكلون بعض الأعشاب التي تنبت حينها .
الجسم لا يتحكم بنفسه ، بل الشعور هو من يتحكم .
يقول العلماء أن التمرة مثلاً فيها ماغنيسيوم وفيها أملاح وسكريات ودهون وفيتامينات وفيها وفيها ، أي أن فيها من كل العناصر ، ولكن يختلف التركيز في الثمار بعضها عن بعض ، أي أن كل شيء فيه من كل شيء .
أثر الشعور أقوى حتى من الأدوية ، والمادة والجسم لهما دور ولكنهما في إطار دورهما الطبيعي المحدود ، فأكثر ما في الإنسان معنوي و الباقي منه مادي ، ولكن الطب الحديث قلب المسألة ، ولم يكن هناك من داعٍ إلا نظرةٌ فكرية تصرّ على أن الإنسان مجرد مادة , وهي من الأفكار التي يتبناها الفكر الإلحادي المادي بشدّة .
الطاقة المعنوية التي يكسبها الإنسان أكبر من الطاقة التي يكسبها من الطعام والشراب ، وكذلك الأمراض والطاقات التي يكتسبها من المعنوي أكبر تأثيراً من نظيرها المادي . يكفي أن الحياة نفسها من المعنوي ، وليست مادّة ، فلماذا تُحمّل المادة ما لا تحتمل ؟
يجب أن يكون الطب الحديث منصفاً ويعطي الجوانب المعنوية حقّها ، والتي لها النصيب الأكبر ، بغض النظر عن المواقف الفكرية ، فلا يحسن خيانة العلم من أجل إثبات مواقف فكرية ، فالمادة ليست الأهم والأدلة كثيرة على ذلك ، ويتجلى الموقف الفكري عندما يعجز الأطباء عن معاملة المرض مادياً فينسبونه إلى النفس , وإذا نوقشوا في الجسم قالوا أنه مادي ، وقالوا أن الجسم مادة وأن المخ يتحكم به مادياً ! ثم إذا عجزوا عن تشخيص المرض أو شفائه قالوا : عالج مشاكلك الاجتماعية والنفسية !!
إذاً مادامت النفس تُعالج الأمراض ، فلماذا لا يُعتمد عليها وتدرس دوافعها أولاً؟ وتتغير النظرة السائدة في الطب وهي : (أن الإنسان مادّة يعالج بالمادة) ؟!! هذه جريمة ، ومَثَلُ هذا التفكير مَثَلُ المشعوذ الذي يثبت أفكاره على حساب المرضى وآلامهم .
الأغذية الصناعية المساعدة للطفل هي مضرة له ؛ لأن أي طفل تكفيه الرضاعة ، إلا من لدى أمه قصور في الرضاعة ، والرضاعة في القرآن مدتها سنتين ، والأمهات الآن لا يرضعن أبنائهن سنتين ، وهذا ما يسبب ضعف الأطفال ، ويُلاحظ أن الحيوانات تكبر أجسامها إذا استمرت في فترة الرضاعة مدة أطول .